عمارة الأرض
المجتمع مجموعة من الأفراد والعلاقات تجمعهم روابط ومصالح مشتركة، لذلك يجب علينا استثمار هذه الروابط والتعاون لعمارة الأرض
add تابِعني remove_red_eye 216
خلق الله تعالى الإنسان وأكرمه بأن جعله خليفة في الأرض يعمّرها وِفق مراده، ومنحَه كل ما يمكنه من هذه المهمة الجليلة وأكرمه بالعقل وجمال الصورة؛ فخلقه بأحسن تقويم. وشاءت إرادة المولى سبحانه أن يكون البشر أمماً مختلفة، وشعوباً متعددةً، وفي تلك الإرادة الإلهية حكماً عظيمة ودلالات تستحق التأمل، وقد أقر الإسلام هذا التنوع والاختلاف، ولكنه أراد تنوعاً يثري الحياة ويزيدها عطاءً وبناءً وتعارفاً وتآلفاً.
قال الله تعالى: {… وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا…} والتعارف المراد بالآية الكريمة هو التعارف الذي يقوم على التناصح والتناصر بالحق والتعاون في مهمة عمارة الأرض. وبينما ننمو وننضج يزداد إدراكنا بأن الطبيعة تتطلب الاعتماد بالتبادل وأن هناك نظاماً بيئياً يحكم الطبيعة بما فيها المجتمع. كما نكتشف أيضاً أن المناطق المهمة والأسمى في طبيعتنا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعلاقاتنا بالآخرين، وهذا يعني أن الحياة الإنسانية تتطلب الاعتماد بالتبادل.
المجتمع مجموعة من الأفراد والعلاقات تجمعهم روابط ومصالح مشتركة لعمارة الأرض؛ لذلك يجب علينا إدراك أنه لا بد من العمل على تنظيم هذا المجتمع من خلال استثمار الروابط وتقويتها والتعرف على مهارات وقدرات الأفراد وتوظيفها لمساعدة المجتمع على تطوير نفسه ومساعدته على تحديد المشكلة أو الأهداف المشتركة بـ(الإلهام، التحفيز، المعلومات، التشجيع، التدريب…) وحشد القدرات وتوجيه الطاقات نحو أهدافٍ مشتركة بإشراك جميع الفاعلين من مؤسسات دينية، ومؤسسات سياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وبالتأكيد شخصيات للانتقال بالمجتمع من قطيعٍ منقاد إلى قطاعٍ واعد وواعٍ ومشارك.
والفرد كمؤسسة فكرية اجتماعية لا يمكن أن تخطط لوحدها مشروع تنظيم المجتمع. حسناً كيف يمكننا دراسة المشاكل المتعلقة بالصناعة أو المشاكل المؤسسية …؟
طبعاً ستتساءل ما هذا السؤال هل تمزحين؟! بالتأكيد بإمكاننا حل أي مشكلة بتحليل الأمور المعقدة إلى أشياء بسيطة وإعادة دمجها نجد الحلول، بالطبع يا صديقي أعلم ذلك وأنت تعلم وهناك من لا يعلم ذلك، لا عليك يا صديقي ليس ذلك الجواب الذي أرته فقط. فكّر معي قليلاً وأنت تقرأ بعين عقلك أن قدراتك على القيام بهذا الأمر هي قدرة بشرية فريدة لا تمتلكها الحيوانات.
ولهذا السبب جعل الله سبحانه وتعالى الإنسان صاحب اليد العليا في هذا العالم ولهذا السبب هو الذي يحقق تطورات قيمة عبر الأجيال المختلفة، ولنفس السبب يمكننا الارتقاء والتعلم من تجاربنا الشخصية وتجارب الآخرين. حسناً إن قمت أنا بتحليل الأمور المعقدة إلى أشياءٍ بسيطة وأعدت دمجها سوف أتوصل إلى حل أو فكرة واحدة أو فكرتين أو حتى أكثر من ذلك، وإن قمت أنت بذلك أيضاً سيصبح لدينا أفكار وبدائل أكثر، وماذا إذا قمت أنا وأنت وهي وهو بذلك؟ بالتأكيد سيكون الأمر مختلفاً تماماً؛ سيكون هناك الكثير من الأفكار والبدائل، بالتالي ستكون النتائج أكثر فعالية وتأثيراً؛ وبناء أفكارنا فوق أفكار الآخرين يصقل عملية التنظيم.
ويمكنك تعلّم معنى الانتظام ضمن فريق من الفرق الرياضية، حيث تجسد المعنى الحرفي للفريق وهي مجموعة مستقرة من الأشخاص المتوازنين والمترابطين يسعون لتحقيق نتيجة مشتركة. لكني أعلم أن جميعنا مختلفين بطريقةٍ فريدة ومعقدة؛ لذا نحتاج إلى بناء العلاقات حيث أن 80% من الناس ينجحون في مختلف المجالات بسبب مهارات الاتصال؛ والتنظيم يدور حول العلاقات فهو يقوم بصفةٍ دائمة بالبناء والحفاظ على العلاقات، ويستقطب الأشخاص الجدد باستمرار.
ولكي ننجح في بناء الفرق لإعمار الأرض، ولبناء المستقبل الذي نعلم بأننا نستطيع صنعه؛ يجب أن تتوفر القيادة أو السلطة الفعالة التي تمتلك القوة أو القدرة على إحداث التغير، وتتمثل بناء القوة لدى السلطة في جعل الناس يفهمون مصدر مشكلاتهم الاجتماعية والسياسية، ثم يبتكرون الحلول ويضعون الإستراتيجيات، ويتولّون القيادة ويتحركون في العمل من خلال الحملات التي تحقق تغييرات ملموسة.
سلطة قوة، تأثير، حكم
إذن يؤدي التنظيم القائم على مبادئ وأساس عملي إلى تحقيق وفرة من الموارد المادية والبشرية المنظمة عن طريق الاستثمار الأمثل للموارد. حيث أصبح التنظيم سر نجاح منظمات الأعمال في العصر الحالي سوءاً كانت تلك المنظمات عامة أو خاصة.
كما نلاحظ في عصرنا الحالي التطورات السريعة للتكنولوجيا وظهور الإنترنت وانتشار وسائل التواصل الاجتماعية، حيث بإمكان ذلك أن يخدم التنظيم في بناء العلاقات لإعمار الأرض؛ إذا ما تم الاستثمار الأمثل لتلك الوسائل في فتح مساحة جديدة لإشراك المواطن.
وخلاصة القول أنها كانت 30 دقيقة أسبوعياً لأسابيع معدودة مع معهد الفضاء المدني كفيلة لجعلي أدرك أن لمجتمعي حقٌ علي، وأن الديموقراطية ليست فقط بأن أكون فرداً مستقلاً بذاتي وما أحويه من أفكار، إنما أيضاً بمشاركتي المنتظمة في ما يحدث وما سيحدث لهذا المجتمع، مع الأخذ بزمام المبادرة للمشاركة الفعالة في المجتمع والرُقي به لإعمار الأرض ولتحقيق الخلافة فيها قال سبحانه وتعالى: {…إني جاعل في الأرض خليفة…}.
(شكراً معهد الفضاء المدني)
add تابِعني remove_red_eye 216
link https://ziid.net/?p=39396