مع علوان على درب ابن عربي “قراءة في رواية موت صغير”
قراءة في رواية (موتٌ صغير) الفائزة بجائزة البوكر للرواية العربية علم 2017
add تابِعني remove_red_eye 3,265
الشيخ الأكبر و الكبريت الأحمر قطب المتصوفة الأعظم (محي الدين بن عربي) هو محمد بن علي بن محمد بن عربي، ولد لأسرةٍ طائية استوطنت الأندلس، ومات في دمشق، وعاش حياةً من الترحال بينهما.
اختلف فيه الناس اختلافاً عظيماً، قلّ أن تجد له مثلاً.
قال عنه ابن تيمية: ابن عربي صاحب (فصوص الحكم) وهي مع كونها كفرا فهو أقربهم إلى الإسلام لما يوجد في كلامه من الكلام الجيد كثيرًا.
وقال الفيروز آبادي، صاحب القاموس، حيث سئل عن الشيخ ابن عربي فقال: «اللهم نطقنا بما فيه رضاك الذي أعتقده وأدين الله به إنه كان شيخ الطريقة حالاً وعلمًا وإمام الحقيقة حقيقةً ورسماً ومحيي رسوم المعارف فعلاً واسماً إذا تغلغل فكر المرء في طرف من علمه غرقت فيه خواطره عباب لا تكدر الدلاء وسحاب تتقاصى عنه الأنواء كانت دعوته تخرق السبع الطباق وتفرق بركاته فتملأ الآفاق وإني أصفه وهو يقينا فوق ما وصفته وناطق بما كتبته وغالب ظني أني ما أنصفته»
وكما هو ظاهر من القولين، فقد شد فيه الخلاف حد الغلو بين من يرفعه إلى مصاف آكابر العارفين وبين من يجعل كلامه مُخرج من الملة هادم للدين، وتوسطت طائفة فرأت السكوت عنه هو الصواب الذي لا يُحمل الإنسان فيه ما لا يحتمِل.
سيرته
فإن سيرته قد ضاعت بين ركام أفكاره التي فاقته شهرةً وانتشارًا، تلك السنين التي تبلور فيها فكره، اللحظات التي جعلته يهرف بما عُرِف عنه، تلك الأيام التي رحل فيها والبلاد التي دخلها، والليالي التي سامر فيها، أو تلك التي اختلى فيها في رؤوس الجبال، أو في بُطون الكهوف والأودية والشعاب، ولمعرفة ذلك أهمية قصوى، لأن السيرة الشخصية هي الأداة للكشف عن إجابة السؤال القائل: لماذا هو هكذا ؟!
ومن خلالها (أي السيرة الشخصية) يمكن التعرف على الحقبة الزمنية التي وجد فيها الشخص والأفكار والصراعات التي كانت تُحرِك المجتمع حينها.
وشخصية كشخصية ابن عربي تحمل كل هذا التأثير والانتشار ، لا بد أن في معرفة الوضع المحيط بها فائدة في التعرف على تلك الحقبة (القرن السادس الهجري) التي ما زال تأثيرها ممتدًا إلى يومنا، وسيمتد إلى ماشاء الله.
في روايته (موتٌ صغير) الفائزة بجائرة البوكر للرواية العربية عام ٢٠١٧مـ قدم الروائي السعودي محمد حسن علوان تجربة إبداعية -يمكن أن توصف بالمتكاملة-سطر لنا فيها قصة حياة ابن عربي من منظور روائي تخيلي حيث وصف فيها حياة الشيخ الأكبر الشخصية، جاعلًا من سيرته المتخيلة في أغلبها الأعم طريقًا لوصف الطبيعة البشرية لابن عربي بصفته المجردة من أي توابع أخرى سواء كان القارئ من الذين يعتقد فيه الولاية، أو ممن يراه زنديقًا خارجًا عن الملة، محاولًا أن ينقل لنا صورة عن الإنسان المختلف معنا ربما.
أو ذاك الذي نعتقد فيه قدسيةً ما، وذلك من خلال إيضاح حقيقة أنه لا يعدو في النهاية سوى واحدًا من هذا الجنس البشري بكل مميزاته وعيوبه، يفرح ويحزن يحب ويكره وكما أن له مميزات فإنه كذلك لا يخلو من النقص الذي كتبه الله على كل البشر، وقد سعى (علوان) إلى ذلك من خلال ثنايا نصه الذي اتخذ مسارين متوازيين متداخلين في آنٍ واحد، إذ جعل القصة برمتها قد وجدت في مخطوط كتبه ابن عربي يُبين فيه سيرة حياته، ليقوم علوان بسرد قصته على لسان بطل الحكاية.
أما المسار الثاني فقد كان عبارة عن رحلة للمخطوط المشار إليه تبدأ من كتابة الشيخ له حتى وصوله إلى بيروت محمولًا مع لاجئ سوري عام ٢٠١٢مـ.
لكن قبل أن أشجعك على خوض هذه التجربة، أودّ أن أجيبك على سؤال ربما طرق بالك وأنت تقرأ السطور السابقة، وهو السؤال القائل: هل يحق للروائي أن يتخيل سيرة شخصية لشخصٍ ما؟
حسنًا..
لا يمكن الجزم على سؤال كهذا بإجابةٍ محددة، لكن يمكن القول أنه يجب أن لا يكون في النص تجني من الروائي على الشخصية، بإيراد حدث مفصلي ومؤثرٍ وهو لم يوجد حقيقة، أما عدا ذلك فهي ملك لمخيلة الكاتب، كما وأن الرواية كعملٍ تخيلي لا يمكن أن يكون سيرة شخصية، بل هو عمل تخيلي يقاس نجاحه من عدمه في مدى تمكنه من النجاح في عاملين أصيلين، هما المقياس الذي تنطوي وتتلاشى بقية العوامل فيه.
العامل الأول ..الدهشة
و قد نجح فيه علوان بشكلٍ كبير، ولا يمكن وصف الشعور بها، بل يجب معايشة النص ليتم لك ذلك، والدهشة عندي، هي المقياس لكون العمل الإبداعي يمكن أن يوصف بالإبداع من عدمه.
أما العامل الثاني..
فيكمن في قدرة الروائي على جعل القارئ يعيد البحث في أمرٍ ضل لزمنٍ يعتقد أنه من المسلّمات، وقد حدث معي ذلك مع هذه الرواية.
وأخيرًا.. فقد تميزت رواية (موت صغير) بلغةٍ شاعرية جذابة ستجعل من التهامك لصفحاتها البالغة ٦٠٠ صفحة أمر سلس وممتع للغاية.
add تابِعني remove_red_eye 3,265
link https://ziid.net/?p=43107