تجربتي الشخصية جدًا في التغلب على حبسة الكاتب
أسوأ شبح يطارد الكُتاب ،هو شبح الانسداد الكتابي أو حبسة الكتابة، ولكن بتغيير روتينك اليومي وكسر المعتاد قد يصبح العلاج متاحا وسهلا
add تابِعني remove_red_eye 29,562
أتعلمون أن أول شيء يدفعني للكتابة هو رغبتي في البوح بأسراري؟
أعتقد أن ذلك يرجع إلى اعتيادي على كتابة أسراري في مذكراتي-كما أخبرتكم من قَبْل-دعوني أخبركم بسرّ اليوم، قبل أن تأخذني دوّامة الكِتابة كالعادة فأذهب معها لمواضيع مختلفة بعيدًا عن الموضوع الرئيس، سرّي اليوم هو “أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم“.
أنا قبل أن أكتب لكم تلك السطور لن أتجمل وأخبركم بأني لم أعاني قطّ من مرحلة حبسة الكتاب، بالعكس تمامًا، تستطيعون القول أن أفضل من يعطيك العلاج هو المريض وليس الطبيب.
منذ (15) يومًا تقريبًا كنت في “مطحنة” بمعنى الكلمة، حياتي كلها كانت عبارة عن مراجعة كتابي الجديد، وترجمة أخبار الوكالات، وتأليف الجزء الثالث من رواية مدينة الأشباح، وهذا كله بخلاف كتابة مقالات جديدة كل يومين للمواقع التي أنشر بها أعمالي، ومنها زِد، وما زاد الأمر سوءًا هو جائحة كورونا، فأمسى أغلب أصدقائي في مصر وخارجها يطلبون مني مساعدتهم في إنهاء أبحاثهم الأكاديمية.
الآن أخبروني ماذا ستفعلون إذا صادفتم كل تلك الأعباء؟ لا داعي لإرهاق عقولكم الجميلة في تخيل تلك المأساة؛ لكن بالرغم من كل تلك الفوضى والمعاناة لم يكن هناك شيء يقلقني سوى سؤال واحد فقط:
ماذا سيحدث لي إذا استيقظت يومًا واختفت كل أفكار رواياتي وكتبي الجديدة من عقلي؟ ماذا سأفعل إذا فتحت صفحة الوورد في صباح الغَد ولم أجِد حرفًا واحداً ينصفني ويشكّل لي جملة مفيدة تعبر عن أي شيء حتى إذا كان هذا الشيء يتحدث عن الإنسان البدائي قبل اكتشاف النار.
وهكذا ظلت تلك الأفكار تراودني حتى اكتشفت شيئًا في منتهى الأهمية، أدركت أني أعاني من متلازمة “الكهف المظلم“، بالطبع لا توجد متلازمة كتلك؛ لأني ابتكرتها للتوّ، القصة بدأت حينما توقفت لفترة عن كتابة المقالات السياسية بسبب إجازة طويلة -إلى حد ما- فجأة شعرت أن حياتي محاصرة في كهف مظلم لا أستطيع الهرب منه، كهف يسمح لي بكتابة المقالات الاجتماعية وتأليف الكتب والروايات فقط.
ستسألون الآن لماذا أضخّم الأمور، وكيف أقارن حياتي بحياة شخص احتُجز داخل كهف مظلم فقط لمجرد عجزي عن كتابة مقالات سياسية؛ سأخبركم، لكن لا تتهموني بالطمع والجشع فتلك صفات لا تليق بي أبدًا، قارئي العزيز اسمح لي أن أسألك سؤالًا: هل ستشعر بالضيق إذا سافر أحد أولادك للخارج ولم تستطيع التواصل معه لفترة؟
بالنسبة لي هذا مثل ذاك -بدون مبالغة- لأن الكتابة بكل أنواعها بالنسبة لي هي حلقة الوصل بيني وبين العالم الخارجي، عن نفسي وحتى إذا اعترف العالم أجمع بشخصيتي الاجتماعية إلا أني لا أشعر بالألفة مع البشر؛ فتواصُلي معهم وجهًا لوجه لا يسعدني بقدر سعادتي أثناء تحدثي معهم على الورق من خلال كتاباتي؛ لهذا شعرت وكأني حبيسة هذا الكهف المظلم حينما حُرمت -بصفة مؤقتة- من كتابة المقالات السياسية.
اعذروني أخذني الحديث كالعادة؛ لكن لا تقلقوا لم أغفل عن الموضوع الرئيس للمقالة، دعونا نذهب للخطوة الأولى لعلاج هذا المرض الشنيع ،ونأخذ سويًّا المَصْل المضادّ للانسداد الكتابي.
1-الصباح خير علاج
طبعًا لن أقول عن تجربة؛ لأن كل مقالاتي علي زِدْ هي عبارة عن قصة حياتي، لذلك سأخبركم على الفور (بالأرقام) كيف عالجت حالة الفتور والصمت الكتابي الذي أصابني مؤخرًا:
في البداية أنهيت (90%) من كتابي “إمبراطورية زركون” خلال الفترة ما بين (5) صباحًا وحتى (1) ظهرًا، وكل مقالاتي المكتوبة والمسموعة كتبتهم وسجلتهم بعد صلاة الفجر؛ لهذا نصيحتي الأولى لكم هي: الاستيقاظ ومراقبة الشروق والشروع في الكتابة.
