سلسلة ما الذي تعلمناه من الكورونا (#1)
جاءت الجائحة فتركتنا نحن البشر أمام عدة اختيارات ومراجعات وأفكار يجب أن نطبقها وأخرى يجب أن نراجعها.
add تابِعني remove_red_eye 9,131
فوجئنا نهاية العام الفائت بما سُميّت الجائحة: فيروس لعين يصيب البشر والحيوانات ويهدد حياتنا كبشر، يهدد استقرارنا ومسارنا كله، ويهدد وجودنا شبه المستقر في الحياة.
نستهين بتلك الفيروسات التي تحتل أجسادنا وتدمرنا من الداخل، تلتهم صحة خلايانا كما يلتهم الجراد كل ما هو أخضر. يُصاب المريض ويتعرض لما يشبه نزلة البرد العادية، ثم فجأة تتحول لصعوبة في التنفس، اضطرابات وتدهور في عمل الأجهزة الداخلية للمريض، ثم نصل لمرحلة أن تتمكن تلك الفيروسات اللعينة التي تتخذ من أجسادنا وسيلة للانتقال و الانتشار والتحور والتطور، تلك المرحلة التي تتمكن فيها من الجسد، فيكون الجسد أمام خيارين: إما أن يستسلم فيتحول لمسدس طالق للفيروسات ناشرًا لها، أو أن يكون الجسد أقوى من تلك اللعنة ليكون مناعة ضدها ويطردها.
ما الذي أدركته عندما حلت تلك اللعنة؟
وما الذي أدركته البشرية في عصرها الحديث؟ لقد أدركنا العديد من الأشياء. أولها أن التاريخ مقطوعة من الموسيقى تُعيد نفسها بنفسها بدون توقف، أدركنا كم نحن صغار في عيون ذلك الكوكب، وأن الحجم ليس بالضرورة! فقد قضى هذا اللا مرئي على أكثر من مليون إنسانًا وأصاب حوالي 45 مليون إنسانًا حول العالم!
هل تدرك الآن ما أود التحدث عنه؟ إن لم تعلمنا تلك المحنة الشديدة، فما الذي سيعلمنا؟ كيف ستدرك أنت إن كنت على المسار الصحيح أم لا أو إن كنت تحتاج لتغيير شيء في مسار حياتك إن عشت في فقاعتك دون التعرض للتجارب والمحن؟ من نحن إن بقينا مجمدين الفكر؟ من نحن إن توقفنا عن الملاحظة والتطور؟
هذا المقال والذي يليه سيكونان عن الذي تعلمناه من الكورونا ووقتها المستمر حتى تلك اللحظة التي أجلس فيها أمام حاسوبي لتفريغ محتويات عقلي.
أولًا: العلم بدلاً من الأسلحة والحروب
في أبريل – 2018، خرجت “جمعية ماساتشوستس الطبية – Massachusetts Medical Society” علينا بمحاضرة عن الأوبئة، كان ضيف تلك المحاضرة هو “بيل غيتس”، نعم لقد قرأتها بصورة صحيحة يا عزيزي! إنه ذلك الغني العبقري الذي يحاول أن يساعدنا بالتوعية ويرينا ما الذي وصلنا إليه، لن أطيل عليك ولكن قيل في بداية عام (2020م) أنه توقع الـ”كورونا”أو كما يُدعى: كوفيد-19.. كيف حدث هذا؟ سأقول لك .. قال “غيتس”:
“إذا كان هناك شيئ واحد نعرفه من التاريخ، فهو أن مرضًا جديدًا مميتًا سيظهر وينتشر في جميع أنحاء العالم، ومن الوارد أن يحدث ذلك في غضون العقد المقبل ونحن لسنا مستعدين لذلك.”
حسنًا، وصل بيل لصميم نقطتنا هنا، فهو يرى أن الحكومات تهدر الكثير من المليارات على صناعة الأسلحة، صناعة الصواريخ، والأسلحة النووية، كما تقوم بهدر المليارات على صفقات الطائرات المقاتلة وصفقات الأسلحة، فلم لا نضع أموالنا لاستثمار صحتنا؟
كان بيل محقًا، فالتاريخ يعيد نفسه، بما يحمل من ثورات وتغييرات مفاجئة، كما يحمل الأمراض والأوبئة، فقد عاد التاريخ نفسه وظهر فيروس قاتل يتجول حول العالم حاصدًا الأرواح كما يفعل الموت بعباءته السوداء.
لذا رأى بيل أننا في عصر متقدم ولسنا كأسلافنا، فيجب الاستعداد جيدًا لأي موجة من تلك الأمراض الحاصدة للأرواح البشرية. يجب على البشرية أن تهتم بنفسها وبصحتها وبصناعة ما يجعل العالم معافًا وبصحة جيدة، ولا يقوم بهدر موارده وأمواله وطاقاته ووقته هنا على الأرض بشراء وتصنيع ما يدمرنا في النهاية.
ثانيًا: الاهتمام بالعلاج النفسي
هل تعلم أن تلك الجائحة أثرت على الحالة النفسية لمعظم البشر؟ حسنًا، لسنا كلنا إيجابيين! وهذه معلومة بديهية.
