العمل التطوعي مفتاح أبواب النجاح فأي باب ستدخل؟
اختلفت واتسعت ميادين ومجالات العمل التطوعي، أبسطها وأقواها أثرًا أن تنشر العلم والمعرفة بتوثيقها كتابةً أو صوتًا أو أن تكون مرئية.
add تابِعني remove_red_eye 2,659
في الثامن عشر من أغسطس ٢٠١٧، في قاعة المحاضرات لفندق -دايز إن- بالعاصمة الأردنية عمّان، جالسًا مع الوفد الجزائري، مستمعًا للمداخلات في مؤتمرٍ للتطوّع، لاحت لي فكرة كأنها خلاصة المداخلات والنقاشات مع المشاركين في المؤتمر، سجّلتها في مذكرتي بهذا الشكل: العمل التطوعي في علاقةٍ طرديةٍ مع النجاح.
سنستهِل في بداية مقالتنا هذه بشرح هذا الافتراض عن طريق تحديد مفاهيمه ومتغيراته ومؤشراته، ثم نقوم بعملية الربط بينها حتى يمكننا اختبار هذا الافتراض بشكلٍ علمي.
العمل التطوعي:
هو كل عمل معنوي أو مادي موجّه للإنسان أو الحيوان أو البيئة الطبيعية، ويرجع بالفائدة على المتطوّع والمتطوَع له، دون أن تكون هذه الفائدة ذات طبيعة تعاقدية أو ملزمة.
النجاح:
هو كل إنجاز مادي أو معنوي جاء عن طريق تحديد هدف وبذل جُهد من أجل الوصول إليه.
إذا اتضح هذان المفهومان وأمكن تصورهما، فإنه يمكن أن نتصوّر ونحكم على الفرضية، فالحكم على شيء فرع عن تصوّره، إذن فكلما زاد العمل التطوعي كمًا ونوعًا زاد تحقق النجاح كمًا ونوعًا والعكس صحيح.
إن الملاحظة العلمية والاستقراء لواقع الناس واستقراء الدراسات في هذا المجال أثبتت صحة هذا الافتراض وهذا ما سنحاول عرض أصوله في هذه المقالة و فروعه في مقالات تالية إن شاء الله.
قال تعالى (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)
هذا قانون إلهي كوني، ففعل الخير سبب مقرّب للفلاح الذي يشتمل على معاني الفوز والنجاح، ففعل الخير يجعل من نجاحك شبه مؤكد، والخير المقصود به هنا كما فسّره العلماء هو مكارم الأخلاق، يذكر الدكتور -أحمد العمراني- أن الخير المقصود “واسعُ الميادين شامل المفاهيم، ينتظم إعمالَ القلوب والجوارحِ من الأقوال والأعمال والمقاصد في الظاهر والباطن والمواهبِ والملكات، إنه الخير المطلق، لا تضييق ولا خناق، المهم أن تفعل الخير” هذا ما يجعلنا نؤكد على أن الخير المذكور هنا، هو التطوع في مفهومه الإنساني العام، و هذا الذي سنعتمده في مقالاتنا، فالخير والتطوع وجهان لعملة واحدة.
أي التطوع خير؟
التطوع كله خير، إلا أن قانون التفاضل لا يستثني مجال، فالتطوع تتنوع مجالاته، وتتسع دائرته، ولا يحدّه حد، إلا أنه تطوع خير من تطوع، وخيرٌ على خير، ونورٌ على نور.
فالتطوّع يمكن تقسيمه إلى قسمين كبيرين:
التطوع المادي:
يعبّر بالتطوع المادي عن كل أنواع الخير ذي الطبيعة المادية والجسدية والعينية والمالية والتقنية والاقتصادية، فالصدقة والهبات والهدايا وإعانة المحتاج وإغاثة الملهوف وتقديم الوسائل وبناء المساجد والمستشفيات وتسخير الحافلات للطلاب وسيارات الإسعاف وغيرها من الأعمال تندرج تحت هذا النوع، ورغم أهميتها الفائقة إلا أن توجّه غالب الناس إلى هذا النوع على حساب النوع الثاني الذي تحتاج الأمة إليه أكثر من غيره، هذا الذي يدفعنا إلى توجيه سلسلة مقالاتنا إلى النوع الثاني من أنواع التطوع، ألا وهو التطوع الغير مادي.
