كنت أراقب الأطفال حينًا بينما يلعبون، لكنني رصدت أحد الأطفال يضايق الآخر لأنه لم يتمكن من حمل حجر، ربما أطلق عليه اسم امرأة على سبيل المزاح أو غيره لا أعرف، لكنني في الأيام التالية وجدت ذلك الفتى وحيدًا، يجلس في الشارع وحده، يذهب للمدرسة في الصباح وحده، بعد ذلك لم يعد يخرج إلا للمدرسة، ترجم عقلي الأمر أن ذلك الطفل غاضب وربما يعود.
في مدرستي الابتدائية كنت أعرف بنتًا لا تخالط أحدًا مِنّا، حاولنا أن نقربها منا لكنها كانت سريعًا تعود لعزلتها، أيضًا لم أفهم سلوكها، لم تبتعد عنا؟ لم لا تلعب معنا؟ على الرغم من أننا لم نضايقها، على العكس أردنا منها أن تلعب معنا لكنها قالت إنها ترتاح وحدها، حينما كبرت وأثناء دراستي مقرر (علم نفس النمو) عرفت لما تصرف الفتى والفتاة بتلك الطريق إنها مشكلة الانسحاب الاجتماعي.
ينقسم الانسحاب الاجتماعي بحسب منظمة (جرين وورد جروب) إلى قسمين:
1-الانسحاب الاجتماعي
ويتمثل في الأطفال الذين لم يسبق لهم تكوين علاقات وتفاعلات اجتماعية مع الآخرين، أو أن تفاعلاتهم كانت في أضيق الحدود مع أسرتهم ومن يألفونهم فقط وهو ما يسبب إعاقة المهارات الاجتماعية لديهم وعدم نموها، مثل الصديقة التي كانت لا تخالطنا في الطفولة.
2- العزلة الاجتماعية
(ويعبر عنها أيضًا بالرفض الاجتماعي) وتتمثل في الأطفال الذين سبق لهم تكوين إقامات علاقات وتفاعلات اجتماعية مع آخرين.
أسباب الانسحاب الاجتماعي
1- سلوك الوالدين تجاه أطفالهم
إن من الأسباب المهمة لتلك الظاهرة هو سلوك الوالدين، فقد يُحبط سلوك الوالدين الأطفال؛ لأنهم لا يجيدون التواصل الجيد مع أطفالهم، أو لأنهم لا يحترمون اختيارات أبنائهم في الأصدقاء ويفرضون رأيهم بالقوة، فأحيانًا يطلب الأب أو الأم من الطفل أن يقطع علاقته بهذا الزميل أو تلك الزميلة.
2- أساليب رعاية الوالدين والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع
ففي بعض الأسر يطالب الأب أو الأم الطفل بأن لا يثق بأحد من الأصدقاء مثلًا. وفي بعض المجتمعات ترفض بعض العائلات أن يصادق أطفالهم أناسًا دون مستواهم وما إلى ذلك.
3- عدم احترام الطفل وتجاهله أو تعرضه للأذى أو التنمُّر عليه
4- الخجل
هو ذلك الشعور الذي يعوق الطفل عن تكوين صداقات أو التعبير عن وجهة نظره بحرية، أو التفاعل مع مَنْ هم في مثل سنه.
5- قصور المهارات الاجتماعية لدى الطفل
المهارات الاجتماعية هي ما تمكن الطفل من التعامل مع غيره من الأطفال سواء كانت هذه المهارات لفظية: مثل الكلام، أو غير لفظية: مثل التعبيرات والإيماءات ولغة الجسد أو طريقة الوقوف وغير ذلك من لغة الجسد الذي تعبر عنه.
6- وجود إعاقة لدى الطفل
من أهم الأسباب التي تجعل الأطفال ينسحبون اجتماعيًا مشكلة الإعاقة، فهم يشعرون بأنهم مختلفون عن بقية الأطفال وغرباء. وقد طرح الفيلم الأمريكي Wonder -والمقتبس من رواية تحمل ذلك الاسم- مشكلة الطفل الذي تمنعه الإعاقة من الاندماج مع الأطفال وكيف تعامل الوالدان معها.
العزلة الاجتماعية
تنشأ العزلة الاجتماعية بسبب تجاهل هؤلاء الأطفال الاجتماعيين أو إحباطهم أو التنمُّر عليهم، فينسحبون إلى محيطهم الآمن مخلفين وراءهم المجتمع السيئ الذي قابلهم بالإساءة.
