كيف انتقلت الحضارة الإسلامية إلى أوربا
لا يخفى على أحد الدور الذي لعبته الحضارة الإسلامية في إخراج الأوربيين من ظلمات الجهل إلى نور الحضارة والمعرفة
add تابِعني remove_red_eye 20,948
لا يخفى على أحد أن العصور الوسطي في أوربا كانت عصور ظلام حالك، بينما كان العالم الإسلامي في ذلك يعيش أفضل فصول حياته العلمية، والفكرية، والثقافية، والاقتصادية، وقد انتقلت معالم هذه النهضة والحضارة الإسلامية إلى أوربا من خلال عدة معابر رئيسية تمثلت في:
1. الأندلس
في عهد الخلافة الأموية قام المسلمون بفتح الأندلس والتي كانت جزءًا من أوربا – البرتغال وإسبانيا حاليًا – بقيادة طارق بن زياد، واستمر الوجود الإسلامي في الأندلس لمدة ثمانية قرون منذ عام92هـ، وحتى عام 897هـ، وخلال هذه القرون الثمانية استقر المسلمون الذين جاءوا للفتح في الأندلس وتكاثرت أعدادهم، فقاموا بنقل ما تعلموه في بلادهم إلى الأندلس. فقاموا بإنشاء المدارس، والمكتبات، والجامعات؛ فكان مسجد قرطبة بمثابة جامعة ومركز علمي، انتقلت من خلاله العلوم والحضارة الإسلامية إلى أوربا، وكانت تعقد جلسات العلم، وكان يتخرج من مجالس العلم العديد من العلماء أمثال الزهراوي، الذي ظهر ونبغ في الأندلس، وكان من أشهر الأطباء والجراحين، كما كان عالمًا بالأدوية وتركيبها، ونشطت حركة الترجمة من العربية إلى الإسبانية.
لم يقتصر الأمر على العلم والعلوم فقط، بل ازدهرت العمارة في الأندلس فكان مسجد قرطبة والذي يعد أشهر وأكبر مسجد في الأندلس من أهم معالم قرطبة، وآثارها الباقية حتى اليوم، وتم البدء في بنائه في عهد عبد الرحمن الداخل، وأكمله من بعده ابنه هشام الأول. وبنيت القصور، وانتشرت الحدائق، فقام المسلمون في الأندلس بتخطيط الحدائق، واستقدموا أشجارًا وثمارًا جديدة لم تكن موجودة بالأندلس. واهتموا بالزراعة والصناعة، حتى أصبحت قرطبة عاصمة الأمويين في الأندلس تنافس مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، وكان الأوربيون يطلقون على قرطبة لقب جوهرة العالم.
2. صقلية
كما كانت الأندلس إحدى معابر الحضارة الإسلامية إلى أوربا، كانت صقلية كذلك، وكما فتح المسلمون الأندلس قاموا بفتح مدينة بالرمو عاصمة صقلية، وقد ظل الوجود الإسلامي في صقلية نحو 260 عامًا، انتقلت خلالها جلّ مظاهر الحضارة إلى الإسلامية إلى صقلية، فتقدمت كافة العلوم والفنون والصناعات والعمارة والهندسة في صقلية، وكان طلاب العالم يأتون إلى صقلية من كل أنحاء أوربا، وبذلك كانت صقلية مركزًا لنقل الحضارة الإسلامية لكافة أنحاء أوربا.
وحتى بعد انتهاء الوجود الإسلامي في صقلية لم ينتهِ الأثر الذي تركه المسلمون هناك، فنجد أن النورمانديون والذين حكموا صقلية بعد مغادرة المسلمين ظلوا متأثرين في ملبسهم ومأكلهم ومشربهم بالمسلمين، بل واحتفظوا بالنظم الإدارية التي أوجدها المسلمون في صقلية، كما أبقوا على بعض الموظفين من المسلمين في البلاط النورماندي، وكانوا يقربون العلماء المسلمين، فنجد أن الإمبراطور روجر الثاني أبقى على العالم الجغرافي محمد الإدريسي في قصره، وقد أمره برسم خريطة للعالم، كما أمره بتأليف كتاب يشرح هذه الخريطة.
