[سلسلة] من تجربتي الذاتية: كيف تتجاوز الصدمات العاطفية والعلاقات الفاشلة
كل شيء نختبره في الحياة عبارة عن قدر؛ فإذا آمنت بالقدر خيره وشره سيرتاح قلبك وستهدأ روحك
add تابِعني remove_red_eye 29,637
قبل أن أبدأ دعوني أقص عليكم قصة والداي -شفاهما الله وأطال في عمرهما- منذ (40) عامًا تقريبًا أو أكثر.
تعرف أبي علي والدتي قدرًا؛ فالشركة التي كان يعمل بها كانت نافذتها تطل علي منزل والدتي، أحبها وتقدم لخطبتها؛ لكن صديقه في الشركة تقدم في نفس الوقت لخطبتها ولأن هذا الصديق شعر أن جدتي تميل لأبي وتحترمه قام هذا الصديق بخدعة، حيث قال-كذبًا- أن أبي غير مسجل ضمن موظفي الشركة ومستقبله غير مضمون (مع العلم أن أبي وقتها كان من الموظفين الرسميين في الشركة، وأكثرهم نشاطًا وتأثيرًا في سير العمل)؛ لكن والدتي استاءت من الموقف برمته وقالت لجدتي: الاثنان مرفوضان.
ولم تفلح محاولات جدتي في إقناعها، وبعد ذلك ذهب كلٌّ منهما في طريقه، فخُطبت والدتي لشخص آخر وعقد أبي قرانه على أخرى؛ لكنه انفصل عنها قبل الزفاف. وفي المقابل فسخت والدتي خطبتها بسبب معارضة جدتي سفر أمي خارج مصر بعد الزواج.
وبعد 6 سنوات من انفصالهما لأول مرة عاد أبي مجددًا وخطب أمي وتزوجا خلال (6) شهور فقط.
قصة أبي وأمي جعلتني أثق يقينًا -قبل أن أتعرف على مصطلح القدر- أن كل شيء مكتوب في صُحفنا، ومهما حاول البشر بشتى الطرق أن يغيروا مصائرهم لا يستطيعون تغيير أقدارهم إلا في حالة واحدة فقط وهي الدعاء المستمر؛ لكن بيت القصيد هو أن يقتنع البشر أن الحزن لا يجدي نفعًا، فربما ما يحدث لنا هو أفضل بكثير مما نريده.
وكما قال رب العزة في سورة البقرة
(عَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُواْ شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيْـًٔا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
كيف تجاوزت صدماتي العاطفية ونسيت علاقاتي الفاشلة
طبعًا أغلبكم يظن أني شخصية كثيرة العلاقات بما أني قررت أن أتحدث معكم اليوم عن تخطي الأزمات العاطفية!
لكن الحقيقة خلاف ذلك تمامًا لأني كنت ولازلت لا أؤمن بالحب بدون إطار شرعي، بالنسبة لي الزواج هو الخطوة الأولي للحب الأبدي، ربما سبب ذلك هو رغبتي في حماية حالتي النفسية من توابع العلاقات الفاشلة.
لكن البشر يخططون والقدر يضحك؛ فعلى الرغم من كل ما سبق إلا أني أحببت شخصًا بشدة لدرجة أني بكيت لأجله وشكوت ألمي وحزني لأمي، كان ذلك في سنوات جامعتي، ربما أحببته لأنه كان يحمل ملامح وروحًا من سيف (حبيب طفولتي الذي حدثتكم عنه من قبل في مقالة كيف تسيطر على حياتك بعد أن تفسد التحديات خططك).
كان وجوده أونلاين علي صفحته بالفيسبوك كفيل بزيادة نبضات قلبي، كنت أحبه بشدة لدرجة أن الأيام التي ذهب فيها للجيش مرت علي و كأنها الدهر.
الآن هل تودّون معرفة كيف تجاوزت حبي له؟
انتهى حبي له لأن الله أنقذني ووجهني للطريق الصحيح، ففي أحد الأيام ذهبت لأمسية أدبية لأحد الكُتاب الناشئين، وبالصدفة أخذت كتابًا لهذا الكاتب، وأثناء قراءتي لأحداث الكتاب اكتشفت أن البطل والكتاب نفسه يذكرونني بهذا الشخص، وكانت تلك هي الإشارة التي أرسلها إلي القدر، فقررت أن أعطيه هذا الكتاب لإنهاء حبي له، وكانت تلك هي المرة الأولي والأخيرة التي فرطت فيها بكتاب من كتبي؛ فأنا من تلك الشخصيات العجيبة التي قد تتبرع بأي شيء إلا كتبها وأدواتها المكتبية.
لم يكن الكتاب وحده هو من أنساني حبه لكني وضعت نفسي في أجواء مختلفة تمامًا عن الماضي، وتلك هي النصائح التي سأحدثكم عنها لتجاوز أي علاقة فاشلة أو أي أزمة عاطفية.
1- لا تجبر نفسك على النسيان
سبب تعلقي بعلم النفس هو شغفي بسيكولوجية البشر وطرق تفكيرهم، وبعد تعمقي في دراسة حالات التعلق الشديد اكتشفت أن الذكريات هي الشيء الوحيد الذي يحول دون نسيان الماضي، وبسبب ذلك مع الأسف أغلب العلاقات لا يمكن تجاوزها بسبب التفكير في ذكرياتنا بشكل مستمر، هنا كلما أردا البشر نسيان الماضي لا يجدون أمامهم سوى استحضار كل المواقف التي جمعتهم بهذا الشخص؛ لذا أول نصيحة لتجاوز أي صدمة عاطفية هي أن تترك حياتك تسير بشكل طبيعي ولا تعطي برمجة النسيان لعقلك؛ لأن الزمن وحده كفيل بتولي عملية النسيان.
