كيف أصبحت مؤلّفة كتب وروايات؟
التأليف عالم مسحور أبوابه موصدة، لا يملك مفاتيحها سوى المحظوظين، فالكتابة هي كنز حين نجده نثري أنفسنا ومن يقرأ لنا
add تابِعني remove_red_eye 29,800
نقطة البداية.. إذن المحظوظون فقط هُم من يستطيعون سبْر أغوار هذا العالم المسحور؟ نعم، هذا صحيح؛ فكل من بدأ مشواره ككاتب ومؤلف يدرك تمامًا أن التأليف هو السعادة بالنسبة لهم، وإذا حُكم عليهم يومًا بالنَّفيّ لإحدى الجزر النائية بعيدًا عن الأهل والأقران والأحباب لن يستاءوا طالما بحوزتهم ورقة وقلم؛ لكن من المُمْكن أن يحظى الآخرون بهذا الحظ إذا ما أرادوا ذلك؛ هم فقط عليهم معرفة خبايا هذا العالم قبل الاستيلاء على مفاتيحه.
علي صفحتي بالفيسبوك منذ يومين كتبت “يكفيني برنامج وورد كوب نسكافية وصوت مشاري ساعتين يقرأ البقرة .. وتلك هي السعادة بالنسبة لي” ،فعلًا بدون مبالغة هذا كل ما أريد، ولأكون أكثر صدقًا؛ فأثناء الحجر الصحي كان روتيني اليومي بعد الإفطار والصلاة هو مكوثي ساعات لا حصر لها أمام الحاسوب مع صفحة “الوورد”؛ وهكذا أنهيت كتابي الأول الذي شَرَعْتُ في تأليفه منذ (18) أغسطس (2018م).
بداية المشوار في التأليف
الآن ستسألون كيف بدأ مشواري في التأليف والكتابة، سأخبركم لكن عليكم أن تصدقوني.. صاحب الفضل الأول في كوني صحفية وكاتبة هو “مترو الأنفاق”، فحينما بلغت الخامسة أدركت أن المستشفى التي أذهب إليها كل أسبوع تقريبًا لعمل فحوصات دورية بعيدة عن بيتي، فكنت أمضي ما يقرب من (30) إلى (45) دقيقة في المترو، أنتظر وأفكر في كيف سيتم حقني اليوم، ومتى سينتهي هذا اليوم المؤلم والمُمل؛ لهذا توجّب عليّ شغل نفسي بأيّ شيء آخر لتشتيت انتباهي.
فبدأت أتحدث مع نفسي في المترو وأتخيل شخصيات وأؤلف حوارًا وسيناريو كاملًا حتى أَصِل لمحطة المستشفى، وكنت أفعل نفس الشيء أثناء رحلة رجوعي لبيتي؛ لأنسى ما مررت به خلال اليوم، ومع الوقت انتبه ركاب المترو وبدءوا في مواساة والدتي وأخبروها ألا تستاء من الجنون الذي أصاب ابنتها، وفي النهاية اشتكتني أمي لأبي، فتوقفت عن التحدث مع نفسي بصوتٍ عالٍ وبدأت أتخيل القِصص وأرسم السيناريوهات وأسرح فيهما طيلة فترة وجودي في المترو.
الحب
أتدرون أن الحب قادر على كشف كل المواهب المدفونة بداخلنا.. لا أتذكر بالتحديد متى بدأت التحدث عن أحبائي في مذكراتي؛ لكن وعلى الرغم من كوني قريبة من أمي ولديّ صديقات كُثر أثِق فيهن إلا أني لا أحب التحدث عن مشاعري مع الآخرين فبدأت أكتب كل مشاعري على الورق، مشاعر الغضب والحزن والاشتياق وخيبة الأمل…إلخ، كتبت كل شيء حتى أحلامي، وفي كل مرة أقرأ ما كتبته في الماضي أجد نفسي سعيدة وأشعر بنفس المشاعر التي انتابتني حينها، على الرغم من عدم تذكري للشخص الذي كنت أتحدث عنه في مذكراتي؛ فأتعجب وأتساءل :”ما هذا أَيُمكن أن أحب شخصًا إلى هذه الدرجة؟ لدرجة أن أكتب مواقفي كلها معه وأنواع ضحكاته”.
والآن لا أنوي سوى شكر هؤلاء الذين تحدثت عنهم في مذكراتي؛ لأنهم كانوا السبب في إدراكي أن الكتابة هي سعادتي المطلقة؛ فأنا أخيرًا أدركت أن سعادتي حينما تحدثت عنهم في مذكراتي كانت نابعة من عشقي للكتابة بحد ذاتها، أما مشاعري العميقة نحو هؤلاء الأشخاص كانت عبارة عن مجرد حجة؛ فصفحات مذكراتي كانت هي المفتاح لعالمي المسحور.
