كيف تساعدك التمارين الرياضية خارج النطاق الرياضي
"في عالم تسود فيه الراحة، يعطينا النشاط البدني المجهد فرصة نادرة لمحاكاة المصاعب." الرياضة أكثر من جهد بدني..الرياضة تجربة حياة
add تابِعني remove_red_eye 1,246
حينما بدأت أتمرن لجري الماراثون قبل حوالي عشر سنوات، ذكر لي مدربي أمرًا لا أنساه، حيث قال لي إنه سيتوجب علي أن أتعلم كيف أتقبل شعور عدم الراحة.
لم أكن على دراية في ذلك الوقت بأن هذه المهارة -والتي تطورت من خلال الجري- ستساعدني بشكل كبير على مسار الجري بل وبشكل أكبر في مسار الحياة. لا يقتصر الأمر علي ولا على رياضة الجري، اسأل أي شخص يتخلل نظامه اليومي بشكل اعتيادي تمرين على الدراجة، أو سباحة سريعة، أو تجاوز مسارات التسلق، أو رفع الأثقال التصاعدي وستكون الإجابة واحدة؛ فبالنسبة لهم النقاش الحاد لم يعد بذلك الحدة، ومواعيد تسليم المهام لم تعد مرعبة، ومشاكل العلاقات ليست بذلك التعقيد.
من المحتمل أنه إذا كنت تتمرن باستمرار فستكون متعبًا لدرجة أنك لا تستطيع الاهتمام، ولكن قد لا يبدو الأمر كذلك! فالأبحاث تظهر أن النشاط البدني يحفز أداء العقل على المدى القصير ويزيد من مستوى الإدراك. وحتى في الأيام التي لا يتمرن فيها الأشخاص الذين اعتادوا على دفع أجسادهم لأقصى إمكانياتها، وهو الأمر الذي يخرج الإرهاق من المعادلة، فإن هؤلاء الأشخاص يميلون لمواجهة ضغوطات الحياة بشكل رزين وأقل اندفاعًا.
وبينما الفوائد المعروفة لتمارين القوة كالوقاية من مرض السكري وأمراض القلب والجلطات وارتفاع ضغط الدم وهشاشة العظام دائمًا ما تكون محور التركيز، فإن أهم فائدة قد تكون الدرس الذي ذكره لي مدربي حيث قال: “في عالم تسود فيه الراحة، يعطينا النشاط البدني المجهد فرصة نادرة لمحاكاة المصاعب”. قلّة هم مَن يصقلون هذه المهارة بشكلٍ أفضل من محترفي رياضات التحمل والمغامرة الذين يجنون لقمة العيش من خلال تحمل ظروف لا يحتملها غيرهم.
في عمود مقالاتي في مجلة أوتسايد (Outside) كان لي الشرف بعمل مقابلات مع أفضل المحترفين في رياضات التحمل والمغامرة في العالم عن الممارسات التي أدت لنجاحهم. وبرغم اختلاف أنواع الرياضات، فإن النمط الشائع بينهم هو أنهم جميعًا تعلموا كيف يتقبلون عدم الراحة:
- تعلمت عداءة الماراثون الأولمبي ديس ليندن (Des Linden) من خلال سنوات من التدريب بأن تبقى هادئة ومركزة حيث ذكرت بأنها حينما تصل للميل رقم (20) من أصل (26.2) ميلًا ويبدأ الإرهاق بالتمكن منها، بأن تخاطب نفسها مرددةً: “اهدئي، اهدئي، اهدئي.”
- يقول بطل العالم للركمجة نيك لام (Nic Lamb) بأن عدم الراحة، بل وحتى الخوف مطالب أساسية لركوب موجة بارتفاع أربعة طوابق. ولكنه أيضًا يعلم بأن هذا الأمر هو الطريق للتطور الشخصي. فلقد تعلم بأنه عندما يمكنك الانسحاب يمكنك في معظم الأحيان أيضًا أن تدفع نفسك، وكما يقول “دفع النفس شجاعة، أما الانسحاب فسيجعلك تشعر بالندم”.
