في زمن المباحات: كيف نحمي أبنائنا من الغزو الفكري؟
في عصر أصبح فيه كل شيء مباحا في متناول الجميع كيف نحمي الأبناء من الانحراف. كيف نحميهم من الغزو الفكري والمنحرفين وأصحاب الأجندات؟
add تابِعني remove_red_eye 62,020
في عصر المباحات لم يعد هناك شيء بعيد لا تصل إليه أيد الأبناء، لقد أصبح الآباء مُحاطِين دائمًا بمصادر تجعلهم لا يكفون عن القلق من أجل أبنائهم، حتى المراقبة لم تعد تجدي نفعًا على الرغم من كونها من الأساليب غير المحبذة في التربية، ولكن ما الحل في ظل كل المفاهيم المستوردة من الغرب رأسًا إلينا، تلك المفاهيم التي لا تشبهنا ولا تشبه ثقافتنا ولا يمكننا قبولها؟
فعلى الرغم من أنني أدعم الحرية وأنماط الحياة المختلفة، إلا أنني أرى أنه من الخطأ والخطر تعريض الأطفال لمفاهيم صادمة منذ طفولتهم، مفاهيم قد تودي بهم؛ إلى جانب أن الثقافة الشرقية والدين من أهم عوامل تشكيل هويتنا، وتشكيلنا، وحينما بحثت في ذلك المنحى لم أهتدِ إلى حلّ يمكنه أن يساعدنا على حماية أبنائنا، سوى الضمير والأخلاق والتأسيس الصحيح للمبادئ القويمة.
الخطوة الأولى: غرس العقيدة الصحيحة
في البداية يجب أن أنبه أن فهم الأبناء سيكون سطحيًّا لتلك الأمور؛ لأن عقل الطفل يفهم ما أمامه فحسب، من الصعب أن يفهم الغيبيات، فلا تأخذك الأحاديث للصغار عن الجنة والنار، والقيامة والميزان، بل اربط الأمور المحسوسة -تلك التي يراها طفلك- بالله، حينما يشرب الماء أخبره أن السحابة التي أنزلت الماء من السماء، والنهر الذي انبثق شاقًّا مجراه من النبع وحتى صنبور المنزل من صنع الله، الله الذي يحبنا ويرزقنا، الله الذي خلقنا لنعمر الأرض، الله الذي يرانا في السر والجهر، ولا يرضيه أن يرانا نفعل الذنوب.
من المهم في تلك المرحلة ألّا نخبره عن العذاب بكل التفاصيل، نكتفي فقط بأن نخبره بأن الله يثيب المحسن، ويجزي المسيء، لأننا حينما نخبره عن النار والثعبان إلى آخر ذلك من الأمور الغيبية لن يستوعبها، بل ربما نشوه لديه صورة الله فيشعر بالخوف الخاطئ، ذلك الخوف الذي يجعله حينما يخطأ يخاف العودة إلى الله، من الممكن أيضًا أن نقصّ قصص الأنبياء والصالحين، أو كل القصص الحسنة التي قد تشجعه على حب الخير وحب فعله.
من المهم في تلك المرحلة أن نتقي نحن فعل الأخطاء التي حذرناه منها، فلا نكذب أمامه مثلًا لأن ذلك قد يفقدنا مصداقيتنا، كما أننا يجب أن لا نعاقبه لأنه فوت فريضة بل أن نحادثه مهادنة، وأن نكافئه ونحفزه ولكن بشرط ألا يتكرر الأمر أكثر من مرة، مما يؤدي لأن يفعل الأمر من أجل المكافأة العاجلة لا من أجل النتيجة النهائية.
الحفاظ على الهوية
من الابتلاءات التي أصابتنا هي الحرص على تعلم الأبناء آداب الغرب ولغاتهم، قبل أن نعلمهم آدابنا، وقبل إتقان لغتنا، فأصبح الطفل يعرف الأمة الأخرى أكثر مما يعرف أمته، لذلك يجب الحرص على أن يتعلم الطفل لغته العربية، وأن يتقن القراءة والكتابة بشكل صحيح، وأن يطلع على الآداب العربية شعرًا ونثرًا قبل أن يُقْبِل على تَعلُّم اللغات الأجنبية، لأن ذلك أحفظ لهويته وعاملًا مهمّا لتكوين شخصيته، وثقلها والحفاظ عليها من الانحراف، أو الانجراف وراء المستورد من الأفكار الأخرى.
المبدأ الأخلاقي
افعل الصواب ولو أصبح الجميع من حولك فاسدين، يجب أن تُربّي الطفل على القيام بالصواب والتصرف بإنسانية، بل فعل الصواب وإن كان الصواب سيجلب لك العقوبة، فالخطأ كل الخطأ أن يفعل الناس الصواب من أجل النتيجة الحسنة التي سيحصدونها فقط، فيجب أن نعلم الأبناء التصرف بإنسانية، أن نخبرهم أن فعل الصواب هو الأبقى، لا النتائج السريعة، وأن نذكي ذلك بداخلهم بالمدح والثناء إن تصرفوا بإنسانية، ربما يقول أحد وهل يعرف الطفل معنى الإنسانية بالطبع يعرفها، حتى وإن فهمها بشكل سطحي بأنها شيء حسن إلا أنه حينما يكبر سيفهم ما تعنيه الكلمة بالتأكيد.
