الرجل الذي عاش ومات في الظل بينما لامست أنامله عقول أجيال
حمدي مصطفى هو مؤسس مشروع روايات مصرية للجيب والأب الروحي لمؤلفي المشروع والذي أثرى عقول النشء وحبب لهم القراءة
add تابِعني remove_red_eye 14,463
قال عنه دكتور نبيل فاروق أنه إنسان يجيد قراءة البشر والتقاط المواهب، فقد كان يمتلك الحس الأدبي مما جعله ناشرًا ناجحًا. أما دكتور أحمد خالد توفيق فقد رأى أن سبب نجاحه الكبير هذا هو أنه كان متوغلًا في كل شيء، يدير كل صغيرة وكبيرة بنفسه، يعي عملية النشر بكل دقائقها، كما أنه يثق في ذوقه الخاص ثقة عمياء ويؤمن بأنه ما يروقه سيروق الناس أيضًا.
لم يكن يحب الظهور الإعلامي لذا فقد جمعت المعلومات عنه بصعوبة بتجميع مقالات من عملوا تحت إدارته، إنه الرجل الذي أدار من الظل مؤسسة عملاقة نشرت سلاسل كتابات أدمنها النشء وتعلق بها الشباب، وكشفت مواهب أثرت عقول أجيال.
الأب الروحي لمؤلفي المؤسسة العربية الحديثة حمدي مصطفى
ولد عام 1928م وتخرج من كلية التجارة ليعمل في دار النشر التي يملكها والده، ثم انفصل عنه في بداية الستينات ليؤسس المؤسسة العربية للطباعة والنشر، وبدأ في نشر الكتب الدراسية (الكتب الخارجية) على مدى خمسين عامًا، ولكن ظل النشر الأدبي هو حلمه ورسالته التي يؤمن بها ويتمنى تحقيقها لذا عندما حقق نجاحًا من خلال نشر الكتب الخارجية وأصبحت دار النشر قوية وصامدة بذاتها، بدأ المغامرة التي كان يحلم بها، المغامرة في أن ينشر ذوقه الخاص للعامة دون رضوخ لمعايير التجارة والسوق والمكسب والخسارة، أعلن عن مسابقة للكتابة في الخيال العلمي وكان سباقًا في هذا المجال.
كان هذا في منتصف الثمانينات نجح في المسابقة نبيل فاروق الذي بدأ ملف المستقبل والمكتب رقم 19، ثم انضم أحمد خالد توفيق، وشريف شوقي وخالد الصفتي ورؤوف وصفي ومحمد سليمان عبد الملك.
لقد ثبت مع الزمن صدق الحاسة الأدبية لدى حمدي مصطفى، فقد كان خبيرًا مميزًا في التقاطه لنوعية القصص وكتابها الموهوبين، الآن توجه بعضهم للكتابة إلى الشاشة، وكذلك أصبح لدينا ثروة من الأعمال الأدبية في مجال الخيال العلمي وأدب الرعب، تبحث الآن المنصات الإلكترونية فيها لتنتج أعمالًا درامية مستوحاة من هذه الأعمال التي كتبت للنشء قبل عشرين عامًا، هذا نتاج الرؤية الثاقبة للأديب حمدي مصطفى، فلم يكن يملك هذا الحس من فراغ فقد كان أديبًا كتب أكثر من رواية قررت على بعض السنوات الدراسية.
عن ذلك يحكي نبيل فاروق موقفًا:
عندما ترك أحدهم خطابًا في المطبعة تفاعلًا مع الروايات وقرأ الأستاذ حمدي الخطاب وبحاسته الأدبية رأى فيه موهبة واضحة على عكس ما يحدث في كل دور النشر تقريبًا جعلنا نبذل جهدًا خرافيًّا لمعرفة من ترك هذا الخطاب ليضمه بعد ذلك إلى كتاب المؤسسة.