- يقول متسلق الجبال الفردي الحر أليكس هونولد (Alex Honnold) بأن “الطريق للتعامل مع الألم هو الممارسة، اعتدت هذا الأمر خلال تماريني لذا حينما يحدث أثناء التسلق الصعب، أشعر بأنه أمرٌ طبيعي”.
- وتقول إيفلين ستيفنز (Evelyn Stevens) صاحبة الرقم القياسي لأكثر عدد أميال مقطوعة بالدراجة في ساعة واحدة (29.81) ميلًا، بأنه خلال أصعب مراحل تمرينها “بدلًا من التفكير بأنني أريد أن ينتهي الأمر حالًا، أحاول أن أستشعر الألم وأتعامل معه، بل وأحاول أن اعتنقه!”.
- وكذلك أخبرني جيمي تشن (Jimmy Chin) متسلق الجبال الشاهقة وأول أمريكي يتسلق قمة إيفرست من المسار الجنوبي ومن ثم يتزلج نزولاً، بأن عنصر الخوف متواجد في كل شيء يقوم به ولكنه تعلم كيف يتعامل معه “الأمر يتعلق بفرز المخاطر الحقيقية من المتصورة ومن ثم تكون منطقيًّا بقدر الإمكان حيال ما يتبقى”.
بالطبع لا يجب عليك تسلق الجبال الشاهقة، أو جري أميال في خمس دقائق لتحصل على الفائدة. ببساطة التدرب لإنهاء نصف ماراثون أو منافسات اللياقة البدنية (CrossFit) من الممكن أن يكون لها فوائد لا حصر لها في مجالات مختلفة من الحياة. وكما يقول كيلي ستاريت (Kelly Starrett)، أحد المؤسسين لمنافسات اللياقة البدنية (CrossFit)، “إنه يمكن لأي شخص أن يستفيد من التطور الناتج من التمارين البدنية” والعلم يدعم مقولته.
حيث نشرت دراسة في المجلة البريطانية لعلم النفس الصحي (The British Journal of Health Psychology) مفادها أن طلاب الجامعة الذين لم يمارسوا أي نشاط رياضي ومن ثم يبدأون بممارسة نظام رياضي متوسط (يومين إلى ثلاثة أيام في الأسبوع) تنخفض لديهم مستويات القلق والتدخين وتعاطي الكحول واستهلاك الكافيين ويزداد لديهم تناول الطعام الصحي والمحافظة على أداء الأعمال المنزلية، وتتحسن سلوكياتهم الدراسية والمالية. وبالإضافة إلى كل هذه التغيرات الحياتية الواقعية بعد شهرين متواصلة من الانضباط على التمارين، تحسن أداء الطلاب في الاختبارات المعملية لضبط النفس. الأمر الذي قاد الباحثين إلى التنظير بأن التمارين تؤثر وبشكل ملحوظ على قدرة الطلاب في التنظيم الانفعالي الذاتي.
بمعنى آخر، دفع النفس من خلال عدم الراحة المرتبط بالتمارين وعدم الانسحاب حينما تخبرهم أجسادهم وعقولهم بأن يتوقفون، جعل الطلاب يتعلمون الهدوء والرزانة في مواجهة المصاعب سواء كان ذلك التعامل بشكل أفضل مع التوتر، أو استهلاك أقل للكحول، أو الدراسة لوقت أطول.
