فنّ البقاء وحيدًا [مراجعة كتاب المدينة الوحيدة: مغامرات في فن البقاء وحيدًا]
ترتبط الوحدة بتصوراتنا أكثر من عدد علاقاتنا بمدى وجودنا
add تابِعني remove_red_eye 91,100
ترتبط الوحدة بتصوراتنا أكثر من عدد علاقاتنا بمدى وجودنا. من الممكن أن تكون محاطًا بالوحدة بشكل مؤلم كما هو الحال مع قلة التواصل الاجتماعي. يحتاج البعض لفترات طويلة من الوقت بمفردهم لإعادة شحن طاقتهم (مثلي)، بينما يفضل البعض الآخر التعرض للصعق الكهربائي بدلًا من قضاء بضع دقائق مع أفكارهم.
إليك كيف يمكننا تغيير تصوراتنا عن الوحدة عبر طريق صنع الفن وتجربته
في حين يعاني فيه العديد من الأشخاص -فترات غير مسبوقة- من قضاء الوقت بمفردهم، من الجيد أن نتوقف قليلًا ونفكر في ما يلزم لتحويل الوحدة الصعبة إلى عزلة تثري وجودنا. نحن مخلوقات اجتماعية، والافتقار المستمر للعلاقات المُرضية له تكاليف باهظة على صحتنا العقلية والجسدية. ولكن عندما نضطر إلى قضاء المزيد من الوقت بمفردنا أكثر مما قد نرغب، فهناك طرق يمكننا من خلالها التعويض وإيجاد شعور مثمر بالارتباط والإنجاز. تتمثل إحدى طرق تحقيق ذلك في استخدام وحدتنا كنقطة انطلاق لإبداعنا.
الوحدة كوسيلة للتواصل
إحدى الطرق التي يتعامل بها الناس دائمًا مع الوحدة هي من خلال تحويل تجربتهم إلى شيء جميل، تمكن الأفراد الوحيدون عبر التاريخ من استبدال (إبداعاتهم) بالإحساس بروح الجماعة التي كان من الممكن أن يلمسوها في العلاقات.
في كتابها المدينة الوحيدة: مغامرات في فن البقاء وحيدًا، تروي “أوليفيا لينغ” قصص عدد من الفنانين الذين عاشوا حياة منعزلة ووجدوا معنى في عملهم حتى لو لم تستطع علاقاتهم تحقيقه. بينما تركز بشكل خاص على الرسامين في نيويورك على مدار السبعين عامًا الماضية، فإن أساليبهم في استخدام وحدتهم ونقلها إلى فنهم لها صدى واسع. استغل هؤلاء الفنانون المشاعر التي سيختبرها الكثير منا مرة واحدة على الأقل في حياتنا. حيث وجدوا الجمال في الوحدة وأظهروا أنه شيء يستحق التفكير فيه، وليس مجرد شيء للهروب منه.
اشتهر الفنان إدوارد هوبر (1882-1967) بلوحاته التي تصور مناظر المدن الأمريكية التي تسكنها شخصيات انطوائية تبدو وكأنها تجسد رؤية للوحدة في العالم الحديث. وجدت “لينغ” نفسها منجذبة إلى لوحاته المميزة لأفراد مضطربين في محيط متناثر، وغالبًا ما يفصلهم عن المشاهد نافذة أو بعض الحواجز الأخرى.
لماذا إذن نستمر في عزو الوحدة إلى لوحاته؟ الجواب الواضح هو أن لوحاته تميل إلى أن تعبّر عن أشخاص بمفردهم، أو في مجموعات مضطربة وغير تواصلية مكونة من اثنين وثلاثة، ثابتة في وضعيات تبدو مؤشرًا على الضيق. ولكن هناك شيء آخر أيضًا؛ عن الطريقة التي يعبّر فيها عن شوارع مدينته.
غالبًا ما توصف وجهة النظر هذه بأنها متلصصة، لكن ما تكرره مشاهد هوبر الحضرية أيضًا هو إحدى التجارب المركزية للوحدة: الطريقة التي يعبّر فيها عن الانفصال، بجدار أو الحبس، تتحد مع الشعور (بالتشابه معنا) الذي لا يطاق.
بينما نفى “هوبر” أكثر من مرة أن تكون لوحاته تدور حول الوحدة، فقد اختبر بالتأكيد الإحساس بأنه محاصر في مدينة. في عام (1910م) انتقل إلى مانهاتن، بعد بضع سنوات قضى معظمها في أوروبا، ووجد نفسه يكافح من أجل البقاء. لم يقتصر الأمر على عدم بيع لوحاته فحسب، بل شعر أيضًا بالغربة في المدينة. عمل هوبر في المفوضيات وكان لديه عدد قليل من العلاقات الوثيقة. لم يتزوج إلا في الأربعينيات من عمره، وتجاوز فترة القبول في ذلك الوقت. كتبت “لينغ” عن أيام (هوبر) الأولى في نيويورك:
سرعان ما بدأ هذا الشعور بالانفصال، بالوحدة في مدينة كبيرة، بالظهور في فنه… كان مصممًا على التعبير عن التجربة اليومية للعيش في مدينة نيويورك الحديثة. من خلال العمل أولًا مع النحت ثم في الرسم، بدأ هوبر في إنتاج مجموعة مميزة من الصور التي تلتقط التجربة الضيقة، والمغرية أحيانًا للحياة الحضرية.
جاب هوبر المدينة ليلًا، ورسم مشاهد لفتت انتباهه. كان هذا المنظور يعني أن الناظر إلى لوحاته يجد نفسه في أغلب الأحيان في موقف مراقب منفصل عن المشهد أمامه. إذا عَنت بالوحدة الانفصال عن العالم، فإن النوافذ التي رسمها هوبر ربما تكون تجسيدًا ماديًّا لهذا.
من خلال وصف (لينغ)، غيّر “هوبر” العزلة -التي ربما اختبرها- من خلال تصوير تجربة الوحدة كمكان في حد ذاته، يسكنه العديد من الأشخاص الذين يتشاركونها على الرغم من اختلافاتهم. تشرح بالتفصيل وتقول ،
“إنها صوره غير عاطفية، لكن هناك اهتمامًا استثنائيًّا بها. كما لو كان ما رآه ممتعًا بقدر ما استمر في الإصرار على أنه بحاجة إلى أن يكون: يستحق العمل والجهد البائس في وضعه. كما لو كانت الوحدة شيئًا يستحق النظر إليه. أكثر من ذلك، كما لو أن النظر إلى نفسه كان ترياقًا، وسيلة لهزيمة الوحدة!”
يوضح لنا عمل هوبر أن إحدى طرق تكوين صداقات مع الوحدة هي إنشاء لوحات تستكشفها وتعرّيها. هذا لا يوفر فقط طريقة للتواصل مع أولئك الذين يعانون من نفس التجربة ولكن أيضًا يحول العزلة إلى مادة إبداعية ويسلبها بعضًا من لدغتها.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 91,100
مراجعة كتاب المدينة الوحيدة: مغامرات في فن البقاء وحيدًا
link https://ziid.net/?p=71375