التطوع غير المادي:
يقصد بالتطوع غير المادي كل جهد فكري وفنّي يبذله الشخص دون إلزام ودون منفعة ذات طبيعة تعاقدية، ويطلق عليه في الكثير من الأدبيات بالتطوع العلمي، إلا أن التطوع العلمي هو الجزء الرئيس في التطوع الغير مادي وليس كله، فالتطوع الإعلامي والديني والفني والسوسيوثقافي كلها أنواع تندرج تحت قسم التطوع غير المادي، ولا يقل أهمية عن التطوع العلمي، ويفوق في أهميته التطوع المادي رغم أهمية هذا الأخير.
أساس التفاضل:
حكى ابن عبد البر أن عبد الله بن عبد العزيز العمري العابد كتب إلى مالك يحضه إلى الانفراد والعمل ويرغب به عن الاجتماع إليه في العلم فكتب إليه مالك: ” أن الله قسّم الأعمال كما قسّم الأرزاق فرُب رجلٍ فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصيام، وآخر فتح له في الجهاد ولم يفتح له في الصلاة، ونشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البرّ وقد رضيت بما فتح الله لي فيه من ذلك وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه وأرجو أن يكون كلانا على خير ويجب على كل واحدٍ منا أن يرضى بما قسم له والسلام.”
من خلال هذا النص يمكن أن نقول أن أساس التفاضل يمكن اختصاره في القواعد التالية:
التعدية:
إن التعدية المقصودة هنا تعدية مستمرة، تعدية حقيقية، فتعليم العلم وإصلاح العقول، وتنوير الأفهام، يبني إنسانًا صالحًا يمكنه هو بدوره نقل هذا العلم إلى من حوله، عن طريق التعليم أو عن طريق الاقتداء، فتغيّر سلوك الإنسان مرهون بتغيير تفكيره، وتغير التفكير موقوف على العلم والتعليم.
التوريث:
يمكن توريث العلم والأفكار سواءً للأبناء أو للأجيال عن طريق التأليف واستعمال الوسائط الحديثة من فيديوهات وتسجيلات صوتية، ومواقع إلكترونية، هذا التوريث يحل محلّك وأنت غائب، ويقوم بما كنت تقوم به وكأنك هنا خالد ولو بعد الممات.
الأبدية:
يمكن أن تورّث بنيانًا أو أموالًا أو أن تقف وقفًا عينيًا، إلا أن تطاول الأزمان سيجعل له نهاية، على عكس الأعمال العلمية والفكرية، فلن يزيدها طول الزمان إلا قوةً وانتشارًا.
التزكية:
التطوع غير المادي ينمّي شخصية الإنسان ويرفعه، فالمستفيد الأول من التطوع غير المادي هو المتطوع نفسه، فتعليم العلم كالمذاكرة بالنسبة للمتطوع، ونشر الأفكار الجديدة هي انتصار فكري للمتطوع، وتزكية النفوس وتربيتها هي تزكية للمتطوع نفسه.
تخطي حدود الزمان والمكان:
لا يعرف التطوع العلمي حدودًا إلا بعض الحدود الثقافية الضيقة، خاصةً مع التطور التقني، فنجد الآن دورات مجانية في كل المجالات على مواقع الانترنت، وكذلك يمكن للمتطوع علميًا أن يقوم بعمله في أي مكان، وفي أي وقت.
كيف يؤثر التطوع في النجاح؟
هذا السؤال في الحقيقة هو المقصود أساسًا من هذا المقال، أو فلنقل من هذه المقالات التي ستتابع إن شاء الله، والجواب على هذا السؤال لن يكون سهلًا ومميّعًا، بل سنجيب عليه من خلال مجموعة من المقالات التي تؤكد وتبيّن صحة الافتراض الذي افترضناه في بداية مقالتنا، وسوف نسلك مسلكًا علميًا منهجيًا حتى تكون الفائدة قوية وأكيدة، وما هذا المقال إلا مقدمة لما بعده.
add تابِعني remove_red_eye 2,659
مقال مميّز جدًا وقيّم يُطلعك على التطوع والعمل التطوعي من منظور شامل لأن يكون طريقًا للنجاح.
link https://ziid.net/?p=21310