ولهذا السبب يسمى تشارلز دويج (Charles Duhigg) صاحب الكتاب الأكثر مبيعًا في عام (2012م) “قوة العادات” التمارين بأنها عادة محورية أو تغيير في جانب من الحياة يكون له تأثير إيجابي على جوانب أخرى. يقول دويج بأن العادات المحورية مهمة لأنها تغير شعورنا بذواتنا وشعورنا بما يمكن تحقيقه. وهذا الأمر يفسر لماذا تستخدم المؤسسة الخيرية باك أون ماي فيت (Back on My Feet) رياضة الجري لمساعدة الأشخاص الذين يواجهون التشرد لتحسين أوضاعهم.
فمنذ تأسيسها في عام (2009م) استفاد أكثر من (5500) شخص من ممارسة الجري مع هذه المؤسسة الخيرية، حيث حظى (40%) منهم بوظائف بعد ممارسة الجري مع مجموعات وتمكن (25%) منهم من امتلاك مسكن دائم. وهذا أيضًا أحد الأسباب الشائعة التي نسمع عنها بأن أحدهم بدأ بالتدرب لإنهاء ماراثون لمساعدته على تخطي مشكلة طلاق أو حتى مشاعر فقدان شخص عزيز.
وفي دراسة أخرى نشرت في المجلة الأوروبية للفيزيُولوجيا التّطبيقية The European Journal of Applied Physiology قيّمت كيف يمكن للتمارين الرياضية تغيير ردة فعل الجسد للتوتر. فقد قسّم الباحثون في معهد كارلسروه للتكنولوجيا في ألمانيا الطلاب إلى مجموعتين في بداية الفصل الدراسي وطلبوا من إحدى المجموعات الجري مرتين في الأسبوع لمدة عشرين أسبوعا.
بنهاية العشرين أسبوع، والتي صادفت فترة الامتحانات الفترة التي تكون مليئة بالضغط والتوتر بالنسبة للطلاب، طلب الباحثون من الطلاب ارتداء حساسات لقياس معدلات التغير في نبضات القلب وهو أحد المؤشرات الشائعة لقياس التوتر الجسدي، فكلما زاد معدل متغيرات نبض القلب قل التوتر. بإمكانك التنبؤ الآن بأن الطلاب الذين شاركوا في نظام الجري كانت معدلات التغيير في نبضات القلب لديهم أفضل بكثير واجسادهم لم تكن مجهدةً على الإطلاق خلال فترة الامتحانات بل كانوا مرتاحين في فترة غير مريحة إطلاقًا.
الأمر الملحوظ والمحفز في هذه الدراسات أن المشاركين لم يكونوا يتمرنون بمستويات بطولية أو عالية الشدة. كانوا يقومون بأمور أشبه بالتحدي الجسدي بالنسبة لهم، وهو الانتقال من عدم التدريب على الإطلاق إلى التدرب نوعًا ما. في الواقع، لا يحتاج الشخص أن يكون رياضيًّا محترفًا، أو مهووسًا باللياقة البدنية ليجني فوائد التدريب الخارقة.
لماذا يجب أن تهتم لأي مما ذكر؟
أحد الأسباب هو المقالات التي تدعي بأن إعطاء الأولوية لأهداف رياضية كبيرة مجرد مضيعة للوقت وهذا أمر قطعي خاطئ، ولكن ما هو أهم من المقالات المضحكة على الإنترنت، هو إعادة تأطير مفهوم التمارين بشكل أوسع. فالتمارين الرياضية ليست حصرًا على صحتك البدنية على المدى الطويل وبكل تأكيد ليس الهدف منها الغطرسة والتفاخر. ما تقوم به في النادي الرياضي أو في الممشى، أو البحر وغيرها يجعلك شخصًا ذا أداء أفضل في المجالات الأخرى في الحياة، والحقيقة رغم أنها ستبدو مبتذلة، حينما تبدأ بالعمل على لياقتك البدنية فأنت أيضًا تعمل على لياقتك في مواجهة الحياة.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 1,246
مقال ملهم عن أهمية الرياضة في حياة الإنسان ليس فقط من الناحية البدنية ولكن في كثير من النواحي الأخرى
link https://ziid.net/?p=65599