إليزابيث هولمز .. الملياردير الأصغر بالعالم أم المحتالة الأصغر بالعالم؟
كيف استطاعت فتاة يافعة بالتحايل وخداع أباطرة المال والأعمال والمجتمع العلمي بأمريكا على مدى (١١) عاما؟ تلك هي إليزابيث هولمز
add تابِعني remove_red_eye 923
قبل أن ابدأ بالحديث عن سرد القصة التي تبدو وحيًا من الخيال الريادي، دعني أسألك سؤالاً يحتاج لتفكير بسيط:
هل الخروج من الجامعة يقودنا إلى إنشاء شركات عظمى تغير وجه الكون؟
أنا شخصيًّا لا أقتنع بهذا، فما فعله كل من: بيل جيتس، مارك زوكربيرج أو ستيف جوبز، ليس إلا عملاً استثنائيًّا لأشخاص أسطوريين ونادرين غيروا وجه الكون كاملًا، لذلك فإن هؤلاء الثلاثة وغيرهم ليسوا مثالًا مقنعًا كي يردده الناس بكل مكان.
فهناك الكثير والكثير من الطلاب الذين خرجوا من جامعاتهم لبناء شركات ولكنهم فشلوا وانتهوا ولم نعرف عنهم شيئا، بالمقابل أنا أيضًا لست مع فكرة: لكي تكون ناجحًا لا بد من التخرج من جامعة.
نعود مجددًا إلى فتاة حديثنا وحديث العالم، إنها الفتاة اليافعة الجميلة أيضًا “إليزابيث هولمز” (Elizabeth Holmes) التي تركت دراسة الهندسة الكيميائية بجامعة ستانفورد وعمرها (١٩) عاما لتبدأ بعد ذلك قصة الانطلاقة، سأستعرض قصتها على مرحلتين مستشهدًا بأهم التواريخ والأحداث.
مرحلة الصعود
بعد أن غادرت الجامعة قررت إليزابيث في تلك الفترة البحث عن فحوصات الدم التي تستغني عن وخز الإبر وأخذ عينة دم وتحليلها للتعرف على كل الأمراض من دون الحاجة لشفط الكثير من الدم. وبعام (2003م) ادعت أنها اخترعت تقنية بديلة وجهاز يمكن أن يلغي وظيفة الطبيب كليًّا عن طريق وخز الإصبع وأخذ قطرة دم يمكن تحليلها لعدة أمراض، نشرت فكرتها على الإنترنت بمجلة أسمتها (الخوف من الإبر) لتحصل بعدها على استثمار (٣) ملايين دولار لتنفيذ الفكرة ولتؤسس بذلك شركة أسمتها (Theranos) في عام (2004م).
ولنجاح الفكرة إداريًّا وجلب استثمارات أكثر للصعود والنهوض بالشركة فقد أدخلت هولمز للشركة رجلًا اقتصاديًّا معروفًا من الطراز الأول وهو “جورج شالتز-George Charles” كرجل أعمال لإدارة الشركة والدخول في صفقات مع شركات أخرى والمختبرات والمستشفيات الأمريكية، إضافة إلى أنها استعانت بنفس فريق التسويق الذي وظفته (Apple) عند بداية انطلاقتها بقيادة “آفي تيفانيان” يومًا بعد يوم حتى وصلت الشركة للمليارات وتم نقلها لوادي الإمبراطوريات العالمية وادي السيليكون فالي (Silicon Valley) لتصبح إليزابيث حديث الإعلام الأمريكي وظهرت على أغلفة أرقى المجلات العالمية مثل فوربس (Forbes) ليطلق عليها بالإعلام “ستيف جوبز القادم”.
