المرأة المثقفة: منشودة كفكر.. منبوذة كزوجة
العديد من الأسئلة التي قد نواجهها في ما يتعلق بمسألة المرأة المعاصرة خاصة في المجتمعات العربية، هذا المقال يعالج هذا الموضوع بدقة.
add تابِعني remove_red_eye 869
أن يكون المرء من جنس الإناث في مجتمعات تقدس المعتقد الذكوري هذه في حد ذاتها معضلة حياتية، على المرأة أن تتعامل مع تبعياتها اليومية بشكل دائم ومتواصل، إذ أن المشكلة تكمن في فكرة مشوّهة تمجد جنس الذكر كنوع لا كفكر أو إمكانيات، ويعود هذا التفضيل الذي يظن البعض أنه غريزي إلى جملة من الموروثات الثقافية والمرجعيات الدينية والاجتماعية التي لطالما فهمت بطريقة خاطئة، وتناقلت بهذه الطريقة جيلًا بعد جيل حتى أصبحت عبئًا يزعج ويستفز امرأة العصر الحديث، تلك المرأة المثقفة المنفتحة التي ترى في نفسها ندًّا للرجل وفي أغلب المجالات منافسًا جسورا له.
إن المجتمع الشرقي مجتمع محافظ إلى حد خانق وظالم، فأن تحمي معتقداتك شيء وأن تفرضها على الأفراد فرضًا شيء آخر تمامًا، لذا نراه يقولب المرأة كما يريد أن يتمثلها في دينها وفكرها وخلقها ولباسها وصوتها وعلاقاتها، فيرسمها بشكل عام تلك المرأة الخاضعة الوديعة الذي يغشاها الحياء فلا تكاد ترفع عينيها أمام الرجل أو تبادله نقاشًا مطولا تبين فيه وجهة نظرها حتى يتهمها بالخروج عن الملّة ويصفها بالعبارة الشهيرة المتناقلة فيقول :
“أنت ناقصة عقل ودين”.
رغم أن النساء العربيات يشهدن تطوّرًا مطّردًا على مستوى نيل حقوقهن والتقدّم العلمي والثقافي؛ إذ نشهد تزايد أعداد المثقفات العربيات في كافة المجالات بدءًا من ارتفاع أعداد الطالبات في الحرم الجامعي، إلى توليهن مناصب مرموقة في الحكومات وفي المجال السياسي وبروزهن كأيقونات في مجال الإبداع الأدبي والفني والحقوقي. ومن هنا فإن صورة المثقفة تتعارض كليًّا مع أسس الموروث التقليدي الذي يحبّذه الرجل الشرقي في زوجته المستقبلية التي يرى فيها اليوم نموذجًا للتمرّد والحرية والمنافسة والخروج عن الأطر المتعارف عليها.
أصبحت المرأة المثقفة على يقين لا كدر فيه بأن الرجل لا يعتبرها مخلوقًا ذا فكر مستقل بقدر ما يعتبرها شذوذًا و علّة يجب الحد من انتشار صيتها داخل المجتمع، ليس كرها ولكن خوفا مما قد تسببه من تراجع دوره وتزلزل صورته التي تعتليها الهيبة والتقدير، فهي تضارعه وتتجاوزه في مجالات تفوّق فيها سابقًا فأصبح في المركز الثاني بدل المركز الأول، كما فقد ذلك الامتياز الذي كان يتمتع به من حيث إن مستقبل المرأة كان يتمحور حوله وحول ما يقدمه لها في الحياة الزوجية من استقلال واستقرار ومفخرة ورضا نفسي.
