كورونا بين الخير والشر
قد تبدو الكورونا في ظاهرها شرًّا بالغًا ولكنها أيضًا لها جوانب إيجابية لا يمكننا أن ننكرها سواء على الأفراد أو الدول
add تابِعني remove_red_eye 5,233
لا يكاد يفتح إنسان منا عينه أو يُدير أذنه ناحية أي وسيلة إعلامية في الشهور الأخيرة إلا ويسمع سيلًا من الأخبار والتحليلات والتقارير الإخبارية كُلها تتناول الأخطار والخسائر الاقتصادية والبشرية بسبب انتشار وباء كورونا (كوفيد-19)، فلقد وصلت الخسائر البشرية إلى موت ملايين البشر فضلًا عن ملايين مضاعفة من الإصابات المحتملة والمؤكدة، أما عن الأنشطة التجارية التي توقفت فحدِّث ولا حرج، فبدأ الأمر بغلق كل المنشآت السياحية وانتهى الأمر بغلق كامل للمصانع والمعامل بل وفرض حظر التجول الكامل على المواطنين على مستوى العالم، ولا يُمكن أن نستثني دولة أو مجتمعًا من هذا الحظر وهذا الخوف المُريع.
ولكن هل يجوز لنا أن نتساءل، أليس لهذا الوباء الجامح وجه آخر، وجه يكون فيه بعض الخير؟! في الحقيقة إني أرى أن كورنا مثل عصاة المُعلِّم فقد يتألم المُتَعلِّم من وقعها وقد يصرخ من ألمها وقد يُحاول الفِرار منها إذا وجد لذلك سبيلًا، لكنها في النهاية عصا تُقَوِّم المعوج وتَعدِل المنحرف. هكذا يكون الوجه الآخر لوباء كورونا، فكورونا إصلاح وتهذيب وتعليم. كيف ذلك؟ إني أرى الخير في هذا الوباء من عدة جوانب وعلى عدة مستويات نذكر منها:
على مستوى الفرد والأسرة: لقد فرض وباء كورونا علينا أن نتخلى عن كل همومنا ومشاغلنا خارج البيوت ونجلس في بيوتنا فمنا مَن لم يكن يجلس مع أولاده إلا في المناسبات المتفرقات والتي أصبحت في السنوات الأخيرة لقاءات سريعة خاطفة لا تتعدى معرفة الأخبار الظاهرية لكل مِنّا مع أبنائه وإخوانه، لقد فقدنا في السنوات الأخيرة اللقاءات الدافئة لقاءات الفضفضة البريئة والجلسات الغير ذات هدف بين الفرد وذويه -أولاده وإخوانه– التي يتكلم الفرد فيها عن ما يدور في نفسه، عن آهاته وآلامه، عن طموحاته وأحلامه، عن واقعه وما يجابه من مُشكلات وتحديات.
في هذه اللحظة أرسل الله هذا الوباء ليعود كلٌّ منّا إلى هذه الدائرة الأُسرية الضيقة والمحدودة ويترك العالم الواسع المتشعب ليعود إلى سيرته الأولى فيعود إلى دفء الأسرة والتواجد المستمر في إجازة طويلة لكي يشبع من هذا الدفء ويُعيد حساباته ويرى أنه يُمكن أن يزيد من ساعات تواجده وسط أولاده وإخوانه أكثر مما كان يحدث قبل كورونا. عاد كثير منّا إلى الجلوس مع الأطفال في جو من المزاح واللهو الجميل. هذه الجلسات وهذا التفرغ الإجباري كان كثيرٌ منّا في أمسّ الحاجة إليه، وهذا التفرغ الإجباري كان خيرًا من وجوه متعددة.
على مستوى المجتمع
لقد أجبر وباء كورونا الناس على تقليص دورهم الاجتماعي فدائرة الأقرباء والأصدقاء الواسعة بدأت تتآكل كلما اشتد الخطر فهذه المساجد التي لم نكن نذهب إليها إلا في أيام الجُمع وفي شهر رمضان وفي مرات متفرقة في أيام متفرقات شعرنا بفقدانها فالمآذن تؤذن ولكن داخل هذا الآذان كلمة غريبة على الأسماع “ألا صلُّوا في رحالكم” فلم نعد رغم هذا الفراغ القاتل قادرين على الذهاب لنتضرع إلى الله في مساجده.
