مراجعة مسلسل unorthodox والهروب نحو الحياة
الوحدة والاغتراب والضغوطات تخلق شخصًا كئيبًا منعزلًا ولكن إن كنت قويًّا ستتحدى كل شيء وتبرز رغم كل ما يحيط بك
add تابِعني remove_red_eye 11,914
كلمة أرثوذكس كلمة مسيحية الأصل، إلا أننا هنا نشير إلى طائفة معينة من اليهود وهم اليهود الأصوليون، أي: المتزمتون، والذين بدورهم يرفضون أي شكل من أشكال الحداثة وأساليب العالم الحديث، فهم منعزلون على ذواتهم، لا يتزوجون إلا من بعضهم، وتنجب نساؤهم عشرات الأطفال تعويضًا عن ذويهم الذين فقدوهم في الحرب والمحارق، يتحمل نساؤهم عبء المنزل والتربية أما الرجال يقضون نهارهم في دراسة التوراة المحرم قراءتها من قِبل النساء، كما يحرم عليهم استخدام الهواتف الذكية إلا بأمر من الحاخام، المطلع بدوره على كل صغيرة في حياتهم، رغبة في حمايتهم من قبح العالم الخارجي الذي يحاول باستماتة التأثير عليهم لينحيهم عن مسارهم نحو جنة الخلد.
عن الجانب العالم الآخر، المملوء بالمرارة
تدور أحداث المسلسل بين حي ويليامزبرغ بنيويورك ومدينة برلين الألمانية، حيث تسرد المدونة الأمريكية الألمانية (دیبورا فیلدمان) سيرتها الذاتية بعنوان هاربة من الماضي، فتروي حياتها المحافظة والملتزمة بالقواعد اليهودية الأرثوذكسية التي تحرم أي نوع من الحميمية والدفء بين أفرادها، فيحرم على النساء الغناء حتى لا يكن غوايا، وتُحلق شعورهن ويُستبدل به الشعر المستعار والإيشارب لتغطية الرأس بعد الزواج، ففي مجتمعها، تواجه “إستي” الكثير من الضغوط والقيود، التي تجعلها حبيسة القلق وعدم الاحساس بالأمان.
تولد “إستي” في المجتمع اليهودي وتنشأ على تقاليده المتزمتة وتؤمن بشدة بتكوين الأسرة وإنجاب الأطفال كتأدية لرسالة سماوية، ثم لا يمر سوى عام حتى ترغب “إستي” في الهرب، والفرار من ذلك العالم الخانق، الذي ينتهك خصوصيتها بكل شكل ويرسم طريقها دون إرادتها.
أن تكون منبوذ الجماعة
منذ اليوم الاول وإستي غير مرحب بها بشكل ما في المجتمع اليهودي، فوالدها سكّير وأمها ذات الأصول الألمانية هربت ذات يوم من زواجها، وحصلت على الطلاق لتسكن بعيدًا في المانيا، لذا تعيش إستي بسمعة سيئة تحول محوها وبناء واحدة جديدة مع زوجها الذي حصلت عليه عن طريق وسيطة الزواج. ولكن كيف يمكن أن يعيش المرء في مكان يحاول كل يوم أن يغير من طبيعته ليلائم الوضع العام؟
هذا ما تفعله إستي المحبة للعزف والموسيقى والغناء، تحاول أن تغير من طبيعتها لتتأقلم مع جوها المحيط إلا أن كل محاولاتها تبوء بالفشل، حتى تقرر الهرب إلى ألمانيا الملعونة، بلد الأجداد المقتولين والمحروقين، ففي كل شبر من برلين أرواح اليهود المنهوبين تجول في الأنحاء وتنوح. يكره اليهود الأرثوذكس ألمانيا وما فيها، عدا مقبرة اليهود بالطبع التي تضم قبور مئات الحاخامات المبجلين، ولكن رغم ذلك تهرب إستي للأجداد لعلها تجد طريقها.
إذا لم يكن الآن، فمتى؟
تذكر إستي نفسها بجملة من التوراة الذي قرأته سرًّا. فتقول إن لم يكن أنا فمن؟ إن لم يكن الآن فمتى؟ وتقرر الهرب إلى المانيا، حيث تستطيع التنفس دون خوف.. يقول الشاعر اللبناني وديع سعادة: حديقتي أصغر من جنين.. ليس فيها غير ورق السهو نبت في غيابك. وهذا ما تشعر به إستي، الوحدة والاغتراب العميق عن زوجها وكل ما تحب، مشاعرها تظهر على ملامح وجهها المتشنج. تائهة ووحيدة دون شهادة أكاديمية تدعمها ودون شخص في العالم يُؤَمّنها بحبه.
ولدت أستي في مجتمع محافظ، تغلب الآلية على كل تصرفاته، حفر في وجهها المتصلب مشاعر الخوف والفزع، فحين هربت إلى ألمانيا شعرت وكأنها ولدت لتوها، الآن تملك الخيارات لتعلم عن كل الأشياء المجهولة، كانت إستي تنظر كالمشدوهة لكل شيء يحيط بها في ألمانيا، كالقبلات والأحضان الحميمة بين الأحبة والأصدقاء والتي يحرمها الدين حتى في علاقة الزوجين التي تتميز بالآلية الجافة.
كانت ألمانيا عالمًا جديدًا كليًّا لها، مفتوحًا لتجد فيه نفسها وتبحث عن هوايتها الحقيقة. الفتاة صاحبة التسعة عشر ربيعًا، التي لم تتعرف يومًا على نفسها ولا على العالم أصبح لديها الآن الفرصة لتحب وتتعلم وتتنفس دون قيد يملي عليها بقسوة جميع أفعالها.
السكينة تملأ روحي
عندما تهرب من جماعتك المتحفظة ستجد العشرات يطردونك لترجع، يهبوك الحب والترهيب، ويهددونك بلا رحمة بأنك ستلقى حتفك إن لم ترجع، فقط تُب وستنسى العشيرة ما فعلته من حمق، يمنعونك من سلوك الطريق الذي اخترته لنفسك، فكما تم تخويف إستي من مستقبلها القاتم من قبل ابن عم زوجها موشى، والذي بدوره أرسل من قبل الحاخام ليرجعها إلى كنف الرب وبيت الزوجية، ففي حياته كل شخص هارب من العشائر يحاول موشى بكل الأساليب أن يرهبه وينزع الطمأنينة من قلبه.
المسلسل لطيف للغاية، به الكثير من الكادرات الفنية والأبعاد النفسية ما يجعلك تلتهم الأربع حلقات في وقت قياسي.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 11,914
مسلسل unorthodox و الهروب نحو الحياة
link https://ziid.net/?p=79511