القراءة ليست هدفًا بحد ذاته: هل علينا الانتباه لما نقرؤه فعلًا؟
نحن نقرأ كي نمضي في الحياة، كي ننضج وتنمو شخصيتنا أكثر
add تابِعني remove_red_eye 91,100
خطرت لي فكرة هذا المقال بعد قراءتي لمقال بعنوان (العلاج بالقراءة: كيف يمكن لكتاب أن يشفيك؟) للزميلة دينا محمد يوسف.
من وجهة نظري، نحن نقرأ كي نمضي في الحياة، كي ننضج وتنمو شخصيتنا أكثر. في بعض الأحيان، يكون ذاك النمو ضئيلًا للغاية ولا نستطيع أن نربط بينه وبين الكتاب الذي بين أيدينا، لكنه ليس كذلك أبدًا.
قد تقرر -عندما تكون حزينًا- قراءة كتاب مصور فكاهي. تهدف الكوميديا إلى تحويل حالة حزنك إلى حالة من الفرح، تريد أن تضحك، تريد أن تشتت انتباهك عن مصابك، تريد أن تشعر ببعض المتعة. عندها فقط ستتمكن من المضي قدمًا في يومك، والقراءة تدعم هذا التغيير. بالطبع، يمكنك أيضًا قراءة رواية، عن جريمة قتل، أو ملحمة يفقد فيها البطل زوجته بشكل مأساوي. هذا شكل أعمق من معالجة حزنك عبر الكوميديا، وعلى الرغم من عدم وجود قانون يحدد متى ستحتاج إلى أي منها، فلا شك في أن كلاهما يخدم الغاية الرئيسية للقراءة: نمو الشخصية.
نظرة متعمقة لتصنيفات الكتب
إذا نظرت للأمر بهذه الطريقة، فكل ما تقرؤه هو كتاب لتنمية الذات: فالبيان الصحفي يوسع معرفتك. والروايات تغيّر طريقة تفكيرك وتقويّ مخيلتك. وكتاب عن أفضل النظم الغذائية يهدف لتحسين مظهرك. ومرة أخرى، حتى القراءة للتسلية هي جزء من مسار نموك، إذا كانت القراءة تنبع من رغبتك في تنمية ذاتك، فأنت تقرأ ما يُطلق عليه (كتب المساعدة الذاتية) أكثر مما تعرف. ربما نادرًا ما تلتقط كتب تبسيط العلوم (Pop Science)، ولكن دون أن تدرك ذلك فكل ما تقرأه، تقرأه لأنك تريد التغيير.
سواء كان ذلك في شكل نصيحة صريحة تقرؤها في كتاب أو عبارة فريدة أو قصة طريفة أو معلومة مفيدة، لكن الهدف الأساسي هو نفسه. الشيء المضحك في كتب “المساعدة الذاتية” هو أنها ليست ذاتية الدفع على الإطلاق. المساعدة الذاتية هي مجرد مساعدة.
هل هناك ما يُسمى كُتب التنمية الذاتية فعلًا؟
أخبرني، ماذا تفعل حين ترغب في تنمية ذاتك؟ تتجه إلى قسم التنمية الذاتية في متجر للكتب (جملون على سبيل المثال)، أليس كذلك؟
لكن -في الواقع- جميع الكتب كتبها أشخاص آخرون:
- تقرأ سيرة شخص ما فتلهمك.. ألا تعدّ هذه تنمية للذات؟
- تتبع طريقة شخص ما لتناول وجبة، أو تمرين، أو بناء شركة وهذا يُعد تنمية للذات أيضًا.
- تؤدي تمرينًا يقترحه شخص ما، أو تكتب في دفتر يوميات منظم، أو تأخذ الأمر بسهولة ليوم واحد بعد قراءة مقالة شخص ما ينصحك بذلك.
كل هذا يُعَدّ تنمية للذات، بالقراءة تحصل على المساعدة.
لم يكن عليك أن تدفع لشخص ما مقابل القيام بالمهمة نيابة عنك. لم تقابل معالجًا نفسيًّا أو تطلب النتيجة عبر الإنترنت. لم يكن عليك أن تطلب ذلك في الأماكن العامة، أو تكشف شيئًا محرجًا، أو تسمح لشخص غريب بدخول منزلك ومحاورة أهلك حتى يكتشف أسباب مشكلتك “الحقيقية”، وإنما فعلت ذلك خلف شاشتك اللامعة أو على كرسيك المفضّل، وأعتقد أن هذا رائع.
