يزيدون: طارق وشغف الكتابة الذي لا يذبل
كان هذا اللقاء لنتعرّف على كتّاب زد بشكلٍ أقرب حتى تتقلّص المسافة التي تفصل بين الكاتب والقارئ: م.طارق الموصللي.
add تابِعني remove_red_eye 414,635
وراء كل نجاح جهودٌ تُبذل، ووراء نهوض موقع زد كُتّاب ساهموا بشكلٍ فاعل في إثراء المحتوى العربي وتنوّعه وزيادة انتشاره بين القرّاء العرب، لكل مقال كان هناك أثرًا يتناقله الكثير ليظهر لاحقًا في تجاربهم ومناحي حياتهم. من هنا أنشأنا سلسلة يزيدون التي نُجري فيها عددًا من اللقاءات مع كتّاب زد ممّن جادت أقلامهم بكل مفيد وأثرَت موقع زد بكل جديدٍ ومختلف، هنا نتعرّف عليهم لنكتشف ذواتهم المختبئة خلف ما يكتبون.
من سوريا موطن الجمال، نتعرف على م.طارق الموصللي: الصديق صاحب الحلم الذي لا يموت، يهوى الكتابة وكانت نجاته من قيود العمل والالتزام الذي تفرضه عليك الوظيفة، كاتب مستقل يسعى لأن يكون كاتبًا روائيًا ذو كلماتٍ رنّانة وغايةٍ نبيلة، كتب روايته “سياحة إجبارية” لتكون أولى أعماله في عالم الكتابة الأدبية. يكتب من خلال الترجمة ويُنقّب عن المعرفة خلف اللغات والثقافات المختلفة، فكان له كلمة في مجال الأعمال، للموظّف والمدير، ولصاحب العمل المستقل وصاحب البدايات الجديدة وللمشاريع نصيبٌ أيضًا، وبالتأكيد لهواة الكتابة وعشّاقها النصيب الأكبر، وكان له حضور في تطوير الذات والتقنية.
كان هذا اللقاء لنتعرّف عليه من قربٍ أكثر..
أهلًا بطارق، المترجم الفذّ الذي يجوب العالم ليصطاد لنا المعرفة من شتى البحور، ممتنّين لكل كلمة أثرَيت بها قرّاء زد، حدّثنا عن حلمك يا طارق؟ حلم الكتابة.
أرجو أن تسمح لي أولًا أن أُشيد بجهود منصتكم الرائعة “زِد” في إثراء المحتوى العربي. وأن أعبّر عن شكري الخالص لدعوتكم الرقيقة لإجراء هذا اللقاء، والذي أتمنى أن يكون خفيفًا على قلوب القراء الكرام.
يروق لي هنا أن أقتبس عن الكاتبة العظيمة تيري ماكميلان قولها: “أنا لم أختر الكتابة.. بل هي التي اختارتني”، فعلى سبيل المثال، لا أذكر انغماسي بنشاطٍ كالكتابة، بدءًا من تلخيص قصص الصحابة الكرام -في طفولتي- لأقرأها في الفصل الدراسي، مرورًا بتأليف سلسلة قصصية حملت اسم (مؤمن والعالم) عن مراهقٍ مثالي تمامًا، وليس انتهاءً بنشري لرواية “سياحة إجبارية” التي حاولت من خلالها نقل تجربتي كمهاجرٍ أثناء الحرب في بلدي الحبيبة سوريا.
لهذا، فالكتابة بالنسبة ليّ ليست حلمًا بقدر ما هي (رسالة) أرغب بتأديتها.
أصدرت روايتك الأولى “سياحة إجبارية” حتمًا لدينا الفضول لتُطلعنا على تفاصيل بنائها وإنتاجها، من الفكرة إلى الكلمة، كيف أصدرت كتابك؟ وكيف كانت التجربة؟
*يضحك* صدّق أو لا تُصدق، الرواية لم تصدر بعد! على الأقل كروايةٍ مطبوعة، بل يمكننا القول أن صدورها يُعتبر بمثابة تحقق أعظم أحلامي.