أصبحت كل الأيام متشابهة فلا يكاد يعرف الإنسان الفرق بين يومٍ ويوم، وهذا الأمر بدون شك شرّ يؤلم كل المؤمنين ولكنه دفعنا في نفس الوقت لنُصلي في بيوتنا فيُصبح كل بيت فيه مسجد نُصلي فيه ونُعلم أطفالنا آداب الصلاة والوضوء وآداب الوقوف بين يدي الله، وهذا الأمر بدون شك خير من وجوه متعددة؛ لقد مَنَعنَا وباء كورونا من السفر البعيد في البداية ثم بدأت الدائرة تضيق حتى مكثنا في البيوت وهذا شرّ وتعطيل لمصالحنا، ولكنه في نفس الوقت فرّغنا لأعمال أخرى، فمِنا مَنْ فكر في التَعلُّم عبر الإنترنت ومِنا مَنْ فكّر في إدارة أعماله ومشاغله عبر هذه الشبكة، وكأننا أخيرًا اكتشفنا أن هناك أعمالًا أخرى مُفيدة أكثر بكثير مما كُنا نعلم في التكنولوجيا الحديثة وهذا بدون شك خيرٌ من وجوه متعددة.
على مستوى الدولة
لقد ارتبكت الدول، فهذه الجائحة أشد من الحرب التقليدية فلم يُسجل التاريخ أن أمة من الأمم قد فرضت حظر التجول على أراضيها بالكامل حتى في أشد الحروب فتكًا ودمارًا. جاء هذا الوباء ليقول لكل أُمم الأرض قِفوا وتذكروا فإن ترسانتكم العسكرية لن تُفيد، عليكم أن تُغلقوا المطارات والموانئ والمنافذ البحرية والبرية كافة، عليكم أن تُجندوا كل مؤسساتكم لمواجهة هذا الوباء الخطير فالمشكلة لا يُمكن أن تتحملها مؤسسات الدولة الصحية فقط فكل الدولة بكل مكوناتها يجب أن تشترك في المواجهة، ولكي تقوم الدول بهذه الإجراءات خسرت مليارات الدولارات إما في صورة تحصيلات للخزينة العامة أو في صورة تعويضات للأفراد الذين فقدوا أعمالهم أو في صورة توفير مستلزمات صحية لمواجهة هذا الخطر الداهم.
وكل ذلك بدون شك شرّ لا حدود له، ولكنه من ناحية أخرى جعل مراكز البحوث في هذه الدول تتحرك مُكرهة وليست مُخَيرة لإيجاد بدائل عن السلع المستوردة، بدأت مراكز البحوث ومراكز صناعة القرار تُفكر في أن هناك أشياء أهم بكثير من الإنفاق على المباريات الرياضية والمهرجانات الفنية الراقصة، هناك أشياء أخرى يجب أن نهتم بها. أين اهتمامنا بالبحث العلمي؟ أين اهتمامنا بالتعليم الذي يرفع من وعي المواطن ويجعله قادرًا على حماية ومساعدة نفسه وغيره؟ أين اهتمامنا ببناء مؤسسات صحية متكاملة التي تقوم على أساس التأهيل والبحث العلمي والتطوير المستمر؟ أين اهتمامنا بإنتاجنا من الزراعة والصناعة حتى نستطيع أن نوفر طعامنا وعلاجنا وسلاحنا من داخل حدودنا، دون الحاجة إلى غيرنا. بدون شك هذه الجائحة فرضت على كل دول العالم أن تُعيد حساباتها وتُعيد ترتيب أولوياتها من جديد وهذا الأمر خيرٌ من وجوه متعددة.
في الناهية فإن الكلام في ذلك يطول، ولكن لا أجد أفضل ولا أوجز ولا أحكم من قول ربنا ﴿عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[البقرة:216]، وقوله تعالى ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾[الشرح:6،5]. فيجب أن نتعلم ونستفيد من هذه الجائحة في إدارة شئوننا في المستقبل.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 5,233
يرصد المقال الفوائد والمنافع التي حصلت للأفراد والدول بسبب هذا الوباء اللعين- الكورونا
link https://ziid.net/?p=61960