أطول حصار في التاريخ

في عام 1644م، قام مجموعة من فرسان الإسبارتية -فرقة عسكرية صليبية- بمهاجمة سفينة عثمانية فقاموا بنهب كل ما على هذه السفينة، بل وقاموا بأسر بعض نساء السلطان اللائي كن على ظهر السفينة، في طريق عودتهم من الحج، وأخذوهم إلى القسطنطينية، فما كان من الدولة العثمانية إلا أن أعلنت الحرب، ولم تكن حربًا عادية، فكانت حربًا ضارية، على أوسع نطاق.

وقد بدأت هذه الحرب بالهجوم على جزيرة كريت بقيادة يوسف باشا، ومعه 60,000 من القوات العثمانية، وقد وقعت جزيرة كريت بأكملها في قبضة العثمانيين بعد شهرين، كما فرض العثمانيون سيطرتهم أيضًا على مدينتي جانية، وريثيمنو، ولكن هذه الانتصارات لم تكن كافية بالنسبة للعثمانيين؛ حيث توجهت أنظارهم إلى مدينة كاندية، وقد بدأ العثمانيون يستعدون لفرض الحصار على مدينة كاندية، منذ عام1648م، فقاموا بقطع إمدادات المياه، كما عطلوا الممرات البحرية التي تصل داخل المدينة بخارجها.

نوعية الحصار الذي فرضه العثمانيون على كاندية

عندما علم لبنادقه في مدينة كانية باستعداد العثمانيين لفرض الحصار علي مدينتهم، قاموا بحصار الدردنيل التابعة للدولة العثمانية، حتى يعيقوا وصول الإمدادات والمعونات للقوات العثمانية الموجودة في كريت، فحدثت العديد من المناوشات البحرية بين الطرفين، غير أن القوات العثمانية قد استطاعت فرض الحصار على مدينة كانية، فقام أهلها بطلب العون، والإمدادات من الدول الأوربية، ولكن الدول الأوربية كانت منشغلة بحروبها، أما إنجلترا وهولندا فكان بينهما وبين الدولة العثمانية اتفاقيات تمنعهم من تقديم يد العون لأهل كاندية.

وكانت الأمداد تنقطع في بعض الأحيان عن القوات العثمانية، غير أن الجيوش العثمانية كانت سريعًا ما تستعيد قوتها، وتعزيزاتها، فكانت المناوشات سجالًا بين الطرفين، تارة ترجح كافة العثمانيين، وتارة ترجح كافة البنادقة، وقد استمرت القوات العثمانية في توجيه الضربات للمدينة لمدة 17عامًا.

وفي إحدى مراحل الحصار كان الجيش العثماني على وشك الاستسلام وعقد الهدنة مع البنادقة، والرحيل من حيث جاءوا؛ ففي أثناء محاولة القوات العثمانية اختراق جدران المدينة، وحصونها، فقدوا عددًا كبيرًا من الجنود بلغ عددهم سبعين ألفًا، في عامين فقط، بينما كانت خسائر البنادقة حوالي تسعة وعشرين ألفًا، لذلك عرض العثمانيون الصلح على البنادقة الذين رفضوا هذا الصلح ظنًّا منهم أن نهاية الجيش العثماني قد قاربت، خاصة بعد وصول قوات فرنسية مقاتلة -بلغ عددهم ستة آلاف مقاتل، وثلاثين سفينة- لتقف بجانب البنادقة.

ولكن تقديرهم للموقف لم يكن صائبًا، وعلى الرغم من أن الفرنسيين قاموا بتوجيه العديد من الضربات الفادحة للجيوش العثمانية فإن الجيش العثماني استطاع سريعًا تجميع قواه من جديد، فدمر العثمانيون إحدى السفن الفرنسية، بل وأكثرها أهمية، مما اضطر القوات الفرنسية للانسحاب.