2- المواجهة
في علم النفس هناك مرض يدعي “اضطراب ما بعد الصدمة“، في تلك الحالات يشعر المرضى بنفس مشاعر الصدمة كلما رأوا أي شيء يذكرهم بتلك الأزمة، وهنا بالضبط ما يحدث بعد نهاية أي علاقة عاطفية: أن تشعر بالضيق والحزن كلما مررت بمكان كان يجمعكم سويًّا أو مشاهدة فيلم رأيتموه معًا، في تلك الحالة لا تهرب من المكان ولا تغلق الفيلم؛ لكن عليك مواجهة الموقف فمثلًا: اذهب مع أصدقائك المقربين لهذا المكان، وشاهد هذا الفيلم مع أخواتك كي تبدل ذكرياتك القديمة بالجديدة.
3- إياك أن تدخل في علاقة جديدة
هناك خطأ بشع يقع فيه البشر، وهو أن يجبروا أنفسهم علي البدء في علاقة جديدة بهدف النسيان أو بهدف إرسال رسالة للطرف الآخر: “أنا على ما يرام وغيابك لم يغير شيئًا”.
لكن تلك الطريقة هي أكبر غلطة قد ترتكبها في حق نفسك وفي حق الشخص الجديد الذي أدخلته في حياتك بحجة أنك تريد فتح صفحة جديدة معه؛ لأنك ببساطة ستقارن علاقتك معه بعلاقتك القديمة.
من وجهة نظري ما بني على باطل فهو باطل؛ فلا تتوقع أبدًا أنك ستحب هذا الشخص وتخلص له؛ لأنك مستهلك عاطفيًّا بالفعل، وخروجك من تجربة فاشلة تسبب في بعض التشوهات النفسية والعاطفية لدرجة أن كل محاولاتك في جمع شتات علاقتك الجديدة هو عبارة عن عبث؛ فلا تخدع نفسك وتظن أن العلاقات الجديدة ستُنسيك وتخفف من آلامك السابقة؛ لكن عوضًا عن كل هذا عليك أن تتابع حياتك بطريقة صحيحة، فلا تتسرع في اتخاذ القرارات حتى لا تندم لاحقًا، ولا تبدأ علاقة جديدة حتى تتأكد تمامًا من أنك عالجت نفسك جيدًا من جروح الماضي.
4- ابدأ باستكشاف طرق جديدة للسعادة
إليك مبدأ أسير عليه دائما وهو “الحزن لا يدوم طويلًا، كذلك السعادة؛ لذا لا تنتظر أن يأتيك الحزن وابدأ في خلق مخزون من السعادة يكفيك مدى الحياة”.
البشر بصفة عامة يتخطون الماضي إما بعد سعادة غامرة أو حزن شديد، عن نفسي بعد خروجي من أي أزمة نفسية أو عاطفية ألجأ دائمًا للكتابة، أو التجول في المكتبات أو حتى الذهاب لمحل العصير/ لمشاهدة الألعاب النارية/ أو بالتجول ضمن أستوديو تصوير الأفراح أثناء شرب الكيوي بالأفوكادو.
ابحث عزيزي القارئ عن أشياء جديدة تجلب لك السعادة لكسر لعنة الحزن.
5- اذهب لزيارة المرضى في المستشفيات
قد تجدون تلك الطريقة غريبة جدًّا، لكن ما خفف عني الألم النفسي هو رؤيتي لآلام الآخرين؛ فكلما ذهبت للمستشفى لعمل الفحوصات وخلافه كلما اكتشفت أن العلاقات الفاشلة ما هي إلا ابتلاء بسيط مقابل ابتلاء المرض (عافانا الله وإياكم جميعًا).
مع الوقت اقتنعت أن الحياة لا تتوقف على أحد، ولا تنتهي بقصة حب فاشلة أو علاقة غير موفقة، بالنسبة لي رؤية معاناة الناس كانت أشد وطأة من مشاعر الحزن التي تملكتني بعد علاقتي الفاشلة، ومنذ ذلك الحين وأنا مؤمنة بأن الحياة لا تستحق أن نمضيها في الحزن والبكاء على الأطلال، وقتها علمت أن السعادة موجودة في الهواء الذي نتنفسه، نحن فقط بحاجة لاتخاذ قرار فوري بتجاوز الماضي بكل أحزانه ومآسيه.
في الختام
أود أن أخبركم باقتباس دائمًا ما أردده لأصدقائي، وهو
“الحياة عبارة عن فصول في كتاب، بعضها يحمل في طياته السعادة والبعض الآخر لا يوجد فيه سوي الحزن والألم؛ لكن إذا لم تقلب الصفحة لن تستطيع أبدًا أن تري ماذا يخبئه لك الفصل الجديد”
هذا هو ما أقوله لنفسي دائمًا أن الفصول السعيدة في حياتي لم تأت بعد؛ ولهذا السبب أفتح كل يوم صفحة جديدة مع الحياة، وأنا على يقين أن الغد سيأتي ومعه السعادة والربيع.
ماذا كتب مبدعونا عن الصدمات النفسية؟
add تابِعني remove_red_eye 29,637
link https://ziid.net/?p=70854