الكتب لا تحل المشكلات
وفقًا لما سبق، لا توجد حدود لمدى مساعدة بعضنا بعضًا، لا يمكننا حل كل مشكلة بهذه الطريقة، لكن يمكننا بالتأكيد التغلب على الكثير. لو كنا أكثر صراحة حول هذا الموضوع. إذا كان قسم الكتاب فقط يسمى “مساعدة ذاتية”. على المدى الطويل، من المؤكد أننا لا نعطي بعضنا بعض الأسماك فحسب، بل نعلم بعضنا بعضًا كيفية اصطيادها. لكن اليوم؟ سأدعم -بكل سرور- كل شخص يأكل أو -في هذه الحالة- كل شخص يقرأ.
بقدر ما هو جميل أنه يمكننا طلب المساعدة وتلقيها على انفراد من خلال القراءة، فإن المعجزة مرتبطة بمهمة غير عادية: يجب أن نختار متى وماذا ولماذا نقرأ على وجه التحديد، وبالتالي الأشخاص الذين يقدّمون يد المساعدة.
في عالم يرى فيه أكثر من مليوني كتاب النور كل عام، وأكثر من ثلاثة أضعاف ذاك الرقم من التدوينات التي تُنشر يوميًّا، يعد هذا عبئًا ضخمًا.
لا تتسرّع: ما تتصفحه أثناء قضاء حاجتك مهم. هاتفك أشبه بمكتبة الإسكندرية، موطن لقصص ومعرفة العالم. إنما لسوء الحظ، لا يوجد منسقون يفهرسون العناوين ولا يوجد أمين مكتبة يشير إلى الطريق – فقد باتت غربلة الكلمات عملًا وحيدًا لا ينتهي بالنسبة لنا جميعًا. ولا يمكنني التأكيد على أهمية القيام بذلك.
متى عليك تجنّب قراءة كتابٍ ما؟
يمكن للبشر فقط تعليم ما أصبحوا عليه، لذا فإن المساعدة التي نقدمها ستستند دائمًا إلى هويتنا. إذا كان والدك محاسبًا، فلا يمكنه أن يعلمك أن تكون مغنيًا. إذا كانت أختك غير منظمة فلا تطلب منها النصيحة بشأن الإنتاجية. وإذا كان الرجل الذي يوزع نصائح الزواج على الويب مطلِّقًا فمن المحتمل أن تشيح بصرك عن كتاب (فنّ الزواج السعيد) الذي يحمل اسمه.
من الصعب دائمًا التشكيك في النصيحة، خاصةً إذا كانت تبدو صحيحة وحسنة النية، ولكن عندما يتعلق الأمر بقراءة الكتب، فإننا غالبًا ما نتلقى تعليمات من غرباء تمامًا. كل ما علينا الحكم على خبرتهم هو سيرة ذاتية مكونة من (100) حرف وصورة صغيرة. لم نرهم أبدًا يدرسون التمويل الشخصي. نحن لا نعرف كيف يتصرفون في الحياة الواقعية، كيف يمكننا معرفة ما إذا كانوا مؤهلين؟ كيف نرى نواياهم؟
هذه أسئلة صعبة، وتصل إلى لبّ الحقيقة التي تتجاهلها معظم نصائح القراءة: القراءة الجيدة هي اختيار معلميك بحكمة.
الخاتمة
يتفوق هذا المبدأ على كل دليل قراءة سريع وكل نصيحة حفظ وكل نظام لتدوين الملاحظات. مليون يد مساعدة لن تكون كافية إذا كانت في أيدي الأشخاص الخطأ. أولًا وقبل كل شيء، يجب ألا تنمو شخصيتك في الاتجاه الخاطئ.
صحيح أن ما نقرأه هو ما نحصل عليه، ولكن علينا أن نقرر أن ما حصلنا عليه هو ما نحتاجه. طالما أننا نحتفظ بهذه الثقة في أعماقنا، فإن القراءة ستؤدي دائمًا إلى النمو.
إليك أيضًا
أهم التلميحات التي تفيدك عند القراءة
add تابِعني remove_red_eye 91,100
مقال مثير وملهم حول القراءة
link https://ziid.net/?p=70500