فصارت توفر لنفسها كل ذلك الترف من دون الحاجة له عبر الصعود لمعترك الحياة المهنية والاجتماعية بمفردها، وقد علم الرجل العربي خاصة بأن في صعود النساء المنابر سقوط له من أعلى الدرجات وفي نيل حقوقهن تهميش مواز للدور الأساسي الذي كان يلعبه الرجل الشرقي في أسرته بدرجة أولى وفي مجتمعه بدرجة ثانية، وهذه المفارقة تظهر في أشد تجلياتها عند التعامل مع المرأة المثقفة التي تفقه جيدًا أسباب نفور الرجال من تدخلاتها في المجالات التي لطالما احتكروها تحت تعلّة أنها شؤون رجالية.
ارتقاء صورة النساء في القرن الحادي والعشرين
أما في عصرنا هذا فقد تبددت تلك الصورة التي تحتقر فيها المرأة مع مرور الزمن، ومع تراكم الإثباتات التي قدمتها النساء بأنّهن رائدات ما يفعلن، فالنجاحات المتكررة والهيمنة المستنيرة التي غيرت الموازين وعدلتها وانفتاح التعليم والفكر جعل من المرأة عنصرًا فعالًا في كل ميدان ترتاده. فنجدها في الميدان الرياضي والأدبي، والفني، والسياسي والعلمي. وأصبحت منشودة كفكر يفخر الرجل الشرقي المثقف بمجالستها ويتوق لمحادثتها و يرى فيها أنموذج المخلوق الكامل الذي لا نقص فيه و لكن كامرأة مثقفة وصديقة منفتحة لا كزوجة!
فالرجل الشرقي لا تتغير متطلباته أبدًا مهما تتغير الظروف المعيشية ومهما يتغير الزمن يظل العربي ينشد نمطًا نسائيًّا معينًّا وهي تلك المرأة التي تشعره بحاجتها إليه وتضطر إلى تقليص كيانها الفكري والجسدي ليتناسب معه سيبحث باستمرار عن امرأة تمنحه نواقصه وتشعره بأنه كائن مقدّس سام لا يمكن أن تعيش إلّا تحت كنف رعايته. لهذا لا يمكن للمرأة المثقفة أن تتزوج إلا نادرًا وإن تزوّجت ينتهي بها المطاف عند أبواب المحاكم لأنّها لا تقدس شيئًا غير نفسها وأهدافها أمّا الرجل فتعتبره شريكًا للحياة الزوجية التي يمكن لها أن تبنيها على قوام يحدد أنها شراكة ويتعاونان في تأسيسها على بنيان يرضى به كليهما.
وضعْ في الاعتبار صديقي القارئ أن هذه البيئة التي تبحث عنها المثقفة نادرة جدًّا فهي تعيش في مجتمع لا تزال فيه زلل الفكر التقليدي، وأن طبيعة الرجل العربي وسجيته التي يطغى عيها الغرور والكبرياء والأنويّة مخالفة تمامًا للمعايير التي تطلبها المثقفة؛ لذلك فإن نظرة المثقفات إلى الزواج تغيرت كليّا فلم تعد نظرة لهفة و استشراف لمستقبل باهر وسعيد، وإنّما أصبحت نظرة شزر ورعب ونفور من الويلات التي من المحتمل أن تعيشها مع زوج لا يقدر ما هي عليه من طباع وفكر ومبادئ وثقافة متجددة ومتحررة.
في الختام،
قد يبدوا لنا أن وضعية المرأة المثقفة في ما يخص الزواج وضعية لا تخلو من الإشكاليات والتعقيدات، وهذا ما هي عليه بالفعل، ولكن إلى متى ستظلّ تلك العقد الاجتماعية والتقليدية المتوارثة تتحكم في نسق عيش أجيال وفي قرارات نخب لا ذنب لهم غير أنهم نشأوا في بيئة محافظة، ألم يحن الوقت لكي نتفرّد بأفكارنا ونضع حدًّا لهواجسنا وعقدنا النفسية ونتعايش بفكر متحرر بناء؟
إليك أيضا
add تابِعني remove_red_eye 869
يعالج هذا المقال المسألة الخلافية بين الرغبة في المرأة المثقفة واختيار الزوجة المحدودة
link https://ziid.net/?p=65996