مراجعة فيلم SOUL- في تمجيد الحياة من خلال الموت!
فيلم SOUL هو محاولة جادّة ومثيرة للاحتفاء بالحياة البسيطة ومحاولة التمتع بها حتى مع وجود شغف ما في حياة الإنسان
add تابِعني remove_red_eye 4,189
في رائعة من روائع PIXAR تربع فيلم SOUL على قمّة أفلام 2020، ذلك العام الذي لا ينسى في حياة كل من شهدوه والذي ربما كان يستحق عملًا فَنِّيًّا لا ينسى مثله!
عزيزي، إذا لم تكن قد شاهدت الفيلم بعد؛ فأنا أنصحك أن تذهب للاستمتاع بمشاهدته في ليلة هادئة، ثم تعود إلينا مرة أخرى حتى لا تفوتك أحداثه وتحترق. يناقش الفيلم أفكارًا فلسفية وَمَفَاهِيم عميقة بشكل باهر وجذَّاب، ويتناول أيضًا العديد من المشاعر الإنسانية التي أرَّقت الجيل الحالي عَالَمِيًّا، لذلك حقق نجاحًا مبهرًا ورشحا للأوسكار كأفضل فيلم وليس أفضل فيلم كارتوني فقط!
التشويق عن طريق الصدمة
يبدأ الفيلم بداية ذات إيقاع سريع، تحاكي نمط الحياة الذي نحياه جميعًا، وبخاصة الشباب الذي يسعى للنجاح والتحقق في عالم اليوم، فالبطل (جو جاردنر) هو شاب أربعيني موهوب، عازف بيانو عاشق لموسيقى الجاز، يعمل معلمًا للموسيقى في إحدى المدارس بدوامٍ جزئي، ويقضي بقية أيامه في محاولة للبحث عن فرصة حقيقية في الموسيقى فلا يجدها، حتى يتم تعيينه في المدرسة بدوام كامل تفرح به أمه العجوز كنوع من أنواع الاطمئنان على ولدها الوحيد الذي استقرَّ أخيرًا!
في نفس هذا اليوم تحد له المعجزة، ويعرض عليه الأداء العلني مع فرقة العازفة الشهيرة دورثيا ويليامز، فيخرج من متجر أمه وهو غير مصدق، يجري، يرقص في الشوارع، يتحدى العربات المسرعة، يكلم نفسه بصوت مسموع، إنه يوم سعده حتى يسقط في حفرة! وهنا يستيقظ جاردنر في عالم آخر جديد؛ ليجد نفسه روحًا تقف في طابور طويل مع ملايين الأرواح الأخرى في طريقهم للذهاب إلى الآخرة.
هذا الانتقال المفاجئ من الحياة إلى الموت ما أعطى للفيلم بعدًا ربما أعمق من كافة أفلام بيكسار السابقة، فنحن في الغالب لا ننتظر من أفلام الأنيميشن غير المرح والإثارة والبهرجة والألوان والزينة والمتعة البحتة ولا يفكر أحدنا في الموت أثناء مشاهدة فيلم أنيميشن لبيكسار، لذلك تعد تلك الصدمة في أول الفيلم من أهم أسباب جاذبيته وتعلق الناس به.
الرحلة في العالم الآخر
تخيل أن تنتهي الحياة في الوقت الذي بدأت فيه؟! مأساة فادحة، لذلك يبدأ الروح جو جاردنر في فعل كل ما يستطيع أن يفعله ويحاول الهرب حتى يعود مرة أخرى للحياة ليقضي يومه المنتظر، وبالفعل يغشُّ ويذهب إلى الجانب الآخر ويعمل مع المرشدين وهم أولئك الموتى الذين يرشدون الأرواح التي لم تولد بعد ويساعدونها على إيجاد شرارتها الخاصة حتى يكتمل عبورها إلى الأرض.
وبطريقة كوميدية لطيفة يتعرف على الروح 22 ويعودان معًا إلى الأرض ولكن بعد حدوث خطأ يدخل جو إلى جسد قطة و22 إلى جسد جو في تجربة خاصة في الأرض وتبدأ مغامرات كوميدية لتعرف 22 على حياة البشر ومحاولات جو جاردنر في الرجوع إلى جسده مرة أخرى. إذا فنحن أمام رحلة جو مع الأرواح معرفته لقيمة حياته، ورحلة 22 في الأرض لاستكشافها معنى الحياة الأرضية التي تخشاها.