كذلك يستكمل نبيل فاروق ذكرياته عن أول عدد وقد كان سعيدًا بأول عمل له وهو خارج من المطبعة يمسكه بيديه، إلا أنه لم يلق رواجًا، مرّ شهر وشهران وكاد أن يصاب بالإحباط ولكن أستاذ حمدي ظل يحثه على الكتابة غير مكترث بأرقام البيع الحالية وداخله يقين أن النجاح آت، فقط عليه أن يتحلى بالصبر وبالفعل، في منتصف الثمانينات وحتى منتصف التسعينات كانت سلاسل كتابات نبيل فاروق نجاحها ساحق وتوزع داخل الوطن العربي وخارجه.
يحكي دكتور شريف شوقي عنه:
كان رجلًا دمث الخلق شديد التحمس لمشروعه الذي لم يسبقه إليه أحد، وتبين لي أنه لم يكن ناشرًا مشابه للعديد ممن قابلتهم من قبل، كان خبيرًا وأخبرني أنه اختارني والدكتور نبيل من بين (200) عمل. ورغم أن الروايات لم تلق في البداية نجاحًا يذكر لأنها كانت جديدة على الشباب المصريين إلا أنه قال لي وقتها: لا تهتم بالبدايات استمر في الكتابة والمؤسسة مسئولة عن نجاح السلاسل.
وبالفعل بدءًا من العدد الرابع كانت السلسلة قد لاقت نجاحًا مدويًّا في أوساط الشباب الذى أقبل عليها بشغف شديد ليس في مصر فقط بل في العديد من البلاد العربية ولم يكن هناك منزل في مصر يخلو من تلك سلسلة المكتب19 وباقي سلاسل المؤسسة.
بعد فترة أخبرني أنه بصدد تقديم سلسلة رومانسية مصرية وأن د.نبيل فاروق بدأ في إعداد بعض الأعداد، وسألني عما إذا كان لدي استعداد للمشاركة فيها، أبديت له استعدادي وطلب مني أن أعرض عليه قصة، فقدمت له رواية “هي في حياتي” وقال إنها أعجبته وأثارت شجونه.
في مقال رثاء كتبه د. أحمد خالد توفيق
قال: إن أستاذ حمدي كان يدرك حساسية ما يقدمه وحساسية السن التي يخاطبها، كان يريد توجيه النشء إلى قيم البطولة وحب الوطن لذا كانت هناك الكثير من المحاذير على هذه النوعية من الأدب الذي يقدمه في شكل روايات مصرية للجيب.
كذلك حكى د. توفيق عن آخر وأصعب ثلاث سنوات عاشها حمدي مصطفى، فقد كان مسافرًا إلى منتجع سويسري لتلقي العلاج، ولكنه تلقى علاجًا خاطئًا أدى إلى ضمور في الأعصاب، مما جعل ذراعيه قد توقفا عن العمل تمامًا وراقبه د. توفيق بينما تقوم سيدة بسيطة بخدمته، تضع السيجار بين شفتيه ثم تنفضها وتعيدها وتضع سماعة الهاتف على أذنه حتى ينهي حديثه ورغم وضعه هذا ظل كعادته متوغلًا في كل ما يخص عالم النشر يتابع الفواتير والخلافات بين العاملين وما تحتاجه المؤسسة من أوراق وأحبار وآلات طباعة، كل ذلك بجانب قراءته للأعمال الجديدة بجدية واهتمام.
لم تكن لديّ مادة حقيقية تمنحني معلومات كاملة عن هذا الرجل الذي أحببناه بينما يحرك كل شيء من خلف ستار ويقدم لنا الأعمال التي رافقت طفولتنا وشبابنا وأثرت عقولنا، وما تزال تمتعنا حتى هذه اللحظة، حاولت إلقاء الضوء عليه -رحمه الله- وعلى رؤيته وإنسانيته وبصيرته وذوقه الواعي من خلال هذا المقال.
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 14,463
مقال تعريفي لحمدي مصطفى مؤسس مشروع روايات مصرية للجيب
link https://ziid.net/?p=76064