الأطباء الأدباء .. كيف أثار الطب شغف الأدب
الطب من المهن الصعبة ولكنها في نفس الوقت تساعد في إلهام العاملين فيها للإبداع والابتكار بين مبضع وقلم
add تابِعني remove_red_eye 2,797
هل رأى الحب سكارى مثلنا؟! تتفق معي في أن حلق أم كلثوم اشتهر بالكلمات المغناة على حساب شاعرية ناجي، أقول لك ذلك وهو أمر مفروغ منه أصلاً، لكنها لطالما كانت تثيرني كونها قضية ولو في عقل إنسان واحد على وجه الأرض، كيف تحظى الحلقة الأخيرة من العمل بشهرة العمل كله؟ كيف يحصل البدر على الثناء والشكر في رحلة شهر كامل قطعها الهلال بمفرده؟
دعونا نقف قليلاً من طاقم عمل الأغنية على عنصر واحد هو “إبراهيم ناجي”، وكن صبوراً معي ودعني أنتقل من ناجي إلى ظاهرة الأطباء الأدباء أو العكس، سمهم ما شئت فلم تترك لنا المذاهب في ذلك الاسم خلافًا.
معي نماذج تعددت وأسماء تكاثرت مثل:
– إبراهيم ناجي
– مصطفى محمود
– أحمد خالد توفيق
كلهم طبيب أديب يستوقني معه التساؤل الذي يطأ أذهان الجميع الآن، ما الأمر الذي يقف على الحياد بين الطب الأدب ليخلق من الأطباء أدباء عظامًا؟ ومؤكد أنه لا يرجع إلى انتهاء الكلمتين بحرف الباء البتة، ثمة دلالات وأمور أعمق من التصريفات اللفظية. كان مما قرأت عن الأسباب عدد لا حصر له لا يلتقون جميعاً في شيء سوى أنهم لم ينالوا قناعتي الشخصية حقيقة، أو قل أنني أرى أن هناك مدى أعمق يمكن الكشف عنه، فكان مما قيل على لسان أديب:
١ – نعومة الأدب
إن مهنة الطب تعج بمعادلات معقدة وشاقة، تدفع مشتغلها إلى البحث عن مستراح يطلق فيه لذهنه العنان للتحلي بالصبر على ممارسة العمل، وهو ما يتيحه الأدب بوفرة، وإن كان على سبيل المطالعة حتى لا المضي إلى الكتابة أيضاً.
٢ – ما رآه الطبيب
وقيل على لسان طبيب ما هو أقرب للمنطق، أن الطبيب يكون قد عاين الإعجاز الإلهي في خلق الإنسان بتفصيلاته التكوينية المعقدة، واطلع على مفاتيحه التي يستطيع تسخيرها في قالب كتابي مقنع، وهو بذلك شأنه شأن الباحث الذي قام بدراسة ميدانية على الجنس الموجه إليه الأدب. لكن ذلك يمكن أن ينطبق على طبيب تحول إلى مهنة الأدب، فماذا عن تعالق المجالين عموماً؟ وبالأخص الأديب الذي يؤثر طريق الطب منذ نعومة أظافره، نعلم جميعاً أن إبراهيم ناجي حفظ عروض الشعر كله قبل أن يتم خمسة عشر عامًا، فماذا يعكس ذلك يا سيدي؟
رأيي في ذلك يتلخص في بابين لا ثالث لهما، إذا طرقنا الأول نجد أن:
– المبضع والقلم يمثلان وجهان لعملة واحدة من حيث آلية الوظيفة.
– أن وظيفتي: الطب والأدب، ينطلق اشتغالهما من جواب واحد لسؤال واحد هو “من هو الإنسان؟”.
كيف ذلك؟!
في الباب الأول إذا عدنا إلى وظيفة القلم التي تعبر عن الأدب والعمل الأدبي، نجد عند سيد قطب تعريف العمل الأدبي على أنه “التعبير عن التجربة الشعورية بصورة موحية”، وموحية لفظة مشتقة من الوحي، ونعلم أن الوحي وظيفته زرع العقائد الصالحة واستئصال أخرى فاسدة، وتغيير المفاهيم والاعتقادات التي تسود في مجتمع ما، فإذا ما قورنت وظيفة قلم الأديب هنا بوظيفة المبضع الذي يستأصل داخل الجسد الجزء الفاسد، ويعمل على زرع الصالح السليم، ويمهد لأداء الطبيب، فنقول إن تمام فهم مهنة الأدب يكون من تمام فهم مهنة الطب والعكس، وذلك واضح كل الوضوح، إذن فمن غير أديب حاذق لديه القدرة على تشخيص الواقع والبيئة التي يعيش فيها ليحدد عللها ومفاهيمها المغلوطة، ومن ثم يعمل على تبديلها إما بالاستئصال أو الزرع؟
الباب الثاني يفرض نفسه من حيث ألا أديب سيقدم على زرع فكر واقتصاص جذور أخرى إلا إذا تدارس الإنسان من خطوة مشيه حتى حكته في فروة الرأس، كذلك الطبيب الذي اعتكف سنوات وهو يدرس تشريح الجثث إنشا إنشا وتبصر بكل صغيرة ودقيقة في الجسد، إذن فليس أحوط بالإجابة عن السؤال من تينك المهنتين ألا هو “من هو الإنسان؟”، وأظنك لا تحبذ السفر إلى فرنسا وأنت لا تدري ما هي فرنسا.
أظن أنني أرتضي بهاتين كنتيجة مباشرة للظاهرة، ومقتنع تمام الاقتناع بأن المبضع والقلم يمثلان وجهان لعملة واحدة، وأن الأديب والطبيب هما من يملكان في نفسهما الجواب على “من هو الإنسان؟”
add تابِعني remove_red_eye 2,797
مقال يناقش ظاهرة طبية أدبية تستحق الوقوف عندها وتأملها
link https://ziid.net/?p=59986