حلم يقود للحقيقة: مراجعة حلم رجل مضحك – دوستويفسكي

“كم أشعر بالأسى إذ أجدهم لا يدركون الحقيقة، لكنني أعرفها وما أقسى أن تنفرد بمعرفة الحقيقة وحدك، لن يفهموا ذلك، لن يفهموه أبدًا”.

حلم رجل مضحك هو أحد أعمال الكاتب الفيلسوف دوستويفسكي، والذي اشتهر قلمه بسبر أغوار النفس البشرية ملاحظًا أدق أعراض الصراعات والمشاعر التي تختلجها، وقد كانت الفلسفة حبيسة كلماته بشكل دائم، كما أنه أبدى اهتمامًا واضحًا بالأحوال السياسية والاجتماعية لبلاده روسيا، وقد كانت هذه الرواية من ضمن خواتم أعماله الأدبية حيث نشرت في عام ١٨٧٧ ميلاديًّا.

تجلّت معضلة الوجود والعدمية في هذه الرواية كحقيقة الشمس الساطعة، وقد كان بطلها رجلًا انسكبت حروف اسمه بين طيات السطور ولم يكن بالأمر الجليل إذ كان قريبًا للقلب للحد الذي يجعل البحث عن اسمه بلا معنى.

ملخص الرواية

كانت حياته أقرب للعدم منها للوجود، فلا معنى منها ولا شعور يطرق قلبه ولا أسئلة تراود عقله، وقد كان يقضي نهاره يقرأ وليله يتأمل بلا كلل، وقد هانت حياته في عينيه للحد الذي جعله يميل للعدم.

وقد ذكر حينها أن في لحظة فقدان وعيه سيختفي العالم، إذ إن لم يكن له وجود فليس لهذا العالم الذي خلق له وحده وجود، ولكن قبل أن ينفذ قراره كان النوم أسرع منه وحينها غفا غفوةً في مضمونها أشبه بالصحوة وكان بطلها حلمًا خارقًا.

حلم عبر فيه طبقات السماء حتى وصل للنعيم وحينها تعرف عليه وعلى أبناء النعيم، ساده الحب الهادئ تجاه كل المخلوقات، وحينها استشعر حقيقة الوجود بقوة تجعل الدموع تنهمر من عينيه خشوعًا وحبًّا، وقد كان حلمًا سريعًا فتسارعت الأحداث به حتى انقلب النعيم كالأرض، وظهرت الخطايا وخفتت المحبة وأضاءت الأنانية وذلك لم يقلل من حبه ذرةً بل غمره الحب أضعافًا لأهل الخطيئة، فقد عرف الحقيقة وهم يجهلونها وقد وعي وهم يهربون من الوعي.

وحينها انتهى ذلك الحلم ولم ينته تأثيره على البطل ولا على القارئ ذاته، وقد دفعه الحلم للاستفادة منه بكل الطرق والسعي لإحالة هذه الأرض نعيمًا مرةً أخرى بخُطا سعيٍ مخفية وملخصة في كلمةٍ صغيرة الحروف وكثيرة المعاني والأفعال.

منذ أول عدة أسطرٍ استطاع الكاتب بثّ شعور الغرابة والفضول في النفس، إذ أمسيت أثب بعينيّ بحثًا عن الحقيقة مع البطل بلا كلَل، مراقبةً تقلبات مشاعره من الصفر والذي من خلال موقفٍ صادفه مع طفلةٍ ازداد واحدًا عبر الشعور بالذنب ومن ثم الشفقة وبعدها الندم وحتى وصل للذروة والتي انفجر منها حلمه بالحقيقة الجلية، وقد كانت بسيطةً ومعقدةً في آن واحد، كبساطة الشمس كنجم نراه رأي العين وتعقيده في تركيبه والخوف من الدنو منه.

وقد ظهرت تحولات النفس البشرية من الخير للشر ونقيضها، ورأيت مشاعرَ تسمو بحاملها وأخرى تحط  منه، في حين أن كلاهما يدنو بصاحبه من الأفعال ولكن شتان الاختلاف بين أفعال هذه وتلك، وعلى الرغم من وضوح تحولات النفس ضمن سياق الرواية واندماج ذروة كلا التحولين المتناقضين، تمنيت لو أن الكاتب استطال في شرحها شعورًا بعد شعور ونقيصةً بعد نقيصة.

دروس من الرواية

احتوت هذه الرواية على إسقاطات عميقةٍ عن قصص نعلمها جميعنا، كأول خطيئة على الأرض وكرحلة الإسراء والمعراج، وأخفاهم دوستويفسكي بين سطوره معطيًا تلميحات عن كل قصةٍ، وقد وُصِفَت كل واحدةٍ منهم بطريقةٍ تجعل القارئ داخل المشهد يراقب وربما يتخيل نفسه محل البطل خلال رحلةٍ عجيبةٍ تبدو أقرب الحقيقة منها للحلم.

ومنذ أن أسمى غاية للبشر هي السعادة فقد كانت السراب الذي طارده جميعنا بلا كللٍ، باحثين عنه بين الأشخاص والأموال وبين الأسر والأطفال كما طارد سيسيفوس الصخرة وهي تتدحرج أسفل الجبل طوال حياته وما كانت تستقر في موضعها -أعلى الجبل- قط، طاردنا السعادة ولم تستقر في قلوبنا سوى سويعات.

وقد طاردت السعادة أيضًا في هذه الرواية وحينها استوعبت أن مكمنها وملاذها الوحيد كان النفس، وهو المكان الذي غفلت عن البحث فيه عن سعادتي، وسهوت عن البحث فيه دون قوانين وفلسفات تضع له أسبابًا، فما فائدة البحث عن الأسباب ودراستها حتى الانغماس فيها مغيبةً عن السعادة والتي كانت مسعاي الأصلي والوحيد، وهذا كان أحد مفاتيحها وجزءًا من الحقيقة المعلنة في الرواية المميزة.

إليك أيضًا

• مراجعة رواية إيكادولي: رحلة إلى مملكة البلاغة
• مراجعة رواية: سلام الله على عينيك
• حين يصبح الذكاء عملة (مراجعة رواية أرض زيكولا)