هل صدق أهل الأمثال حقًا؟
لا يوجد معتقدات راسخة لا يُقبل الفصال فيها حينما تؤمن بذلك، حتمًا ستجد نورك.
add تابِعني remove_red_eye 512
كثيرًا ما تستهويني طبائع الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم اللاهية بالمنطق والعقل، فأتسائل: كيف ترعرعت ونمت.. كيف نشأت ومتى؟ وإلى ماذا سيحال أمرها؟
ثم أقف متعجبًا: أيعقل أن تُفنى الأقوام وتذهب ريحهم ولا تُفنى تقاليدهم و عاداتهم؟
إذا أمعنا النظر في العصور المختلفة على مر التاريخ، نجد إن غالبًا ما تبلج عادات الجهلاء من سلطان ظالم غير سوي، تختلج به نفسه لأمر من الأمور أراد أن يأثر بها نفسه أو يبخسها على غيره، فيضع لها أعرافٍ لا تقل عنه بطشًا وجهلًا يحرم بها ما لا يرضى ان يحرمه على نفسه، ويحل بها من الأذى ما يخشاه على نفسه والتي إن لم تُنفذ سيُلقى من بطشه ما يُلقى.
ثم يوارى التراب السلطان وقومه وتتوارثها الأجيال كشيء قدسي سماوي، تأثم أنفسهم إن تركته وتبغضهم عيون الناس ان عصته!
أو رجل دين أغواه سذاجة العامة فنال منهم لمآربه وهواه. فلا يلبثوا أن يأخذوا منه الأمور كبيرها وصغيرها على غير تكلف ولا عناء وكأنه الروح القدس، فلا يراجعه أحد أيًا كان وإن فعلت ذلك فأنك آثم جاهل! وهنا لا فرق بينه وبين السلطان الباطش.
ومن جانبًا آخر -بل من الجانب الأسوء والأكثر شؤمًا- قد تنشأ التقاليد البغيضة من سذج العامة أنفسهم، فيشيع أحدهم تجربته ويصدقها الباقين وخاصة ان كانت تحض على الخوف من العاقبة وترك زمام الأمور.
لن تحتاج إلى الكثير لتلقي نظراتٍ خاطفة على الشعوب وعادتها وتقاليدها يكفيك النظر في أدابهم وألوان فنونهم وأغانيهم والأحرى أمعن النظر في أمثالهم الشعبية، سترى حينها حقًا ما يعتنقه هذا الشعب. والآن فلنسترق النظر على بعض الأمثال المصرية بلهجتها العامية، والتي وصفت بدقة بعض ما يعانيه المجتمع المصري:
- “أهو ضل راجل ولا ضل حيطة”
- “ضرب الحبيب زي أكل الزبيب”
لا أعزائي ولماذا يكنفني أحدهم بظله وأنا لم أعجز بعد؟ إلى الجحيم هو وحيطتهم وزبيبهم إن كان رجلًا ظالمًا لا يصلح لكونه أبًا وإنسانًا!
وأخيرًا
- “اكسر للبنت ضلع يطلع لها اربعة وعشرين”
مغزى هذا القول أن لا ضير من أذى ولا ضرر إن اعتديت على فتاتك بغيةٍ في تأديبها فلن يصيبها السوء!
لا يا عزيزي، فسواء أكان فتى أو فتاة لا يحق لك ان تعتدي عليهم، فإن لم يلحق الضرر بأجسادهم الضئيلة فسيلاحقهم نفسيًا طيلة حياتهم.
تلك بعض الأمثال التي تمر علينا مرور الكرام ولا نمعن النظر فيما تحمله في طياتها من شر متوارثٍ للحد الذي جعله شرًا مباحًا الأخذ به ولا يأثم فاعله، ولا ينقص من إنسانيته مقدار ذرّة، بل بعضًا منهم يتفاخر بأذاه وبغيه.. المسموح مجتمعيًا!
فلأمثال ليست إلا مرآة لجزء صغير جدًا من تقاليدًا و عادات متوارثة، فُنية أقوامها وبقي جهلهم فلن تزول إلا بزواله لا بزوالهم.
