الرواية التي ينقذها كاتبها
دائمًا عندما تتعقد الظروف، حولنا يكون الحل الأمثل هو رغباتنا والتي تحركنا لنحل العقد وننجو
add تابِعني remove_red_eye 2,365
الرغبة هي وجودنا، منذ لحظة ولادتنا ونحن نسعى وراءها، نتحدى الروادع بما لدينا من أدوات، ولكن تتأتى مواقف نفنى فيها أن نقول لذاتنا الأنانية: لا، أو أن نطلقها للرغبة، فمَن السلطان الذي نحتكم إليه؟ مَن القاضي الذي إما أن يقسو بالقطيعة بين الحبيب ومحبوبته وإما أن يرحم بالتحاضن؟ هذه هي الفكرة التي يعالجها دوستويفسكي في روايته مُذلون مهانون. يضع الشخصيات في ظروف ضغّاطة لا مهرب منها إلا تحقيق رغباتهم، فكيف يمنعها؟
عقدة الرواية
فتاة تحب شابًّا ضعيف الشخصية وتهرب معه من أهلها الذين يعبدونها حبًّا، والذين في أمر عوص مع أبي حبيبها. فهي في نار: حبيب يتحكم فيه أبوه يريد أن يجعله يهجرها، وأب لعنها لهروبها. ولأن أبا الشاب الذي هربت معه جعله بيرقًا للذلّ والإهانة.
الصياغة المجردة للعقدة
أخمنيف رجل نبيل خُلقًا وأصلًا، شَهْم، إذا أحب أحدًا جعله مُقدَّسًا. ولم يخلّف هو وزوجته إلا بنتًا، فكانت هي معبودته المدللة، رجل يملك قرية صغيرة عدد سكانها خمسين نسمة، وهو أفضل من يدير أملاكًا في المنطقة.
الأمير رجل سليل أسرة عريقة، أناني طماع، حيسوب، يتكلف مكانته لينقض على ما يريد، لم توجد طريقة لم ينتهزها للانقضاض على ما يريد، رجل يملك أرضًا بالقرب من أرض أخمنيف عدد سكانها تسعمائة نسمة.
ليربط دوستويفسكي بين هذين، جعل الأمير يحتاج لتغيير مدير أملاكه، وكما قلنا فالأفضل في المنطقة هو أخمنيف، فجعل دوستويفسكي الأمير ينزل إلى أرضه من المدينة، ونزول أمير كهذا في المنطقة بالنسبة للنظام الاجتماعي وقتها يجعل الناس سعداء لأن بجانبهم رجل ذو قيمة. كما قال الكاتب: إن الأمير من صفوة المجتمع التي نزولها يحدث جلبة وكثيرًا من الاهتمام. وتخيل فجأة هذا الأمير ينزل إلى أخمنيف، مؤكد سيطير من الفرح، الأمير يختاره هو من وسط هؤلاء كلهم! هذا مع كون أخمنيف إذا أحبَّ عبَدَ، جعل الأمير في نظره مُقدَّسًا. وهذا ما يريده الأمير للحفاظ على أملاكه.
والأمير كما قلنا لا يرى إلا مصلحته، وابنه ضعيف الشخصية حساس يسيل وراء الجمال، وهو لا يستطيع الاعتناء به لانشغاله بنفسه والأموال، وأخمنيف يهيم له، فأرسل له الولد مشتكيا من سوء سلوكه، وأن أخمنيف الشهم وزوجته سيجعلانه أفضل الناس، فأخذه أخمنيف وأحبه كابنته.
ولضعف شخصية الابن، الذي إنما يجري وراء أحاسيسه، حين جاء أبوه إلى الريف طلب منه البقاء أطول فترة ممكنة لأنه يحب الريف، وهذا جعل الأمير يغير تعامله مع أخمنيف، لأنه شك أنه قد يكون للابن علاقة مع الفتاة.
