مدرسة الوعي: المدرسة المثالية التي نحتاجها في القرن الواحد العشرين
هل تمنحنا مدارسنا ما يرفع وعينا أم العكس؟ وهل يمكن حلّ معضلة مدرسة القرن الواحد والعشرين، التي تنعكس على أسلوب حياتنا اليومية؟
add تابِعني remove_red_eye 29,562
ما حدث ومازال يحدث في هذه السنة العجيبة (سنة 2020)، والتي تخيلها بشر القرون الماضية انها ستمثل نتاج السباق المحموم للتطور والتكنولوجيات الحديثة التي وصل اليها الانسان، إلا انها سنة جعلتنا نخشى حتى من الاقتراب من بعضنا وعرفنا حينها مدى هشاشة الانسان وضآلة معارفه أمام فيروس مجهري لا يرى بالعين المجردة.
وهل وصلنا الى ذلك التطور الذي حلم بها انسان الماضي؟
قد تحمل الإجابة شقان، شق اجابته نعم أما شقه الثاني فالإجابة هي لا وكل هذا هو من وجهة نظري لا أكثر. أما جانب النعم، فاقصد به أن التكنولوجيا التي وصل اليها انسان اليوم قد تحسب له، من اكتشافات وتسهيلات للحياة اليومية، أما لا فقصدت بها ذلك الجانب الهش والذي يضعف كل يوم من الانسان، او ربما هو نتاج انحراف التطور والعلم عن مساره الصحيح، حيث صار الشغل الشاغل هو التحكم أكثر في سلوكيات الانسان، وتركيع وتسقيف فهمه، بل وصل الامر الى بلورته وقولبته بشكل يخدم جهات معينة.
ان الجانب الذي يضمحل ويمحى مع كل تقدم يحققه الانسان، هو جانب الوعي الذي عرّته الجائحة التي نعيشها، والتي جعلتنا نستوعب مدى سطحية تفكير البشر رغم تطورهم، ومدى سذاجة السادة والقادة، ومدى هشاشة الفكر الإنساني الحديث. وظهر ذلك في تصريحات غريبة، بين حقن الأشخاص بالصابون والكحول، وبين مؤيد ومعارض لارتداء كمامة، وهناك من راحت أفكاره نحو نظرية المؤامرة التي تطبقها أحزاب بلدانهم السياسية، وهلم جرّى. ولمعالجة هذه القضية، من الطبيعي ان نتساءل اين يتم رفع الوعي في عالم مثالي؟
متى يبدأ الانسان في التأثر في بناء معتقداته؟ وما هو المؤثر الرئيسي عليه؟
من البديهي ان التربية أولا والمدرسة ثانيا هما العاملان الرئيسيان اللذان يشكلان فكر الطفل في سنواته الأولى، لكن دعونا لا ننسى ان طفل عصرنا هذا لا يكتفي بما يمنح له في المدرسة وما يخبره به البابا والماما، حيث صار هناك مؤثر ثالث، وهو ما يتلقاه عبر الشاشات الصغيرة، أما التأثير الثلاثي السابق ذكره، فتزداد وتتناقص قوته مع تقدم الشخص في العمر، فالطفل ليس كالمراهق وليس كالشاب، كما ان العوامل الخارجية تزداد كلما كثر الاحتكاك بها.
ولاستعراض المشكلة، علينا التدرج في استعراض المشكلات، فمشكلة التربية، هي مشكلة أجيال، وهي مشكلة أحب أن اسميها مشكلة الحلقة، لذلك دعونا نبدأ بالمدرسة.
فهل تمنحنا مدارسنا اليوم الوعي الكافي لمواجهة الحياة؟
هل تعلمنا مدارسنا عن حقوقنا وواجباتنا؟ هل تعلمنا كيف نختلف وكيف نتحاور عند الاختلاف؟ هل تعلمنا المساواة؟ هل تعلمنا ان يد الله مع الجماعة؟ هل تعلمنا ان المعرفة تتكاثر عند مشاركتها مع الآخرين؟ هل تعلمنا ان لا فرق بين أسود وأبيض، وبين طويل وقصير، وبين غني وفقير؟ هل تعلمنا كيف نبني علاقات صلبة؟ وكيف نتغاضى؟ وكيف ننجز؟ هل تعلمنا كيف نعيش الحياة، وكيف نشق طريقها؟
ان المدرسة التي لا تعرفنا عن ذواتنا، بل تحشو ادمغتنا بالكثير من العلوم التي لا نعرف لا كيف ولا متى نستعملها، أيضا هي المدرسة التي تعلمنا كيف ندرس وحدنا ونتفوق وحدنا، ونحصل وحدنا على المركز الأول فيها، وأن وجود شخص قبلنا يعني اننا غير كافين، وأن تربح عليك ان تنافس بشراسة وبكل الطرق، وأن النتيجة هي كل ما يهم. ان المدرسة التي تبنى على اللاعدالة، وقلة المساواة في المعاملة، والتي تغذي التنمر في أروقتها على أساس انه المسار الطبيعي للمدرسة، وان الحياة ستستمر وسينسى الجميع ما حدث بمجرد مرور الأيام والتعود.