وعندما يُدعم الجهل بقبول مجتمعي ومعتقدات دينية خاطئة يقدسها البعض تقديسًا إلهيًا لا يحتمل الشك في كونه مغالطة، يصبح أحد مسلمات الطبيعة، بل ما هو أكثر من ذلك! قد تقبله فئة معينة حتى وإن كان عبئًا وجورًا عليها! بل ما هو أكثر من ذلك وأغض، فبعضهم يحضّك على كره ذاتك وتهوين شأنها، فكلما بخستها أكثر كلما ارتفعت منزلتك في نظرهم وهيهات هيهات!!
لتجد نفسك واقفًا في منتصف الطريق لا تعلم كيف يتم تنميط الشعوب وتشكيل الطريقة التي يفكرون بها، كيف يتم إقناع فئة معينة منهم بأنهم الأقل لمجرد اختلاف في لون البشرة او العرق او الجنس؟.
كيف يجعلونهم يطلبون الأذى ويتفاخرون به إذا تلقّوه؟ كيف يبخسون حيواتهم فيرضون بأقل القليل منها؟
بقدر ما أعجب برضى هؤلاء بمآسيهم وإقرارهم بإستحقاقها، أعجب لمن يتغافل عنهم ويقر ما أقروه ظلمًا وبهتانًا ولا يأبه لهم، فلا يمج ذلك قلبه ولا يستبشعه حسه، وهذا وبكل بساطة لأن الأمر لا يعنيه فلن يضره في شئ إن ظُلموا وبُخست حقوقهم.
لماذا أبحث عن حقوق ذوي البشرة السمراء وأنا أبيض لا حرج علي؟ لماذا أدافع عن حقوق المرأة بما يبخس حقي وسلطتي عليها؟ لماذا أعارض إيذاء الحيوانات وأطلب لهم الرحمة في الأرض، وأنا لست حيوانًا فلنطلب الرحمة للبشر أولًا.
بربك أطلبتها للبشر؟ فالمبادئ لا تتجزأ ولا يأخذ بعضها دون بعض. لا عليك يا صديقي يومًا ما ستنال ما بذرت فما أغناه عنك سوى الوقت ليس إلا.
وأخيرًا يأسفني ان تكون الإجابة هي “نحن”
نحن من فعلنا ذلك ونحن من ارتضيناه لغيرنا وسنرضاه علينا لا محال. نحن يا صديقي من أذعن لبطش السلطان الجائر بدون نجرأ لمحاسبته.
نحن من آمن بالله ورسله وتجار الدين كأحد أركان الإيمان وكأن لن يقبل لأحدًا دينًا بدونهم، وأبينا حتى أن نستنبط مرجعيتهم ونتفحصها عقلًا وقلبًا.
نحن من أثرنا كسل الجهل على عناء العلم وجهده، نحن الذين لم نبتغي للنور سبيلًا، فعلى أي حال المكوث منكب الوجه في الظلام خيرًا من التعثر أثناء بحثك عن طريق تلتمس فيه نورًا، ولكن مكوثك سيفني عمرك هباءًا منثورًا كبيت عنكبوتًا نازحًا بجوارك فما هاجر إلا ابتغاءًا في النور.
ولن يأتيك النور إلا في طرق الأبواب وزجرها ولن يأتيك إلا في تأملاتك وتفكرك حتى في بداهيات الأمور، فلا يوجد معتقدات راسخة لا يقبل الفصال فيها حينما تؤمن بذلك حتمًا ستجد نورك.
فكل شيء يحتمل الصواب والخطأ، وكل شيء محل شك، وما عاش إلا الأحرار الرافضين.. أما الباقون فقد أسقطتهم الحياة كما تهوى الأمطار من السحب، فلا تعلم ما هوى منها ولا تبقى قطرات المطر إلا ومضة من الزمن لا يتبعها أثر.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 512
مقال مثير حول العادات الراسخة التي لابد أن تتخلص منها المجتمعات
link https://ziid.net/?p=73371