القدَر يقودك لمصيرك
في نفس المرحلة التي بدأت فيها التحدث مع نفسي في المترو كنت قد بدأت بالفعل في تعلم القراءة والكتابة، وكان أبي هو قدَري الذي ساعدني بشكل غير مباشر على التعلق بالجرائد، كان أبي يأتي للبيت بعد عمله في الثالثة عصرًا مع جريدة من الجرائد الحكومية أو الخاصة أو كلتاهما، بجانب الشوكولاته والفاكهة والألعاب..إلخ، وقتها أخي الصغير وأختي الكبيرة كانوا يهتمون فقط بالألعاب والحلوى؛ لكني وقبل أن أعطي أبي قُبلة رجوعه سالمًا كنت أخذ الجريدة منه وأجلس على الأرض وأفتحها وأتجول داخل عالمها المسحور؛ كانت متعة حياتي أني أقرأ جريدة جديدة كل يوم، وهكذا قادني قدري لمصيري.
كيف تجرأت على الكتابة والتأليف
الصحافة بالنسبة لي كانت ولا تزال عشقي الأبدي؛ لكني أعتقد أنه طالما يوجد في القلب (4) حجرات فيتوجب عليّ ملء تلك الحجرات، وهذا هو ما فعلته؛ فالحجرة الثانية منحتها للتأليف والثالثة للترجمة والرابعة تركتها للأبحاث العلمية، يا له من عالم رائع هذا الذي يحوي أربعتهم معًا!
الآن سأخبرك كيف تتغلب على الخوف وتخوض أي معركة بجسارة
أولاً: عليك أن تختار تاريخًا مميزًا وتخبر الآخرين بقرارك، في تلك الحالة ستضع نفسك أمام الأمر الواقع.
ثانيًا: ابدأ بأول خطوة حتى ولو كانت بسيطة جدًّا لأن تلك الخطوة ستشجعك وستمنحك الثقة أن هناك خطوة قد أُخذت بالفعل وكل ما عليك فعله هو أن تضيف بعض المجهود لإنهاء ما بدأته بالفعل.. عليك أن تدرك جيدًا أن البداية هي نصف الطريق نحو هدفك.
مشواري في التأليف بدأ هكذا ففي صبيحة السبت (18) أغسطس (2018م) أخذت قرارًا قبل الثانية عشر ليلًا أن أحضر دفتري وأقلامي وكتبت عنوان الكتاب وفصوله ونشرت البوست على صفحتي بالفيسبوك وأخبرت أصدقائي أن ينتظروا كتابي الجديد، طبعًا فيما بعد أصابني الرعب؛ فلجأت إلى خطوة تمهيدية وقمت بتأليف رواية وادي سيل ونشرتها على جزأين.
وحينما شعرت أن هناك ردود أفعال إيجابية من القراء بدأت على الفور في إنهاء كتابي الأول، وأستطيع القول أن كتاب “إمبراطورية زركون” سيكون خطوة فارقة في مشواري ككاتبة صاعدة؛ لأنه أخذ مني (690) يومًا لكتابته ومراجعته. في البداية كنت أعتقد أن استغراق الكاتب أكثر من سنة لتأليف كتابه يُعَدّ ضربًا من ضروب الفشل؛لكني وجدت لاحقًا أن الكتاب الناجحين فقط على مستوى العالم هم من يستغرقون وقتًا كبيرًا في تأليف كتبهم.
في إحدى الأيام أخبرني أحدهم أن وجودي على قيد الحياة، على الرغم من مواجهتي للموت أكثر من مرة، دليل على أن هناك أمورًا لا يستطيع أحد غيري فعلها، وأن العالم بأسره ينتظر مني شيئًا أنا فقط من أستطيع منحه إياه.. وهذا هو ما شعرت به حقًّا أثناء تسطير صفحات كتاب إمبراطورية زركون؛ لهذا عليك أن تثق أنت أيضًا أن حياتك والعالم كله ينتظر منك شيئًا قيمًا، وأنت وحدك القادر على منح البشر هذا الكنز.
المزيد عن الكتابة والتأليف:
هل فكرت يومًا في الكتابة للأطفال أو للنشء؟ لنُبحر معًا في هذا الفن
add تابِعني remove_red_eye 29,800
مقال ملهم حول تجربة ناجحة في الكتابة والتأليف
link https://ziid.net/?p=61148