انتظر! فأنا أحاول أن أشرح لك خطوة بخطوة. نحن البشر لسنا متساويين، لسنا بنفس الحالة النفسية والفكرية والاجتماعية والمادية. نحن مختلفون وهذا يؤدي للتالي: هناك قسمان منا أثناء تلك الجائحة، هناك الفئة التي تحاول أن تستفيد من تلك الفترة، وهناك الفئة التي قاربت الانهيار، قد أذاها الانعزال والذعر وأصيبت بالاكتئاب أو حتى نوبات الذعر المتكررة والتفكير في كل ما هو سيء، ترى تلك الفئة أن البشر الآن يجلسون في بيوتهم ينتظرون الموت في وحدة وخوف وهذا يثير افعالهم فلا تستطيع أعصابهم التماسك.
ولذلك قامت بعض الدول كـ”مصر” بعمل خطوط ساخنة مجانية للصحة النفسية على مدار اليوم، يمكنك الاتصال والتحدث مع طبيب متخصص، بوقت لا محدود أو مقيد، فكرة رائعة، أليس كذلك؟
ثالثًا: معرفة قيمة العمل
وصل الفيروس سريعًا للدول العربية، فما كان من الحكومات غير أن تحاول احتوائه دون اللجوء إلى إغلاق جزئي أو حتى كلي للأعمال والأشغال.
ولكن، الوضع تغير ولم تستطع الدول العربية السيطرة وذلك يرجع إلى الكثير من الأسباب. أهمّها أن المواطنين لم يقوموا بعمل الاحتياطات اللازمة أو الشركات التي تجاهلت الحفاظ على صحة موظفينها. ولذا حينما قامت الحكومات بالإغلاق، قامت بإغلاق الأشغال والأعمال.
أصبح معظم الموظفين المتأفيين من عملهم في منازلهم بدون عمل، ليس مفصولاً عن العمل، وإنما في إجازة “إجبارية” لأسبوع أو اثنين أو حتى شهر. بعض أقاربي الذين كانوا يكرهون عملهم وصل بهم الوضع أنهم شعروا بإكتئاب شديد وذلك لعدم فعل أي شيء أو ممارسة روتينهم المزعج، كانوا يريدون العمل. العمل يمكن أن يكون صعبًا ومملاً أو يحتمل أن تكون غير مرتاحًا فيه بصورة كافية، ولكنك بعد تلك المحنة التي مرت بها البشرية، غالباً -وأقول غالبًا- ستكون ممتنًا للعمل بصورة أكبر.
رابعًا: تقدير أهمية الأشياء الصغيرة
هناك العديد من المقاطع التي انتشرت، مقاطع فيديو كوميدية؛ تلك المقاطع كانت تصف كيف نتأنق كامل التأنق فقط .. لكي نرمي الفضلات في صندوق الفضلات الموجود خارج منازلنا.
عندما انتهيت من مشاهدة تلك المقاطع المنتشرة على الـ”فيس بوك” و”انستجرام”، لاحظت أن تعليقات الناس على تلك المقاطع متشابه، وهو أنهم أصبحوا يقومون بنفس الشيء.. أصبحوا يتأنقون إن كانوا ذاهبين لمحل البقالة أو لرمي فضلات شقتهم أو لآخر الشارع ليحضروا منظفات ومعقمات للمنزل!
تلك الأشياء التافهة التي نفعلها بكل ملل وعدم انتباه، نفعل تلك التفاصيل التي نمتن لها الآن ونحاول أن نستخلص منها أي لحظات روتينية كنا نقوم بفعلها. تلك الفيروسات تهاجمنا ولكنها لا تعلم أن تفكيرنا يتغير كل يوم وهي تحاربنا، نصبح أكثر انتباهاً، وأكثر امتناناً أيضا.
خامسًا: أهمية تأثير المحيط على الفرد
خُلق الإنسان وهو لا يستطيع أن يعيش وحده في الحياة، فقد خلقنا كجماعات وأسر ومجتمعات.
حسناً، حتى لو كنت شخصية انطوائية، فأنت تتعامل مع الكثير من البشر كل يوم، تتعامل مع العملاء في عملك وزملائك ومديرك وجيرانك والناس التي تركب معك في نفس الحافلة، وإن كنت في المنزل فأنت تتعامل مع أهلك وأقاربك والجيران والمارّة في الشارع إن أرادوا أن يستفسروا عن شيء، كما أنك تتعامل مع البائع والطبيب، والكاتب والممرض والسباك، باختصار.. أنت كبشري لا تستطيع أن تقيم وحدك دون أن تحاط بآخرين.
من المهم أن تدرك أن من يحيط بك هو مؤثر من الدرجة الأولى عليك. ما يحدث حولك هو نتاج تفاعلك مع الآخرين ومن الأحداث اليومية. لا تحيط نفسك بما لن تستطيع معه صبرا، إعلم أنك إن شعرت بالذعر فأنت تشعر بذلك لأنك استنتجته أو لأن هذا رد فعلك على من حولك. حاوط نفسك بما سوف يريحك، اجعل نفسك أولى أولوياتك. في كتاب “سيكولوجية الجماهير”، يذكر “غوستاف لوبون” أن العقل الجمعي يلغي العقل الفردي ويمكنه أيضاً أن يلغي المنطق، لذا إن كنت تعلم تلك المعلومة، فاختر ما الذي يستطيع أن يقترب منك أو يحركك.
مع كل خطوة نخطوها مع هذا الفيروس، تلك الرحلة الطويلة سوف نتعلم .. إلى الجزء الثاني عزيزي القاريء.
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 9,131
مقال ملهم حول تجربة الكورونا
link https://ziid.net/?p=73191