الآن ماذا تبقى؟
ماذا تتوقع؟ فبعد أن تكون حديث الإعلام، ومقّر شركتك السيليكون فالي، ولديك خبير اقتصادي وإداري يملك خبرة وعلاقات قوية وفريق تسويقي محترف ويطلق عليك لقب لستيف جوبز القادم، فحتمًا كل هذه العوامل ساعدت بقوة على جلب الكثير من ريادي الأعمال وعمالقة المال والسياسيين بالاستثمار غير العقلاني في الشركة لتصل قيمة الشركة في عام (2014م) إلى (9) مليار دولار، لتصبح بذلك “إليزابيث هولمز” أصغر مليارديرة عصامية بالعالم، ولكن هل وإلى متى سيستمر هذا النجاح الغامض؟
الانهيار والسقوط المتسارع
بمنتصف العام (2015م) صحفي بـ”وول ستريت” يدعى “جون كاريرو” جاء ليكون سببًا رئيسًا لسقوط شركة “ثيرانوس” فقط بطرح سؤال واحد بسيط جدًّا، وقد يبدو لي أنك تسأل نفس السؤال بذهنك الآن (إذا لم يخطر السؤال ببالك، فأنت بحاجة لتنمية مهارة التفكير النقدي Critical Thinking) وهو عن ما مدى جدوى صحة فاعلية جهاز اليزابيث علميًّا؟ بعد البحث وطرح التساؤلات لأطباء مختصيين اكتشف جون كاريرو بأن صناعة جهاز كهذا بالوسط الطبي يحتاج لسنوات كثيرة جدًّا وعشرات الدراسات والتقارير العلمية العميقة والموثقة في مجلات علمية رفيعة الشأن وليس لأشهرٍ، كشأن بناء كود بروجرامي للعبة.
ثقافة السليكون فالي قد خلقت وساعدت لشخص مثل هولمز بالنهوض والازدهار. جون كاريرو .. استمر جون كاريرو بكتابة التقارير ضد شركة ثيرانوس، مما أغضب إليزابيث لتخصص بذلك (٣) من أفضل المحامين بشركتها ليتولوا مهمة الرد، ولكن جون كاريرو كان صارمًا بتقاريره المستمرة الذي أدى -مؤخرا- لتدخل الحكومة الأمريكية لتحذر الحكومة الشركة بعدم جودة منتجاتها، فبدأت إليزابيث تظهر بالإعلام والمقابلات للدفاع والرد على التساؤلات ولكن للأسف هذه المرة لم تكن بالثقة التي يمتلكها المحتالون دائمًا فكانت ترد على الأسئلة بأساليب متناقضة.
بعام (2018م) حكم على اليزابيث بالتحايل لتواجه بذلك السجن لمدة (٢٠) سنة بسبب تهديد صحة آلاف البشر عبر أجهزة فاسدة، وبدأت شركتها تخسر الملايين والمليارات يومًا بعد يوم إلى أن أغلقت الشركة العملاقة بالكامل لتصبح هباءً منثورًا و شئيًا من الماضي، لم يملّ ولم يكلّ الصحفي كاريرو في تحقيقاته حول القضية فقد استمر بالبحث حتى نشر كتابا أسماه (Bad Blood) وتم فحص بعض المرضى الذين تم خداعهم بأكثر من مليون فحص. وبدلاً من الاستمرار بلقب أصغر عصامية مليارديرة بالعالم، أطلق عليها أصغر محتالة بالعالم.
نستفيد من هذه القصة!
- التحايل العلمي أخطر من التحايل المالي (أحيانًا عندما تذكر كلمة “علمي” يُترجم لبعضنا بأن الشيء حتمي وأكيد من دون طرح الأسئلة عن صحة ذلك الشيء).
- المقالات الصحفية ليست كالمقالات والدراسات العلمية، فليس كل ما ينشر بالصحف علمي.
- بمجال الأعمال هنالك مصطلح شائع اسمه (اكذب حتى تعملها) لذلك نحتاج الكثير من التفكير والتدقيق.
- ليس كل ما ينشر بوسائل التواصل والإعلام صحيح ولا يجب أن نسلّم عقولنا بالكامل له.
- أخيرًا وليس آخرًا، لا تجعل الحسناء تعمي بصيرتك من التفكير وطرح التساؤلات خاصةً عند الاستثمار.
كل من يقرأ هذه القصة الدرامية بوجهة نظر مختلفة يستفيد منها بشكل مختلف، ففكر قليلًا عن ماذا استفدت أنت شخصيًّا من هذه القصة؟
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 923
مقال ملهم حول إليزابيث هولمز وقصة نجاحها العجيبة
link https://ziid.net/?p=49573