بين إغراء المغامرة ومفهوم الأهل عن الحياة السعيدة: ثغرة صغيرة تُدعى “أنت”
القلق بشأن المستقبل أمر طبيعي ويساعدنا في كثير من الأحيان على اتخاذ القرار الصحيح ولكن من المهم ألا ندع القلق يدمر الحاضر
add تابِعني remove_red_eye 497
صدقني أن فكرة هذا المقال قد أتتني في موسم حساس، امتحانات الثانوية العامة والبدء للتقديم في الجامعات وكل هذا التشتت، ومع أنني وفي الأساس لم أكن أهدف لمحادثة هذه الفئة بعينها، إلا أنه وحينما بدأت في الكتابة لم أرَ أمامي إلا هم، وربما يرجع ذلك إلى أنني ومنذ فترة قصيرة كنت مقيدة أيضًا بهذا الشعور المضطرب الذي تفرضه علينا هذه الفترة، شعور تحديد المصير؛ لذا أعتقد أنني لم أنسَ.
ومع أن الأشخاص في هذه المرحلة لا يواجهون أصعب أوقات حياتهم وأكثرها توترًا، ولكنهم في الغالب سيعتقدون ذلك؛ لأننا جميعا نعيش في عالم صاخب سريع، وفي خضم كل هذه السرعة والتطور نحن لا نملك إلا حياة واحدة، وأغلبنا بطبيعة الحال والظروف، ولأسباب اقتصادية ومنطقية، لا يستطيع المغامرة بتجربة أنماط حياة كثيرة حتى يجد بينهم الأنسب، أو دعونا نقول “الطريقة التي يريد أن يعيش بها”.
وهكذا نوضع بين خيارين، أولهم أن تخاطر بالتجربة، وهكذا تضرب بعرض الحائط كل الاحتمالات الآمنة وتذهب مع ما تشعر أنه يناسبك حتى لو لم يعنِ ذلك وقوفك على أرض صلبة. وبالتالي أنت تعرض نفسك للضياع في مهبّ الريح لو فشلت التجربة، وأما الخيار الثاني، وهو الذي يلجأ له غالبية الناس هو اختيار النمط الذي يعتقدون أنه من الصحيح أن يخوضوه.
والصحيح هنا، لا يعني مجرد إحساسك الشخصي. بل ما هو مثبت بتجارب سابقة للآخرين. وهو نظام متعارف عليه في الحياة. قد لا يملك أيّ قَدْر من المغامرة، ولكنه آمن. وبرغم أن الاختيار في حد ذاته صعب على عقلك دون تدخلات خارجية؛ لأنها في النهاية حياتك وتجربتك و”أنت” والأمر يربكك على الصعيد الأول. ولكنك قد لا تُمنح الفرصة في كثير من الأحيان لخوض المفاضلة بنفسك؛ لأنك بخلاف المؤثرات في مناخ مجتمعك وتفضيلاته والطريقة التي أنت محكوم بالعيش بها ستملك؛ إلى جانب كل هذا “أهلك”.
نظرة أقرب
دعونا نأخذ الصورة من زاويتين مختلفتين. أولًا، أهلك هم الأشخاص الذين ساهموا في إنجابك، والذين دعموك ماديًّا حتى صرت أنت الآن. وغالبًا، سيظل أهلك يدعمونك ماديًّا حتى تجد ما تدعم به نفسك، وإذا فكرنا في الأمر بعملية عقلية بسيطة، فتدخل أهلك في اختيارك المهني المستقبلي قائم أيضًا على المدة التي يسعهم فيها الاستمرار في دعمك.
بلغة أبسط، الاختيار الآمن يقرب انتهاء كفاحهم من أجلك. أما اختيارك القائم على المغامرة، يجعل كل الأمور بالنسبة لهم ضبابية، أما الزاوية الأخرى، والعاطفية أكثر، فأهلك أيضًا هم الأشخاص الذين ساهموا في إنجابك. وقبل إنجابك، كان أهلك في ذات موضعك الآن، شباب يخضون تجربة الحياة والاختيار، وبصرف النظر عن ما اختاروه، فذلك –أيًّا كان- قد أعطاهم خبرة، لذا ما يحاوله أهلك من محاولات للتأثير عليك هو واقع خبراتهم السابقة ورغباتهم في أن تخوض أنت طريقًا أفضل.