وكما قلنا فإن مجيء أمير كهذا يثير الاهتمام، فإن اختياره لأخمنيف أثار الحسد، فاستغل الناس ما شعر به الأمير وبدأوا يلفقون الشائعات حول أخميف وزوجته وبنتهما أنهم استغلّوا شخصية الصبي الضعيفة، حتى إنهم ادّعوا أن أخمنيف يسرق الأمير، فهذا جعل الأمير ينعت أخمنيف على رؤوس الأشهاد بأنه لص، ومكانة أخمنيف كسليل أسرة نبيلة وذي أملاك تجعله لا يمكن أن يقبل هذه السّبة أمام الناس، جريمة فظيعة! فردّ بمثلها على الأمير وحصل شجار فظيع ذهب إلى قضية في المحكمة في المدينة بطرسبرغ.
يتعقد الأمر أكثر بسبب شخصية أخمنيف. فالشاب ابن الأمير انتهز فرصة وجودهم في المدينة وذهب من وراء أبيه إليهم، وطبعا لأن أخمنيف يحبه ولشهامته، استقبل الشاب بحفاوة، وصار الشاب يزورهم مدة ستة أشهر، هذه الستة أشهر جعلت الشاب والفتاة يقعان في حب بعضهما.
وهذا جعل الأمير يغضب ويبعد الولد عنها، فيتفقان على الهرب. وهرب البنت مع عشيقها كان مُحرَّمًا في ذلك المجتمع.
الشخصية التي تحلّ العقدة
وضع دوستويفسكي شخصية كاتب وهمية في الرواية، هو الذي عاش الأحداث ثم يرويها، يتأمل ويتفهم، يرى الواقع بعين أوسع من الشخصيات، وضعه دوستويفسكي يتيمًا أخذه أخمنيف وربّاه مع ابنته، فأحب الكاتب الصبية، ولكن عندما كبر كان يجب أن يسافر إلى بطرسبرغ ليكمل تعليمه، وهناك أصبح روائيًّا ناجحًا، ووضعه دوستويفسكي نبيلًا يحب الخير.
وطبعا الروائية ليست مكانة عندهم، فلذلك حين قدموا إلى بطرسبرغ وتحابَّا هو والفتاة وتقدم لطلب البنت، قال له أخمنيف: نصبر سنة فأنت فقير، وقد يتغير شيء، ولكنها في آخر ستة شهور من هذه السنة أحبت ابن الأمير وكان ما كان، ونبله الذي وضعه دوستويفسكي عليه، يجعله ينتصر على نفسه ويساعد حبيبته التي هجرته، صديقته، ويكون بجانب والديها.
العقدة المساعدة
يضع دوستويفسكي أمام الكاتب مسارًا آخر يساعد به حبيبته، هو صبية يتعرف عليها، هي ابنة لامرأة فنيت، قصتها هي عين قصة ناتاشا، طفلة شديدة الحساسية ينقذها من الشارع. هذا المسار هو عقدة لن تحل، فهذه الصبية هي بنت الأمير، وهي ابنة شرعية له، أي لها حق عليه أمام المحكمة، ولكن أمها الرومانسية قبل أن تموت حذرتها من أن تذهب إليهم، بل: ظلي تشحذين الفتات في الشوارع. وأخذت الطفلة فِكْر أمها، فظنت أنها حين تموت ولا تغفر لأبيها، سيظل يتعذب بها.
وإنما عندما تحين لحظة تعقّد الأحداث الأقصى، يفكر الكاتب أن هذه الطفلة هي الحل الأمثل، فيأخذها ليستعطف بها أخمنيف، فيعفو الرجل عن ابنته ويضمها تحت جناحه مرة أخرى، فالكاتب قد انتصر على نفسه رغم هجران حبيبته له، فجعل أباها ينتصر على نفسه بمساعدة الصبية، أما الصبية فلَمْ تنتصر على رغبتها في الانتقام رغم أنه كان يمكنها أن تكون ملكة بمال الأمير الأناني.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 2,365
قراءة في رواية مذلون مهانون لدوستويفسكي
link https://ziid.net/?p=81241