السعادة المنسية ووهم الشغف
لا أعرف متى بالتحديد بدأت فكرة (الهوس بالشغف) ومتى بدأ طغيانها على عقول البشر لا سيما الشباب، ربما تزامن الأمر مع ظهور السوشيال ميديا وتوغلها في حياتنا، وبشكل ما ارتبطت فكرة الشغف بالشهرة الواسعة والثراء الفاحش مما أدى إلى ظهور مجموعة من المعايير المشوهة لمفاهيم مثل النجاح/ الفشل/ الحياة الجيدة وغيرها، وأصبح الكلّ يجري في اتجاه الشغف، واستحالت حياه الكثير إلى جحيم حقيقي بسبب أنه (لم يجد شغفه بعد) تمامًا كالبطلة 22 التي خشيت الذهاب إلى الأرض دومًا وعيش الحياة لأنها لم تجد شراراتها بعد!
الجميع يخشى أن يكون عَادِيًّا أن يألف أَشْيَاء بسيطة، حتى لا يقال عنه فاشل، أو دون شغف وكأنها وصمة، يتسابق الكل على الاستهلاك والامتلاك من يمتلك أكثر ومن يصبح أغنى من يجني عددًا أكثر هو الفائز بالطبع! وفي أثناء هذه الحدة والتنافسية وتزامنًا مع صدمة الوباء العالمية، يأتي فيلم SOUL لينقلب انقلابًا تَامًّا وَجَذْرِيًّا على فكرة الشغف وتوابعها فيتوقف الجميع أمامه مشدوهًا!
ويتعرض الفيلم لتفتيت وقلب هذه الفكرة من خلال عدة مشاهد:
المشهد الأول:
حينما يصل البطل أخيرًا إلى جسده ويقضي ليلته المنتظرة مع فرقة دورثيا ويليامز ثم تنتهي الليلة وتخفت الأضواء والأجواء ويذهب الناس إلى بيوتهم أخيرًا، ويخرج هو عائد إلى البيت فيسأل دورثيا بحزن: اليوم الذي انتظرته طيلة عمري لماذا لم يكن كما توقعت؟! فتتنهد تنهيدة الذي اختبر هذه الحالة سابقًا، وترد عليه بقصة السمكة التي عاشت في النهر وظلت تتساءل كيف تذهب إليه؟!
تشير قصة دورثيا هنا إلى حالة (الملل من الأشياء حتى نسيانها) تلك الحالة التي انتابت الأجيال الحالية، فهي لا عمل لها الآن إلا الركض وراء المتعة الجديدة في كل مرة، وعدم القدرة على الحب طويل الأمد لكل ما تملك حتى تنسى تمامًا أن تعيش حياتها أثناء البحث عن الجديد!
المشهد الثاني:
بعد المشهد الأول قرر جاردنر أن يتوقف مع ذاته ويعاود التفكير في حياته؛ ليكتشف أن الموسيقى لم تكن شغفه الحقيقي ولا معنى حياته بل هي جزء جميل من حياة جميلة ولكنها أكبر وأوسع، وأن أسعد لحظاته الحقيقية هي التي قضاها عندما تجاوز نفسه وقدَّم المساعدات لأناس آخرين وعلى رأسهم الصغار الذين كان يعلمهم الموسيقى.
المشهد الثالث:
مشهد الروح 22 عندما تعرفت إلى شرارتها في جسد جاردنر، فلم تكن شرارتها هي الموسيقى أو لحظات الانتشاء العظيمة أو النجاح الباهر والأموال الكثيرة بقدر ما كانت نسمات الهواء الجميلة على وجهها وأوراق الشجر والضحك والكلام والطعام الجميل في فمها وأجنحة الفراشات على يديها!
تجربة الاقتراب من الموت
كل تلك الأحداث المشوقة تحدث فيما يعرف بتجارب الاقتراب من الموت؛ وهي تجارب مستوحاة من الواقع، يدعي كثير من الأشخاص من مختلف بلدان العالم وقوعهم فيها، وتعني الحالات التي يتوقف فيها قلب الإنسان لفترة قد تطول وقد تقصر؛ بينما يظل عقله حاضرًا ويعمل، وعندما يستيقظ أصحابها يروون الكثير والكثير عن عالم الأرواح. كما قُدم الموت في الفيلم كمغامرة ممتعة، متممة للحياة وليس نقيضًا لها، وجهان لعملة الإنسان الواحدة، وجاءت الحياة كشيء أعظم وأعمق بكثير من لحظات السعادة الخاطفة، وما على المرء إلا أن يتوقف مَلِيًّا أمام حياته لينظر فيها ويبحث عن مواطن الجمال التي لم يكتشفها بعد.
في النهاية فيلم SOUL هو محاولة جادَّة ومثيرة للاحتفاء بالحياة البسيطة ومحاولة التمتع بها حتى مع وجود شغف ما في حياة الإنسان.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 4,189
هل تخشى الموت؟!ربما، ولكني أقول لكَ إن الحياه جديرة بالخوف أكثر!
link https://ziid.net/?p=96379