أكبر الأسباب التي تؤدي إلى تلك العزلة هي التنمر
والتنمُّر هو سلوك عدواني يُمارس من طفل أو مجموعة أطفال بغرض السخرية من طفل آخر أو التقليل منه أو حتى إرهابه، يمارسه الأطفال غير الأسوياء الذين يريدون أن يشعروا بالتفوق على الآخر أو الشعور بسلطتهم عليه. قد يحدث التنمُّر باستغلال مشكلة لدى الطفل مثل السخرية من التأتأة أو العرج لدى الطفل، أو يحدث نتيجة لا شيء هو فقط استضعف الطفل الآخر، وربما يحدث لينال الطرف الغاضب من ذلك الطفل لأنه يفضله في المدرسة أو ينال التقدير والإشادة.
لذلك ينصح دائمًا أن تمتد بينك وبين أولئك جذور الصداقة حتي يخبروك بما يضايقهم أولًا بأول، فتتخذ إجراءً حازمًا تجاه ذلك، من مخاطبة المدرسة أو أولياء أمر الطالب المتنمر ليوقفوه عن الإساءة، وأن تكون موجودًا لتخفف تبعات الإساءة التي قد تحدث للطفل وتجنبه المتاعب النفسية الأخرى التي قد تحدث كنتيجة للتنمُّر الذي تعرض له.
كما أنه مع تطور التكنولوجيا انتقل التنمر إلي وسائل التواصل الاجتماعي، مما صعّب أمر ضبط المتنمر وإيقافه لذلك يجب عليك التواجد دائمًا مع طفلك في كل خطواته ومراقبة سلوكياته، ومن المبادرات التي تساعد طفلك على تجاوز أثر التنمُّر مبادرة (ركين) وهي أحد مشاريع مركز التنمية الاجتماعية ببريدة، يحتوى الموقع علي قصص ورسومات توضيحية بالتوعية عن التنمُّر وإزالة آثاره النفسية، ومساعدة الأب والأم على التعرف على التنمُّر وما الذي يمكنهم اتخاذه تجاه الأمر، كما أن الرسومات والقصص ممتعة وسيحبها الأطفال بالطبع.
كيف أعرف أن طفلي منسحب اجتماعيًا؟
الملاحظة: هي أكثر الطرق شيوعًا لمعرفة التغيرات في سلوكيات الأطفال، كما يمكنك سؤاله مباشرةً عن المدرسة ونشاطه وسلوكه، وهو الأمر الذي يقتضي أن يكون صديقك أولًا حتى يخبرك بكل شيء، دون كذب أو مواربة، راقبه في تجمع عائلي مثلًا أو حينما يحضر من هم في مثل سنه للمنزل، وكم عدد أصدقائه، هل يحب التجمعات أم لا يحبها وغير ذلك.
كيف تُحل المشكلة؟
يمكنك مخاطبة الأخصائي الاجتماعي أو النفسي في المدرسة، لتتمكنا من وضع خطة لدمج الطفل مع أقرانه وإلحاقه بالنشاطات المختلفة في المدرسة، يمكنك أن تراجع سلوكك معه فإذا كنت لا تتواصل معه بشكل جيِّدٍ يجب أن تعالج ذلك الأمر، وأن لا تخرجه من عزلته بالقوة فإن ذلك سيزيد سوء الأمر، وحينما يبدي سلوكًا اجتماعيًا حفِّزه لتقديم المزيد، على سبيل المثال: إذا شارك في نشاط ما أحضر له هدية حتى يستمر على ذلك السلوك الحسن. جرب أن تصحبه في رحلة مع العائلة وعائلة صديقه، أو أن تخبره بإمكانية إقامة حفلة منزلية لأصدقائه في الصف. أبعد عنه الأجهزة اللوحية والتكنولوجيا لأنها تعمق من عزلته، أحضر له ألعابًا تشاركيه تتطلب طرفًا آخر للعبها.
يمكنك أيضًا أن تسأل أخصائيًّا إذا لم تنجح الطرق الأولية في علاج المشكلة، حتى لا تتفاقم أكثر.
مقال هام لكل أب وأم عن أهم أعراض وأسباب الانسحاب الاجتماعي وكيف يمكن معالجته
link https://ziid.net/?p=57302