البحث النوعي: ما هو؟ ولماذا لا يهتم الباحثون وطلاب الدراسات العليا في العالم العربي به؟ [دراسة حالة]
العلوم الإنسانية ودراستها تعد عملية معقدة ومتشابكة لأن كل إنسان يختلف في تصوراته وأفكاره ولذلك نجد الحقيقة هي متعددة وليست ثابته
add تابِعني remove_red_eye 1,941
إن البحث النوعي يمثل حلقة مفقودة في ممارسة الكثير من الباحثين العرب في المجالات التربوية والاجتماعية والصحية والإعلامية، مما سبب أزمة وهي تكميم الظواهر واختزال البيانات في رموز وأرقام وجداول وأشكال.
وبعد تسارع وتيرة الحياة لم يعد النشاط الإنساني الذي يتسم بالتعقيد مَدينا للأرقام والإحصائيات؛ فمن خلال البحث النوعي يمكننا معرفة التفاصيل الموسعة للمعتقدات والآراء والدوافع والسياقات الخاصة بالقضايا البحثية [وإن كنا لا ننكر أنه يواجه نقصًا لدى العديد من الباحثين وطلبة الدراسات العليا في عالمنا العربي] (الثوابية،2019).
3 مهارات مطلوبة لتشارك في صناعة المستقبل
ما أسباب ذلك الغياب وهل الباحث محصور في توجه معين للبحوث؟
رغم أن طلاب الدراسات العليا والباحثين قد اعتادوا على دراسة منهج معين دون الآخر، إلا أن هذا لا يمنعهم من الخوض والاتجاه نحو مناهج بحث أخرى: لإن الإبداع والابتكار يبدأ من أول مرحلة للباحث، حتى وان واجهته الكثير من المصاعب سواء في ترجمة البحوث النوعية وقراءة الكتب الأساسية في مناهج البحث العلمي.
لا ينبغي أن يُحصَر الباحث في توجّه سائد ومنتشر، وكل ذلك يبدأ عند معرفة الباحث للمنطلقات الفلسفية (المدخل التفسيري والمدخل الوضعي) والعلوم الإنسانية وإن اتبعت إجراء البحث الكمّي الصارم لا بد أن يتأثر الباحث.
فالتعميم الإحصائي وإن استخدم في المنهج الكمّي لا يخفى حقيقة أن الإنسان (متقلب) تحركه الآراء والأفكار والدوافع لذلك الاعتراف بتنوع الحقيقة وعدم ثباتها لا يعدّ عيبًا في البحث النوعي بل هي ميزة يختص بها الإنسان تختلف تمامًا عنها في العلوم الطبيعية.
فلسفة البحث النوعي
وهي الفلسفة التفسيرية: يسعى الأفراد من خلالها إلى فهم العالم الذي يعيشون ويعملون فيه حيث تكون لهم معانٍ خاصة بتجاربهم وهذه المعاني متعددة ومتباينة وهي تتشكل من خلال التفاعل مع الآخرين اجتماعيا واعتمادا على المعايير التاريخية والثقافية التي تسيّر حياتهم (كريسويل،2018/2019).
من خلال المنطلق التفسيري للفلسفة في البحث النوعي يتبين أن المدخل التفسيري يهتم بالسياق الطبيعي والعمليات والتفاعلات لدى الأفراد، وذلك من خلال معرفة الواقع بناءً على تفسيرات الأشخاص ووجهات نظرهم (عبر التواصل والتفاعل مع العينة المشاركة في البحث).
فالباحث النوعي لا بد أن يكون لديه معرفة بالفلسفة التي ينطلق منها البحث، وكيف تختلف عن المنهج الكمي الذي يتبع المدخل الوضعي الذي يُنظر من خلاله أن الحقيقة ثابتة غير متعددة، وذلك يختلف عنه في البحث النوعي، وهنا تكمن قضية التعميم والخلاف في مناهج البحث العلمي.
أشهر محركات البحث الأكاديمي في قائمة واحدة [محدثة]
كيف يمكن التحقق من مصداقية البحوث النوعية؟
إن الباحث النوعي عند إجرائه بحثًا نوعيًّا لا بد أن يكون لديه إجابات على عدة تساؤلات وهي: كيف تحقق الموضوعية في البحث النوعي؟ وما درجة مصداقية البحث النوعي؟
معايير تقييم البحوث النوعية
- المصداقية مقابل مفهوم الصدق، والاعتمادية مقابل مفهوم الثبات، وقابلية النقل مقابل مفهوم التعميم.