هذه المدرسة، هي النموذج المظلم للمدرسة، للمكان التي خلقت من أجله قاعات الدراسة. فما نحتاجه في المدرسة، هو رفع مستوى الوعي الذاتي، رفع سقف الفهم الإنساني، حتى يتسنى لنا فهم معالم ذواتنا، معالم بعضنا، فيسهل علينا فهم ما نريد، وفهم وجهة نظر الآخر، فلا نتعادى ولا نكره بعضنا لأننا نحمل وجهات نظر مختلفة، حتى يتسنى للجميع استيعاب ان الاختلاف طبيعة البشر، بل هي السمة التي تميزنا، فنستخلص منها ما يفيدنا، فنطور من فهمنا لبعضنا البعض ولكل ما نواجه في هذه الحياة.
قد يكون الكلام سهل، لكن بيت القصيد كيف نصل لتحقيق مدرسة الوعي التي نطمح لها؟
اول ما تفتقر له مدارسنا هو تعزيز حب الذات، وتقبل ذواتنا كما هي، كنا طوالا او قصارا، بيضا او سودا، فأولى خطوات بناء الشخصية السوية، هي في تحقيق الاكتفاء الذاتي بما يملكه الشخص، اما الثغرات التي تحصل وتتوسع مع الزمن، هي نتيجة عدم اكتفاء الفرد بذاته، واحساسه بالنقص أمام الغير، مهما كان ذلك الغير، فهو يرى ما ينقصه فيه، ويبدأ بالمقارنة المرضية، لذلك يقال القناعة كنز لا يفنى.
فالنشاطات التي تجعل الفرد يفهم ما يبرع فيه، ويلمس قدراته فيه، ستصنع الفرق، تعدد النشاطات اليدوية كالرسم والنحت، والرياضية بأنواعها، تقديم التكنولوجيا بطريقة تعليمية لفهم كيف تعمل الأجهزة والشبكة. لأنه ليس على المدرسة الاكتفاء بإخضاع الجميع لذات المقاييس، ثم ترتيبهم حسبها، فذلك شبيه جدا، بإحضار عدة أنواع من الحيوانات (بطريق، قرد، سمكه و زرافة) ثم تعليق موزة أعلى الشجرة، و نعلن عن منافسة حيث من يحضر الموزة هو الرابح.
ان كفاءة هذه الحيوانات تختلف بحسب البيئة التي توضع فيها، فلا يمكن للسمكة العيش خارج الماء، فكيف لها أصلا ان تخرج للبر، أما البطريق فهو طائر لكنه لا يطير، فكيف له الوصول الى الأعلى، أما المنافسة بين القرد والزرافة، فهي واضحة بينما يتسلق القرد الشجرة، ستكتفي الزرافة فإمالة رأسها قليلا وستصل للموزة بشكل أسرع بكثير مما تتخيل.
لكن ماذا لو كانت الموزة في مكان آخر، هل سنحصل على ذات النتيجة، من الطبيعي ان تكون الإجابة لا. وهذا شبيه جدا بما قصدته، فالاعتراف بأن من يحصل على علامة كاملة في الرياضيات، هو الأذكى بينما من يصنع ابريقا من الطين بشكل مثالي، او يصنع مجسما من أعواد الكبريت لهرم أو برج معروف، هو أقل ذكاء من الرياضي البارع، يصنع الخلل الذي علينا تعديله، فحينها نحن لا نفعل شيء سوى اظهار غباء واضحا في فهم أنواع الذكاء.
- النشاطات الجماعية، التي تدفع الأشخاص الى التحاور والخروج بحل يرضى كل الأطراف، هي من النشاطات المهمة، لأننا حينها سنتعلم أن فعل الفرد ينعكس على الجماعة، وان الأنانية تجعل الفريق يخسر، أما حب الظهور الفردي فهو عامل مرضي يجعل الفرد يخسر علاقاته.
- التوقف عن مقارنة الطلبة ببعضهم البعض علانية: فذلك يغذي المقارنة المرضية، المنافسة الشرسة، والتي تزرع في العقول ان النتيجة هي كل ما يهم.
- مساعدة الآخر: وهي من الميزات التي نفتقدها، ليس لأننا لا نفكر في الآخر، بل لأننا لا نعرف كيف نساعد الآخر.
- اختيار المسار المهني: وتعتبر هذه من معضلات العصر، حيث راحت احصائيات أمريكية صدرت قبل أربع سنوات أو خمس، الى أن 60% من المجتمع الأمريكي لا يعمل في المجالات التي درس فيها، وذلك لأن كل هؤلاء اكتشفوا شغفهم بعد دخولهم الجامعة أو بعد تخرجهم منها، فلم يجدوا سبيلا إلا محاولة دخول المجالات التي يبرعون فيها أو يحبون العمل فيها بطرق أخرى كالتكوين الذاتي.
يمكن للمدرسة أن تكون مكانا جيدا لنبدأ فيها بصناعة وعي هذه المجتمعات الهشّة، ولنتفادى تهديم أجيال قادمة.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 29,562
مقال مثير حول القرن الواحد والعشرين وما يحتاج إليه الفرد في حياته اليومية
link https://ziid.net/?p=80628