بناء جسور الثقة بيننا وبين الأبناء
أقصر طريق لمعرفة ما يفعله أبناؤك هو أن تعرفه منهم، وأفضل طريق لمعرفة ما يقوم به أبناؤك هو أن تصاحبهم. إن مصاحبة الأبناء بحق لا بغرض التجسس عليهم، من أفضل السلوكيات التي يفعلها المربي والتي تجعله يكتسب ثقة أبنائه، كما أنها تحميهم من الوقوع في الخطأ، لأن أهم صفات الصديق هو أنه كاتم الأسرار، والمطلع على النوايا والخطط، فإذا تضمنت الخطة خطأ، نبههم المربي إلى ذلك الخطأ، ولكن تذكر دائمًا الصديق لا يعاقب، وإن عاقب لا يغلظ العقوبة، الصديق يتفهم، ويعذر، ويترجل من برج أفكاره العالي، ويهزم الفجوة الزمنية ليكون مع أبنائه وأصدقائه.
إجابة الأسئلة بشكل واضح
من أشهر الأسئلة التي تقلق منام الوالدين هي (ماما كيف جئت إلى الحياة؟)، (بابا من أين يأتي الأطفال؟) أسئلة تؤرق وجدان الأب والأم، لذلك يجب أن يتعرف الوالدين كيف يبسطان الأجوبة للأبناء، حسب سن الطفل ونوعه، كما يجب أن لا نؤجل الإجابة أبدًا، لأن ما لا نجيب عليه سيجيبهم (google) عنه أو أحد الأصدقاء ومن يدرى كيف ستكون الإجابة، فربما تكون الإجابة هي الخطوة الأولى في طريق منحرف لا نرتضي أن يعرفه أطفالنا.
دعم استقلالية الأطفال عنا
قد يظن البعض أن الاستقلالية هي طريق الانحراف عن الطريق القويم والانجراف بعيدًا عن المبادئ، لكن على العكس تمامًا إن دعم استقلالية الأطفال ودعم اتخاذهم القرار وتكوين وجهة نظر خاصة، يحميهم من الوقوع في براثن الأفكار المتطرفة أو المنحرفة، لأن كبت الآراء لا ينتج عنه سوى شخصية تريد تفريغ ذلك الكبت بأبشع الطرق الممكنة، بل إنها ستسعى للانتقام ممن كبت حريتها طوال تلك المدة، أو شخصية ضعيفة وضائعة، لا تستطيع تكوين وجهة نظر خاصة بها مما يجعلها نهبًا للمتسلطين من ذوي الفكر المتطرف الذين لن يضيعوا تلك الفرصة الذهبية في إضافة فرد جديد لفيالق نصرتهم، ودعمهم، فمن لا يمكنه تكوين رأي من رأسه سيكون وعاء لآراء الآخرين.
الرقابة على المشاهدة
من مصائب التكنولوجيا الحديثة كثرة مصادر المشاهدة وصعوبة الرقابة عليها من أجل الحفاظ على الأطفال وما يشاهدونه، فمن اليوتيوب إلى قنوات الرسوم المتحركة على التلفاز، برامج ذات ألوان مبهجة وقصص شيقة، لكنها تَدٌّس السُّم في العسل، فمن مشاهد العنف، إلى مشاهد التنمر، أو تزيين الأفعال المشينة وتقديمها في صورة جميلة، تجعل الأطفال يقبلون عليها ويحبونها، لذلك من المهم أن نفتح عيوننا، وأن نبحث عما يشاهده الأطفال وما يحبونه، وأن نمنع عنهم البرامج التي قد تقدم لهم مفاهيم مشوهة، تفسد أخلاقهم ومفاهيمهم، فالأطفال في ذلك السن الصغير وعاء، يجب أن ندقق بأي شيء يمتلئ.
وأما عن الأجهزة فأنصح بتفعيل الرقابة الأبوية من أجل حمايتهم من التنمر الإلكتروني أو الدخول للمواقع الإباحية، وقد وفر (google) متصفحًا للأطفال الصغار يسمى kiddle وهو متوفر للأطفال يحجب عنهم أي نتائج غير محببة ولو على طريق الخطأ، إنه يقوم بتنقية نتائج البحث من أجل الأطفال مما يجعلهم بمأمن من الإباحية.
يمكننا أيضًا التحدث مع الأطفال بشأن نتائج البحث الغريبة التي قد تصادفهم على الإنترنت وضرورة إخبارنا بالأمر من أجل معالجته، ليس من الضروري أن نخبرهم بجميع التفاصيل، يكفي أن نخبرهم بأنها صور أو فيديوهات مزعجة قد تصل إليكم، وحينها يمكننا حل هذا الأمر.
حماية الأطفال في ظل كل ما يحدث أمر صعب، ولكن حينما نغرس فيهم القيم الصحيحة سيكونون بمأمن.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 62,020
مقال هام لكل أب وأم يريد أن يحمي أبناءه في عصر المباحات
link https://ziid.net/?p=63066