متى تبدأ الأمور بالتوتر بينك وبينهم؟
تبدأ مرحلة ذعر الأهل حسب ما ستطرحه أنت. فإن كانت أفكارك هذه تنتمي لما هو “غير آمن” فأنت بالتالي تثير قلقهم. في الفيلم الأول من ثلاثية أفلام “Before” تحكي “سيلين” بطلة الفيلم عن والديها وتقول :
“قلت لأبي أريد أن أكون أديبة، فقال صحفية. قلت إنني أريد امتلاك مأوى للحيوانات الضالة، فقال طبيبة بيطرية. قلت إذًا سأصبح ممثلة، فقال مذيعة أخبار بالتلفزيون. كان يستمر باستبدال تطلعاتي لأمور قابلة للكسب المادي”.
يوضح هذا المشهد كم يهتم الأهل بتوجيهك لما هو مرتبط بحياة مستقرة في المستقبل حتى لو على حساب أحلامك المتطلعة بالتفرد. ولا يعني ذلك بالضرورة رغبتهم في السيطرة عليك (برغم أنني لا أنكر وجود الأهالي المهووسين بالسيطرة) ولكن الأمر في أغلب الأحيان ينبع من القلق، فلا تعتقد أبدًا أنهم لا يريدونك أن تتميز. بالعكس؛ فذلك سيثير فخرهم، ويثبت أن نضال عمرهم أتى بنتاج. ولكن الاحتمال الذي يشغلهم أكثر يبقى موجودًا. وهو ألا تؤتي تجربتك الفريدة غير الآمنة بأية ثمار. فأول ما يقفز لعقلهم حينها يكون: ماذا ستفعل بعد ذلك؟
الطرف الحاسم الآن: أنت
كل هذه التعقيدات تتسلل إليك، وتجعل حيرتك أصعب ورأسك مصابًا بالصداع. فأهلك يفترضون أنه إذا ما استمعت لنصائحهم واستمريت بالطريق الآمن وسرت على الخُطى المرسومة فذلك بلا شك من شأنه تأمين حياتك، ومن شأنه أن يمنحك السعادة. ولكنك تظل تسأل نفسك: هل حقًّا سأشعر بالسعادة؟
تجربة شخصية
لازلت حتى اليوم أتذكر ذلك أيضًا، حينما نصحني والداي بدراسة الصيدلة لأنها كانت أكثر التخصصات الآمنة التي أتيحت لي. سألت نفسي يومها “هل سأكون سعيدة؟” وكنت أعرف أن إجابتي هي لا. ولم يكن أبدًا بالأمر السهل إخبارهم بذلك. سواء على مستوى تأكدي أنا نفسي من القرار، أو قدرتي على نقله إليهم. ولكنني ها هنا اليوم، تنتابني نوبات الندم أحيانًا بشأن الطريق الذي اخترته. وأحيانًا أتمسك به كحياتي وأهم، وأشخاص عديدون حولي قاموا باختيار العكس مني يجزمون بأن نفس الشعور يتسلل لهم من وقتًا لآخر.
ما تفكر به، أفكر به أيضًا
ولكن الحقيقة هي أن ذلك الذي ينتابنا ليس الندم، ولكن عدم الأمان. وأيًّا كان الطريق الذي ستختاره، تأكد بأنه لن يكون ورديًّا وكثيرًا ما ستشعر على مداره بهذا الشعور غير المتوازن، اللحظات السيئة والجيدة. وسؤالك الفضولي عن الحياة التي كنت ستعيشها على الجانب الآخر، الذي لم تسِر فيه. ولكنك لن تعرف أبدًا أيهم كان أفضل إلا بعد أن تكون قد قطعت شوطًا طويلًا بالفعل؛ لذا ما أريدك أن تعمله اليوم أنه أيًّا كان الطريق الذي سرت فيه وينتابك عدم التأكد بشأنه. اعلم أنه ربما أنني وأنت سِرْنا في شيء مشابه أو مختلف، لكنني ينتابني نفس ما ينتابك برغم كل شيء؛ لذا توقف عن القلق وفقط سِر.
فكما قلت سابقًا، إنها مجرد حياة واحدة. وأيًا كان طريقك الذي تسير فيه، بالتأكيد أنه أعظم وأفضل من انغماسك في القلق.
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 497
دردشة بسيطة حول ما يدور في عقلك وعقلي وعقل أغلب البشر دائمًا القلق بشأن ما هو قادم.
link https://ziid.net/?p=61781