والأكثر من ذلك أن بعد حكام النورمان قد اتخذوا لأنفسهم ألقابًا عربية، وهو ما دون على نقوشهم، فنجد روجر الثاني في بعض النقوش يحمل لقب “المعتز بالله”، ولم يكن روجر الثاني فقط هو الذي حمل ألقابًا عربية، بل هناك أيضًا وليام الأول الذي حمل لقب “الهادي بأمر الله” لذلك لا يستطيع أحد أن ينكر الدور الذي لعبته الحضارة الإسلامية في نفوس الأوربيين، وكيف تأثروا بشكل كبير بهذه الحضارة فنقلوا عنها كل كبيرة وصغيرة إلى أن ارتقوا ببلادهم ووصلوا لأعلى درجات الحضارة والتقدم.
3. الحملات الصليبية
الحملات الصليبية هي عبارة عن ثمانية حملات جاءت من أوربا إلى الشرق بهدف ديني ظاهري؛ وهو حماية بيت المقدس في فلسطين، ولكن الهدف الحقيقي لهذه الحملات كان الاستيلاء على خيرات الشرق، فقد كان رجال الدين يحمسون الفقراء في أوربا في ذلك الوقت على المشاركة في هذه الحملات للاستيلاء على خيرات الشرق، وعلى الرغم من أن قدوم هؤلاء إلى الشرق كان قدوم غزاة جاءوا من أجل الحرب، إلا أنهم تأثروا بشكل كبير بالحضارة الإسلامية، لا سيّما أن الحروب الصليبية استمرت قرابة قرنين من الزمان منذ عام490، وحتى عام690 هجريًّا، فكان هؤلاء الصليبيون عند عودتهم إلى بلادهم ينقلون معهم ما تعلموه من الحضارة الإسلامية إلى بلادهم التي كانت تعاني من التخلف والانحطاط في ذلك الوقت.
عودة الحملات الصليبية وبداية التغيير
وعندما عاد هؤلاء الصليبيون إلى بلادهم بعدما رأوا من مظاهر الحضارة عند المسلمين، انتفضوا من أجل إحداث الثورة والتغيير في بلادهم، ففي بداية الأمر حاولوا التخلص من نظام الأقطاع، والتخلص من تجبر وتسلط رجال الدين، وعملوا على إعادة تشكيل الثروات بشكل عادل بدلًا من احتكار بعض رجال الإقطاع والأمراء ورجال الدين لثروات البلاد.
وبعد تحقيق العدالة والتخلص من الفساد والظلم، توجهت الأنظار إلى الفنون والعلوم والآداب، ثم بعد ذلك بدأ الاهتمام بالصناعة والتجارة، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد فحسب بل تأثروا بالعمارة والهندسة التي كانت موجودة في بلاد الشرق فقاموا ببناء القلاع والحصون. لذلك نستطيع القول إن الحروب الصليبية كان لها دور كبير في تمدين الغرب
ويذكر المقريزي أن الإمبراطور فردريك الثاني عندما أراد مغادرة القدس عائدًا إلى بلاده مر على السلطان الأيوبي الملك الكامل، وعرض عليه بعض المسائل الرياضية والهندسية التي أشكلت عليه، فما كان من الملك الكامل إلا أن عرض هذه المسائل على أحد علماء دولته، ثم أرسل الجواب إلى فردريك الثاني، وهو ما يعكس تفوق ونبوغ علماء الهندسة عند المسلمين وهو ما يعلمه فردريك جيدًا، لذلك عرض المسائل على الملك الكامل وهو يعلم أن الجواب عنده لأن الكامل كان معروفًا بحبه للعلماء، ومجالسته الدائمة للعلماء وشملهم برعايته وعطاياه.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 20,948
كيف انتقلت حضارتنا إلى الغرب؟ هذا المقال يخبرك
link https://ziid.net/?p=91786