(6) أسباب لاستحالة استبدال الترجمة الآلية بالترجمة البشرية
الترجمة مهنة لا ترتبط فقط بصياغة الكلمات بلغة مختلفة ولكن بربط الكلمات بطريقة منطقية مقنعة ومفهومة للقارئ
add تابِعني remove_red_eye 283
مع دخولنا عصر الثورة الصناعية الرابعة (والتي تجلّت في استحواذ الذكاء الاصطناعي على الكثير من المهن) بدأ البعض يتحسس عنقه (مجازيًا) خوفًا من أن يفقد وظيفته على يد “روبوت ما” لحُسن الحظ، هذا لا ينطبق على المترجمين (أو على الأقل نسبته قليلة)
بعيدًا عن المزاح، سنتعرف في مقالة اليوم على الأسباب “الحقيقية” التي تجعلنا -معشر المترجمين- الأكثر حظًّا في سوق العمل
1. البشر يقرأون ما بين السطور ويفهمون ما وراءها
(ما هو قصد الكاتب؟) “?What did you think of our report”-
“.It’s OK, I guess”-
يمكن تفسير هذا الرد بمعانٍ مختلفة، وذلك بناءً على الشخص الذي صدر عنه الكلام، وبناءً على الثقافة المستهدفة أيضًا. فلو صدر عن شخصٍ بريطاني، يمكن تفسيره بأنه يفتقر إلى الحماس، أو “التقرير ليس جيدًا على الإطلاق، ولكني لم أُرِد أن أجرح مشاعرك لذلك أجبتُك بدبلوماسية”. وبنفس الطريقة، يمكن لبريد إلكتروني من شخص ياباني أن يمتد لعشرين سطرًا من المجاملات حيث تكون الرسالة المقصودة بين السطور، في حين أن مديرًا تنفيذيًّا جادًّا من سنغافورة سيجد هذا البريد مملًّا وغير عملي حيث يُفضّل أن يدخل في صُلب الموضوع مباشرةً. ويمكن للمترجم أن يتفهم ذلك، وأن يكيّف الرسالة وفقًا لذلك.
2. الترجمة الآلية رقمية أما ترجمة البشر احترافية
(هل ينساب المعنى؟)
أحد المجالات الذي يبدو أنه متفق عليه عالميًّا هو أن البشر هم الأفضل في عملية التنقيح، وهذه العملية هي واحدة من العمليات الأخيرة لتفحّص النص قبل نشره للقراء، ومن الأمثلة البسيطة على ذلك هي مسألة أجزاء برامج الترجمة (Translation software segments)
دعنا نقول أن فقرة من ستِّ جُمل قد تُرجمت بدقة، جملة بجملة، ومِن ثّم قُسّمت إلى ستة أجزاء وهي ما تُدعى “أجزاء الترجمة” والتي يمكن للبرنامج التعامل معها بسهولة، قد يقرر المترجم في المراجعة النهائية استخدام ترتيب مختلف للجُمل، وإعادة ترتيب الفقرة ترتيبًا كاملًا لتبدو أكثر منطقية بالنسبة للقراء المستهدفين، أو قد يقرر تقسيم جملة أو جملتين طويلتين إلى عبارات أقصر، وأكثر قابلية للاستيعاب، ومن ناحية أخرى، قد يفضل ضم جملتين أو ثلاث جُمل قصيرة ومتقطعة إلى واحدة أطول وأكثر انسيابًا في المعنى، ولا تزال مثل تلك القرارات في الأسلوب من اختصاص المترجم لا الآلة، وستظل كذلك لفترة طويلة من الزمن.
3. لا يحدث للآلات صدمة ثقافية
(هل سيتناسب إعلان ثوب السباحة مع ثقافة السعودية؟)
كما يعرف جميع الدبلوماسيين أن أفضل شيء يمكن قوله أحيانًا في التواصل بين الناس هو لا شيء على الإطلاق، واللغات هي وليدة الثقافات بكل ما تحمله من إرثٍ إنساني وتاريخي كالفكاهة، وأدوار الجنسين، وأخلاقيات العمل، والدين، ومفاهيم العدالة، والأدوار الأسرية، والأنظمة السياسية والقضائية، والعادات، والمحظورات، وما إلى ذلك، فالمترجم ستُثار مخاوفه إذا ما رأى إعلانًا إباحيًّا، أو سمع نكتة متحيزة جنسيًّا موجهة لجمهور قد لا يقبلها، أما الآلات فهي تترجم فحسب.
