منذُ عقودٍ مضت أصبح التعليمُ من الملحاتِ التي اقتنعَ الإنسانُ بأهميتها وأساسيتها فلا غنى عنها، لقد أضحى التعليمُ أداة فخرٍ بين الشعوبِ فوصفُ “متعلم” مدعاةٌ للفرحِ والارتياحِ والسعادة بعكسِ “غير متعلم” الذي قد يجلبُ الخجل والانكسار. يمكننا وصف التعليمِ كسلمٍ تراكمي للمعرفة وبناء شاهق للثقافة، كلما صعدنا للأعلى زادتْ معرفتنا ونما بناؤنا الثقافي والتأمتْ شروخُ الجهل. ونستمرُّ في الارتفاعِ لننهلَ من معينٍ لا ينضب. معين العلم.
اختلاف التعليم باختلاف الأزمنة
لكلِّ زمنٍ طريقةٌ في التعليمِ، فزمنُ الكُتَّاب ليس كزمننا هذا. والمهارةُ التي يمتلكُها التلميذُ في الكُتَّاب هي مهارةُ الحفظِ واكتسابِ أكبرَ قدرٍ ممكن من المعلوماتِ. تغيرتْ العمليةُ التعليميةُ مع مرور الزمن حتى وصلت إلينا بطريقةٍ مختلفة. فقد كان التلاميذُ في السابقِ يعتمدون على حياتهم العمليةِ في اكتسابِ المهاراتِ وصقل الخبرات. بينما اليوم وفي بعض الدول تم إدخال جزئية المهارات ضمن المناهج.
ففي المنظومة التعليمية اليوم هناك علاقات مزدوجة تؤثر على المنظومة سلباً أو إيجابياً يتوقف ذلك على طريقة التعاطي مع تلك العلاقات. منها علاقة المناهج ببناء المهارات، ففي بعض المدارس تم تزويد المناهج بطرق تطوير الطالب وقدراته من خلال الدروس العملية المرافقة. أدى ذلك إلى رفع قدرة الطالب المعرفية، من خلالِ المنهجِ تتطورُ مهاراتُ الطالب وتُبنى حياته العملية فتُستغل المدارس في تطوير الطالب ورفع ثقته بنفسه.
العلاقات الإنسانية في المنظومة التعليمية
في ثنايا التعليمِ هناك علاقة أخرى تعتبر من العلاقات الحساسة بين أهمِّ عنصرين في المنظومةِ التعليمية هما المعلم والتلاميذ. علاقةٌ إنسانيةٌ تفسحُ المجال للمعلم أن يَسحر تلاميذه بكلماتِه فتؤثر فيهم تأثيراً عميقاً يمتد لأجيالٍ قادمة. يغذي هذه العلاقة الإحسان وحسن المعاملة. إن حافظَ المعلمُ على رقي تلك العلاقة فتأثيرُ التعليمِ على التلاميذِ سيكونُ سهلاً نافذاً للقلبِ وسيستطيع أن يبنيَ مهاراتهم.
قد لا ينتبه المعلمُ لتلك النقطةِ المهمةِ والأساسيةِ في العملية التعليمية، وهي أن علاقته الإيجابية بطلابه هي التي سوف تسهل عليه إيصال المعلومة وتحفز الطالب على الإبداع وبذل مزيدٍ من الجهد من أجل كسب المعلم والحفاظ على تلك العلاقة فالإنسان أسير الإحسان.
ما دور المعلم في بناء مهارات الطالب؟
دور المعلم هو أن يكون معلماً! إن بناء مهارات الطالب تتطلب معلماً قادراً على أن يقوم بهذه المهمة. معلم بكل المعاني الأصيلة المتعارف عليها، المعاني ذات القيم والمبادئ التي تبناها المعلم منذ القدم. منذ عهد الأنبياء الذين حملوا رسالة الهداية لكل الأمم.
إذا حار المعلم أي الصفات تناسبه كمربّي فليلزم صفات الأنبياء ويدرب نفسه عليها، يتطبع بصبرهم ورحمتهم وغزارة علمهم وصدقهم وقوة قلوبهم وتواضعهم وحسن أخلاقهم. ليست المناهج التعليمية وحدها التي تبني المهارات بل حسن التعامل مع الطالب وفهمه واختيار المناسب من الألفاظ، أزمة بناء المهارات في المدارس هي أزمة علاقة المعلم بطلابه قبل أن تكون تعليمية.