- المصداقية تكون من خلال الاتساق بين آراء المشاركين وتفسير الباحث لها، حيث يفسر الباحث خبراته وتشاوره مع المشاركين في الدراسة والسماح لهم بقراءة ومناقشة النتائج التي توصل لها الباحث حول أفكارهم، وأيضا من خلال المشاركة الطويلة والملاحظة المستمرة في ميدان البحث.
- الاعتمادية وهي أن يعطي الباحث للقارئ معلومات كافية ومفصلة للتأكد من اعتماد الدراسة، وذلك من خلال قابلية التدقيق من قِبَل باحث آخر يمكن من خلال الوصول إلى نفس الاستنتاج حيث يمكن مقارنتها مع بعضها.
- قابلية النقل (الملائمة) وذلك إذا أمكن تطبيق النتائج خارج سياق حالة الدراسة، حيث يمكن أن تتلاءم النتائج عند نقلها لسياقات أخرى، وكذلك يمكن تحقيق الملائمة عندما تكون النتائج ذات معنى للأفراد غير المشاركين في الدراسة البحثية (صوان،2019، ص.373).
[كيف تصبح معلمًا مؤثرًا وتطور من التعليم]
ما هي إستراتيجيات الصدق في البحوث النوعية؟
- تعزيز الأدلة باستخدام تثليث البيانات من مصادر متعددة.
- توضيح تحيّز الباحث وانعكاسيته.
- توضيح عدسة المشاركين حيث يسعى الباحث للحصول على آراء المشاركين حول مصداقية النتائج والتفاسير.
- المشاركة المطولة والملاحظة المستمرة في الميدان.
- التعاون مع المشاركين.
إجراءات الاعتمادية في البحث النوعي
يمكن معالجة ذلك بعدة طرق وهي:
- حصول الباحث على ملاحظات ميدانية مفصلة
- استخدام أجهزة تسجيل ذات نوعية جيدة
- نسخ الملفات الرقمية
- إجراء الترميز، حيث يركز على اتفاقية الترميز الداخلي وتقييم ثباتها عبر المُرمِّزين في عملية التحليل (كريسويل،2019/2018).
الطريقة السهلة الذكيّة لكتابة المقالات العلميّة
إستراتيجيات تعزيز الصدق في البحث النوعي
- العمل الميداني وطول الفترة الزمنية لعملية جمع البيانات والتطابق بين النتائج التي توصل إليها الباحث مع رؤية المشاركين.
- التفسيرات اللغوية للمشاركين واستخدام نفس التعابير والمواقف والأحداث التي يتكلمون عنها.
- الوصف الدقيق في الملاحظات الميدانية والمقابلات التي يستخدمها المشاركون التي تحمل أكثر من معنى.تسجيل البيانات بطريقة آلية مثل وسائط التسجيل المسموع والمرئي لتفسير البيانات .
- الفحص والتدقيق مع المشاركين وذلك من خلال التأكد من الملاحظات والمعاني لدى المشاركين أثناء المقابلات والملاحظة (قنديلجي،والسامرائي،2009).
خلاصة القول
البحث العلمي هو ما يقود الأمم إلى التقدم والتطور وعلينا كباحثين الاهتمام بكل ما هو جديد في البحث لخدمة مجتمعنا والسير به إلى مصافّ الدول المتقدمة لأنه كلما تتقدم بحوثنا نضمن الازدهار والتطوير.
إضاءات باحثة
إن ما جعلني أهتم بالبحث النوعي والاتجاه نحو دراسته هو السعي للوصول إلى حقيقة المعرفة المتنوعة، وكذلك نظرتي كباحثة واطلاعي على فلسفة البحوث العلمية جعلتني أفكر: لماذا لا نهتم بهذه البحوث؟ وهل علينا أن نسير كما الآخرين وننهج نفس الطريق الذي يسير فيه الجميع.
لا تجعل من صعوبات الحصول على دراسات أجنبية وكتب غير مترجمة مانعًا لك أن تقوم بإجراء بحث نوعي، ولقد تعلمت أن الإبداع والتطور ليس محصورًا على فئة معينة دون الأخرى، بل الجميع يملك المهارات ولديه القدرة على الإنجاز والنجاح
وتعلمت أيضًا أن المهارات في البحث العلمي تبدأ وقتما يقرر الباحث امتلاكها للوصول إلى قمة الهرم.
أنت من يقرر هل ستنجح أم لا! وإياك النظر إلى الخلف وإلى من يقول: إنك لن تستطيع إجراء بحث نوعي، وهل الوقوع في الخطأ محصور في المنهج الكمي دون النوعي؟ جميعهم باحثون مبتدئون في البحث والإنسان لا يُعصم من خطأ ولو حاول ذلك.
add تابِعني remove_red_eye 1,941
مقال مثير حول أوضاع البحث العلمي في الوقت الحالي
link https://ziid.net/?p=47289