2-القراءة
في جملة أشعر أنها قيلت على وجه الخصوص من أجل الكتابة فقط، جملة “وجهان لعملة واحدة”؛ لأني لم أحترف الصحافة إلا بعد متابعتي لصفحات الحوادث لأكثر من عشر سنوات، ولم أُجِد التأليف إلا بعد قراءة الكتب المنوّعة والروايات، وهذه هي نصيحتي الثانية لك قارئي العزيز؛ فحينما تجفّ أنهار أفكارك لا تفعل شيئًا سوى فتح صفحات أيّ كتاب أو جريدة بحوزتك، وأبدأ في القراءة، وبمجرد انتهائك من الصفحة الأولي ستأتيك الأفكار من حيث لا تدري كالمطر الغزير.
3-التجول بين البشر
أخبرتكم من قبل أن “مترو الأنفاق” كان أول سبب دفعني لاحتراف الكتابة؛ لكني لم أخبركم أنه كان السبب الرئيس في تنشيط مهاراتي اللغوية والفكرية، فمنذ سنوات تركت التحدث مع نفسي -سرًّا وجهرًا- في المترو، وبدأت في مراقبة البشر وتصرفاتهم، وحتى هذه اللحظة لا أَعُود لمنزلي إلا وبحوزتي قصة خبرية أو إنسانية، بعضها كوميدي والبعض الآخر عاطفي أو حتى مأساوي، ففي إحدى المرّات تكلمت عن مهندسٍ حَفَر نفقًا أمام بيتي وحال دون دخولي للبيت، وتارة تحدثت عن تلك الطفلة التي أعطتني آية قرآنية وتركتني أجلس على كرسيها بالمترو بعدما أوشكت على فقدان الوعي..إلخ.
4-العاطفة
أخي الآن سألني : “إنتي كويسة يا هبة؟”، طبعًا تعجب لأنه سمعني أدندن “ساعة الفراق” مع عمرو دياب، في حين أن الساعة اقتربت من الواحدة صباحًا، لا يدري أن الأغاني العاطفية قادرة علي تحريك مشاعر البشر، وزيادة قدرتهم الإبداعية، وأكيد جميعكم تعلمون تأثير المشاعر -سواء الإيجابية أو السلبية- على خلق سطور من العدم، وأنا الآن أكبر مثال على ذلك، فمنذ التاسعة صباحًا وأنا جالسة على مكتبي ما بين بحث عربي وبحث أجنبي، وبالرغم من ذلك لا أزال قادرة على كتابة هذا المقال.
5-السفر
أتعلمون أن الحياة بعد السفر لأي مكان تختلف (180) درجة عن حياتك قبل السفر؟
لن أسرد لكم فوائد السفر؛ لكن الفائدة الوحيدة التي سأحدثكم عنها اليوم هي “الأقصر”؛ ستتعجبون حينما أخبركم أني لم أَزُر الأقصر قط على الرغم من كوني مصرية؛ لكن من شدة حبّي لطريق الكِباش قرّرت كتابة أحداث الجزء الثاني من رواية مدينة الأشباح في الأقصر، تخيّلوا ماذا سيحدث إذا أُتيحت لي الفرصة يومًا ما لزيارة تلك البلد الرائعة، أليس من البديهي أن التجول بين أرجاء المكان سيفيدني أكثر أثناء كتابة روايتي؟ ألن تصبح أكثر واقعية وتشويقًا عن كتابتها وأنا بعيدة عن الأقصر وأهلها؟
في الختام،
أود أن أزفّ إليكم تلك البشري، وهي أن الكتابة ليست شيئًا يصعب الوصول إليه، بالعكس تمامًا، هي فقط تحتاج القليل من المرونة، الكتابة كالحياة؛فكلاهما لا يعطونك ما تريد إذا عاندت معهم، بل يتوجب عليك ترويضهم، عزيزي القارئ إذا شعرت يومًا أن حالتك المزاجية لا تسمح بالكتابة لا تجبر نفسك، فقط اترك كل شيء واخرج لتشرب فنجان قهوة بجوار النيل أو حتى في كافية أمام المارة والسيارات العابرة.
أنا عن نفسي -قبل الحظر- كنت أعشق الجلوس في الشارع على طاولة محلّ العصير، تارة أشرب دوم بلبن وتارة أخرى كيوي بالأفوكادو؛ لكن مهمتي الأساسية وقتها كانت الاستمتاع بالهواء الطلق ومطاردة أفكاري بين كلاكسات السيارات والألعاب النارية الصادرة عن أهالي العرائس وهم يستقبلونهن أمام أستوديو التصوير الذي يبعد عن محل العصير مسافة لا تزيد عن (100) متر، من وجهة نظري، الكاتب الحقيقي ليس من أمسك ورقة وقلمًا بيده، إنما الكاتب الحق هو من اختلط أكثر بالبشر، هو من يصف مشاعر الناس وحياتهم أفضل من وصفِه لذاته وحياته.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 29,562
مقال يتناول فكرة الانسداد عن الكتابة أو حبسة الكاتب ويقدم حلولا عملية للتخلص منها
link https://ziid.net/?p=65059