بعض المعلمين الأكارم بحار من العلم لكن ليس لديهم مهارة التعامل مع الطالب وكسبه فيشرح المعلم الدرس لنفسه لا للطلاب لأنه لم ينجح قي كسبهم والتودد لهم فأثر ذلك تأثيراً سلبياً على كفاءة التلقي. بناء مهارات الطلاب يلزم بناء علاقة ناجحة معهم تمنحهم الدفء والأمان وتطور لغة الحوار.
لماذا لا ينجح المعلمون؟
بعضُ المعلمين الذين تصدروا العملية التعليمية لم ينجحوا في مهمتِهم على الرغمِ من توفرِ كلِّ سبلِ العطاءِ حولهم وازدحامِ الإنترنت بالأفكارِ الإبداعيةِ والتطويريةِ وتنوعِ مراكز تدريب المعلمين إلا أنَّ المعلمَ مازال يراوح مكانه! ما السببُ يا ترى؟
قد يشترك المعلم في خمسِ دورات تربويةٍ وتعليميةٍ و يستمعُ لكلِّ ما ينفع مهمته العظيمة، لكن محصلة نجاحِه في وظيفته لا تكادُ تذكر، الافتقار إلى الصبرِ هو السبب، يضيعُ جهدُ المعلمِ في تطويرِ نفسه عند أولِ مشكلةٍ تواجهه إنْ فقد أعصابه. التحلي بالصبرِ والهدوءِ والثبات الانفعالي أثناء التعاملِ مع الطلابِ يعطي المعلم فرصة للتفكير خارج الصندوق لحل المشكلات التي تواجهه مع طلابه.
وبالتالي ينجحُ في الجانبِ التطبيقي كما نجحَ في الجانب التنظيري. لا يقلُّ الصبرُ أهميةً عن التعليم كلاهما ضروريان لسير العمليةِ لتعليميةِ بسلاسة ويسر.
عندما يفقدُ المعلمُ أعصابَه وتنتفخ أوداجه يفقدُ هيبتَه ووقاره واحترامَ الطلاب. تتعقدُ المشكلةُ أكثر وينغلق تفكيره عن إيجاد حلول؛ لذلك وعودة لما قال ﷺ معلم البشرية: (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ) رواه مسلم. وقال ﷺ: (إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ) رواه مسلم.. ولنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة.
لا يستهانُ بذلك السبب أبداً، لو عدنا قليلاً إلى الوراءِ لنتذكر أسبابَ المشكلاتِ التي فقدنا السيطرةَ على حلها لوجدنا أن السببَ الرئيسي انعدام الصبر والثبات أثناء المشكلة. جرب أن تراجعَ نفسك الآن لمعرفةِ سبب تفاقم أي مشكلة واجهتك أثناء التعليم ستجد أنك احتجت لشيءٍ من الصبرِ لحلها بحكمة.
أهمية المهارات لدى الطلاب
لا يكفي أن يكونَ الطالبُ ماهراً في مجالِ الدراسةِ فقط، بل لا بد من مهارات الحياة الاجتماعية التي تصنع منه رجلاً قادراً على تحمل المسؤولية وتصنع من الفتاةِ سيدةً في المجتمع لها أهدافها وطموحاتها ومستعدة لحياةٍ زوجية ناجحة.
إن بناءَ المهارات مسؤولية المربين والمعلمين والآباء والأمهات لتأهيل الطلاب لأن يكونوا صناعَ قرار. ولا يتأتّى ذلك إلا بمعلمٍ واعٍ وذكي لديه خطط في تعديل السلوك وبناء المهارات. لايكفي أن يوصل المعلم المعلومة ،فالتعليم أبعد من هذا بكثير. بناء الإنسان المفكر الناضج القادر على حل مشكلاته هو الأساس. ولا بد من تعاضد الجهود للوصول بالمنظومة التعليمية لمستوى بناء المهارات.
مقال يتناول فكرة تنمية العقول والمهارات وكيف يمكن تطبيقها وتعميمها لعملية تعليمية أنجح وأفضل
link https://ziid.net/?p=40592