بدأت فكرة الرواية كعلاجٍ للاكتئاب الذي رافقني مذ غادرت بلدي، كنت على أعتاب التخرّج من الجامعة وبدء حياتي العملية حين صُدمت بقراري والدي: “علينا مغادرة البلاد خلال أسبوع” وهو ما كان فعلًا!
أذكر حينها أنني قضيت أيامي الأولى ما بين ارتشافٍ للذكريات ومقارعةٍ لغمامة الدموع التي سكنت عينيّ. وبقيت قرابة 6 أشهر لا أغادر غرفتي إلا لمامًا، إلى أن شعرت أنني بذلك أتخلى عن سنوات عمري طواعية. حينها قررت توسّد حُضن الورقة والقلم، ورواية ما يحدث معيّ -بعد خلطه ببعض الخيال- ضمن رواية، آملًا أن تكون نبراسًا لمن يمرّون بمثل ما مررت به.
وعلى مدار السنوات الخمس -مدّة كتابة الرواية- سوّدت الكثير من الأوراق، إلى أن جاءت الفرصة المواتية، ذلك أن موقع رقيم أطلق مسابقة لكتابة الرواية (يُفترض أن تنتهي مع نهاية شهر سبتمبر/أيلول للعام الجاري)، جاعلًا من نشر الروايات الثلاث الأفضل جائزةً لأصحابها. وهو ما شجعني لتجميع أوراقي المبعثرة، وتدقيق كلماتي العفوية، ثم نشر الأخيرة ضمن سلسلة على الموقع المذكور.
تكتب في ملفك الشخصي “أعمل على تغيير العالم للأفضل” من خلال ماذا تغيّر العالم؟
سؤال ممتاز حقًا.
في الواقع، أظن أن أعظم أسباب تخلفنا عن ركب الحضارة هو (النظرة السلبية للعالم)، والتي تتمثل في إحجام شبابنا العربي عن محاولة خوض أي تجارب جديدة تحت ذريعة (لا فائدة من أي شيءٍ نفعله)، مستكينين إلى الخمول والكسل وإضاعة الوقت، وهو ما أراه أشبه بـ”انتحار بطيء”.
كنت أحد هؤلاء، فأمضيت أكثر من 15 عامًا دون أن أحقق شيئًا (رقم كبير، أليس كذلك؟) ثم كان لا بدّ من وقفة.
وهكذا، انغمست في قراءة كتب تطوير الذات والتنمية البشرية المُترجمة، لأنتقل بعدها إلى المقالات المكتوبة باللغة الإنجليزية وبلوحات مفاتيح أشخاص مرّوا بمثل المشاعر التي مررت بها، ثم نهضوا من سُباتهم.
وكنوعٍ من ردّ الجميل، قررت أن أنشر تجاربهم (بعد ردم الفروق الحضارية والثقافية طبعًا) لتستمر مسيرة إنقاذ ما تبقى من أعمار شبابنا العربي، وهكذا يتغيّر العالم للأفضل :)
ما سبب اختيارك لمواضيع دون الأخرى في الترجمة؟
أظن أن للشغف كلمته الأخيرة هنا، حيث أجد نفسي دائمًا مدفوعًا بالرغبة في إنقاذ الشباب العربي من الحفرة التي كنت فيها، فأكتب في مجال التنمية الذاتية وتطوير المهارات وغيرهما.
وبالنسبة للكتابة، هي شغفي الحقيقي، لذا من البديهي أن أكتب عنها وأنذر حياتي لأجلها!
أظن أن لهذين المجالين حصة الأسد من كتاباتي، أليس كذلك؟
كتبت عن اللغة الصينية، ما رأيك بها كلغة؟ وهل تعتقد حقًا أنها ستصبح اللغة المسيطرة في المستقبل؟
تُبهرني الصين بكل جوانبها، ويُعجبني تحديها المستمر للولايات المتحدة الأمريكية، التي وإن فاقتها قوةً على المستوى العسكري، إلا أنها تتضاءل أمام التنين الصيني على المستوى الاقتصادي.