ومع ذلك، ينبغي القول أن الآلة أكثر مصداقية من البشر في تلك الحالة على الأقل، وربما ينبغي في عالم مثالي أن يتاح للترجمة الاستمرار رغم كل نتائجها الكارثية، بحيث يتمكن القارئ من فهم الكاتب حقًّا، ولكن في العالم الواقعي، فإن العميل لا يكون دائمًا على حق، ولهذا السبب يحتاج مترجمًا يصحح أخطاءه.
4. يرتكب البشر الأخطاء على عكس الحواسيب.
( وهذا ما يجعل المترجمين جديرين بالثقة)
أحد نقاط الضعف الشائعة في دورات الترجمة هي أنها دائمًا ما تستخدم نصوصًا مثالية لتدريب الطلاب على الترجمة، وفي الواقع فإن النصوص المطلوب ترجمتها ونشرها تكاد تخلو من الأخطاء بكل أنواعها، ليس فقط علامات الترقيم، والأخطاء الإملائية، ولكن المعلومات الواقعية المخادعة أيضاً، أو استخدام مفردات خاطئة، أو مجرد هفوات ناتجة عن تعب الكاتبين، وقد يكون هناك تعمد في صياغة رديئة أو غامضة من محامٍ مراوغ، أو نصوص أخرى مكتوبة بواسطة أشخاص لا يجيدون الكتابة ببساطة لأنها ليست مهنتهم، كالمهندسين أو الأطباء المستعجلين بخطهم القبيح، إن المترجمين —خاصةً أولئك الذين يعملون في مجالات مهنية غير الترجمة— يدركون ذلك، ويكتشفون تلك الأخطاء التي لا يلاحظها الحاسوب؛ لأنه ليس بشرًا.
علاوة على ذلك، إن حقيقة أنه يمكن للمترجمين الإشارة للأخطاء في النص المصدر، وتقديم بدائل هي خدمة أخرى لا يقدمها الحاسوب. هذا يقودنا إلى ميزة أخرى تميز المترجم عن الآلة.
5. البشر يسألون أسئلة منطقية
(ما الغرض من النص؟)
هل هو موجّه للأطفال أم لكبار السن؟ لأطباء مختصين أم لمرضاهم؟ للمكسيكيين أم للأسبان؟ لليهود أم للمسلمين أم للملحدين؟ بقصد المرح أم الجدية؟ هل هو إعلان لبيع منتج، أم هو ببساطة يقدم معلومات عامة عنه؟ هل ستنجح تلك الحملة الإعلانية في الصين كما في الولايات المتحدة؟ إن لم يكن الأمر كذلك، ربما يلزم إعادة التفكير بتلك الحملة أو إعادة كتابتها من الأصل (ترجمة إبداعية) ومجرد إشارة المترجم إلى ذلك قد ينقذ شركتك من خساراتٍ فادحة.
6. البشر يكتبون الرسائل، وهُم مَن يقرءونها أيضًا
(ما المفترض أن يكون في المنتصف؟) الإجابة واضحة.
يكتب البشر النصوص ليقرأها بشر أيضًا، ويجب ترجمة النص إذا كان هناك اختلاف بين لغة الكاتب ولغة القراء المستهدفين؛ لذا، مَن سيكون الأفضل في فهم وترجمة نص كُتب بواسطة بشر وموجّه إلى بشر: البشر أم الآلة؟ الإجابة واضحة بالطبع، إن الاختبار الحقيقي للذكاء الاصطناعي ليس ما إذا كانت الآلة تستطيع أن “تقلد” التفاعل البشري، ولكن ما إذا كان باستطاعتها القيام بذلك فعلًا. أن تترجم مسرحية (Macbeth) شيء، وأن تكتبها شيء آخر.
إليك المزيد حول الترجمة
add تابِعني remove_red_eye 283
مقال هام حول الترجمة
link https://ziid.net/?p=25969