بالنسبة للغة الصينية، فهي لغة قوية وساحرة، سواء من خلال لفظها المميز، أو حروفها المكتوبة الأقرب للرسم. ومع وجود أكثر من 1.5 مليار متحدث أصلي بها (إضافة لكونها لغة ثانية لملايين آخرين) فلا أظن أن هناك من يستهين بقوتها وخاصةً ونحن نشهد ثورة صناعية رابعة، حيث انقلبت موازين القوى لترجح كفّة من تمتلك التكنولوجيا الأفضل بالتكلفة الأقل، وهو ما ينطبق على الصين خاصةً ودول شرق آسيا عمومًا.
وبالعودة إلى سؤالك عمّا إذا كنت أعتقد بأن اللغة الصينية ستصبح لغة العالم في المستقبل، فأرى الأخير يحمل الكثير من مفاجآت!
حدثنا عن هواياتك؟ وهل هي مهملة أم أنك تعمل على تطويرها؟
لن أحاول أن أكون مثاليًا، لذا دعني أعترف أن العنكبوت اتخذ من (جيتاري) مسكنًا له.
أسعى دائمًا لاكتساب اللغة الأسبانية (خاصةً بعد مشاهدتي مسلسل la casa de papel)، معتمدًا في ذلك على التعلّم الذاتي، لكن للأسف، لا ألتزم سوى لبضعة أيام قبل أن أنقطع لأسابيع.
أفكر أيضًا في إطلاق قناة يوتيوب، أعيش من خلالها شغفي بتعلّم برمجة الألعاب (مع إيماني بأن أفضل طريقة لتعلم شيء هي محاولة شرحه لشخصٍ آخر)، ولكن الوقت لم يُسعفني حتى الآن لفعل ذلك.
باختصار، هواياتي مُهملة أكثر من اللازم.
رسالة لأصحاب القلم والكتابة؟ ولقرّاء زد
لست أهلًا -بخبرتي القليلة- لتوجيه رسالة، إنما هي (همسة بسيطة): لا يخفى على أحدٍ منكم مقدار تأخرنا عن نصفنا الآخر (الغرب)، ولا وجود لنهضةٍ حقيقية من دونكم، فإن كنتم تفتقدون منابر التعبير عن ذواتكم سابقًا، فشبكة الإنترنت أوجدت تلك المنابر.
وتذكروا أن حضارتنا العربية والإسلامية تأسست على (الترجمة)، وهو أساسٌ صالح لكل زمانٍ ومكان. واللبيبٌ من الإشارة يفهم.
أما بالنسبة لأعزائي قرّاء زِد، أودّ بدايةً شكرهم على دعمنا -نحن معشر الكتّاب- فلولاهم لما كُنّا.
وثانيًا، شرّفني العديد منهم بمتابعة حسابي على الموقع، وكثيرًا ما ألاحظ أن لحساباتهم أعمارًا طويلة (أكثر من شهر) لكن دون مقالةٍ منشورة واحدة. لن أسألهم عن السبب، فأنا أعرفه: إنه الخوف من خطو الألف ميل. إنما لديّ رجاء، لا تترددوا في التواصل معي لنعمل على حلّ هذه المشكلة سويّةً.
في الختام، أكرر شكري لإدارة موقع “زِد” لإتاحة هذه الفرصة بلقاء الجمهور، وأتمنى لهم السعادة والتوفيق ولموقعنا “زِد” مزيدًا من التقدم والنجاح.
الكتابة وسيلة تساعدنا دائمًا في فهم الآخر والتواصل معه، اللقاءات إحدى هذه الوسائل التي تأخذنا لعالم الكاتب الذي يستسقي منه إلهامه وتفكيره وتجاربه ليصيغها لنا لاحقًا في مقال، فحياة الكاتب مرتبطة بقلمه.
add تابِعني remove_red_eye 414,635
link https://ziid.net/?p=38082