الموريتاني والقيمة العربية
لحظة انتهاء الفيلم شعرت بالفزع، وهذا ليس فقط لتجسيد المعاناة من خلال الأداءات التمثيلية والنص المكتوب.. فيلم الموريتاني
لحظة انتهاء الفيلم شعرت بالفزع، وهذا ليس فقط لتجسيد المعاناة من خلال الأداءات التمثيلية والنص المكتوب.. فيلم الموريتاني
add تابِعني remove_red_eye 1,971
في محاولة لتجسيد معاناة شاب موريتاني عربي، يحاول الفيلم تأريخ حياته التي جعلته يقع ضحية الاشتباه بكونه أحد قيادي القاعدة، ومن المسؤولين عن أحداث 11 سبتمبر، وبعد قضائه أكثر من عشرة سنوات محبوسًا قيد التحقيق من دون توجيه اتهام، تجد محامية جريئة طريقها له من أجل الدفاع عنه، فما الذي كان يعانيه طيلة هذه الفترة داخل جوانتاناموا.
لحظة انتهاء الفيلم شعرت بالفزع، وهذا ليس فقط لتجسيد المعاناة من خلال الأداءات التمثيلية والنص المكتوب، بل لكون الضحية يشاركني ذات العرق واللغة، فتخيلت للحظة نفسي مكانه، أفني أكثر من عقد ونصف داخل أحد السجون في مكان ما من العالم، أعيش نفس التعذيب والتهديد، التحرش والقسوة، الضرب والعنف غير المبررين، التلاعب النفسي والصحي الذي سيخضعونني له، وكل هذا لأنني قريب هذا، أو تواصلت مع هذا، فأنزوي مرعوبًا من هذه الفكرة، وكل هذا لأني عربي أتكلم العربية.
فلا ثقافتك أو مدى تفتحك سيحميك من حقيقة كونك مسلمًا عربيًّا، وهنا فقط أستطيع وبعقل كامل أن أوثق أنني وأخيرًا بدأت أتفهم معاناة الأعراق الأخرى في أمريكا، ومهما ادعيت سابقًا فهمي الكامل فالمساحة التي يخضع لها وعيي الآن تفوق بمراحل أي شيء آخر.
يمتلك السيناريو عدة خطوط درامية استطاع معالجتها بشكل جيد، بداية من الخط الدرامي المتعلق بالمحامية [نانسي هولندر] والتي كانت تمثلها الفنانة العظيمة [جودي فوستر]، واستطاعت أداء الشخصية بشكل جيد للغاية، ورغم غياب كتابة جيدة للاضطراب التي تعرضت له في الخارج، لكن استطاع السيناريو نقل الثبات والقوة التي تميزت بها محامية تدافع عن إرهابي في فترة ما بعد أحداث 11 سبتمبر.
لكن على الجانب الآخر كانت كتابة شخصية [ستو كوتش] والتي مثلها [بنديكت كومبرباتش] أفضل من النواحي الكتابية، فبخلاف مكانته العسكرية، فهو يحمل مكانة ودافعًا عاطفيًّا تجاه الضحايا لارتباطه بهم بشكل مباشر، فهو له زميل قد تُوفي في الحادث وهذا طبعًا بخلاف الدافع الوطني والقومي والذي لم يمنعه عنهما غير إيمانه العميق بالعدالة الربانية -كونه كان يتمتع بنسبة كبيرة من التدين- وبحياة الإنسان، واستطاع السيناريو إبراز الأمر بقوة من خلال اتهام رئيسه له بالخيانة لنفسه وللبلد التي يمثلها.
وأخيرًا شخصيتنا الرئيسية وخطها الدرامي المليء بالأسى والوجع، [محمدو] والذي كان يمثله [طاهر رحيم] استطاع التكيف داخل إطار من العزلة النفسية، ومع قليل من الحركة والكادرات السريعة يوضح لنا بعضًا من معاناة [محمدو] داخل غرف التعذيب، لكن الشخصية الرئيسية تتمتع بحوارات دقيقة بشكل أكبر -ربما بغية التركيز عليها وربما لا- فهو يمتلك زميلًا فرنسيًّا كان يتحدث معه حول الإيمان قد شنق نفسه، وحوارات معبرة مع معذبيه وداخل المحاكمة كانت معبرة للغاية.
المخرج هو [كيفين ماكدونالد] والذي قدم لنا أفلام سير ذاتيه ممتازة مثل [Marley] عام 2021، و[The Last King of Scotland] عام 2006، واستطاع ان يحصد العديد من الجوائز خلال مسيرته، وهذا التقديم عن المخرج يقدم لك فكرة بسيطة عن معالجته للأحداث داخل الفيلم، وكيفية رؤيته الشخصية لكل هذه الخطوط الدرامية، والذي -وللأمانة- يظهر تطورا واضحًا في اسلوبه، ومع اختياره طريقةً شبه وثائقية للتصوير، استطاع الارتقاء بالقصة من مجرد “شيء مثير للاهتمام” إلى فيلم يُعتقد أنه سيتواجد على الأقل في موسم الجوائز لهذه السنة.
لكن لا تقف روعة الإخراج عند هذا الحد، فمن خلال خلقه لبيئة متوترة على طول الفيلم، استطاع أيضًا خلق بيئة اقتصادية وبسيطة لسجن غوانتانامو، فمن خلال القماش والقليل من السياج استطاع إعطاء نظرة شديدة القسوة على الحياة داخل هذا السجن المنعزل، واعتقد انه تخيل الأحداث والمساحات داخلها من صور سجن “بو غريب” في العراق.
وبالرغم من كل الفظائع التي ارتكبتها أمريكا داخل السجون للمتهمين في قضايا الإرهاب، إلا أن النظام كاملًا يخضع بشكل كامل لأحكام القضاء، والذي كان [محمدو] نفسه يؤمن به -كما ذكر داخل الفيلم- وبدوره فقد أنصف [محمدو] ومنحه العدالة، وسمح لملفات شديدة السرية بالخروج للعلن، والحرية التي سمحت لهذا الفيلم بالخروج وعدم تعرض أي جهة له هي جهود إنسانية تستحق الذكر، وتستحق منا التفكر لماذا وبالرغم من كل وحشية النظام الأمريكي؛ إلا أننا نشعر بالطمأنينة من نزول المتهم أمام القاضي؛ وهذا لأن العدالة ستحقق مجراها عاجلًا أم آجلًا طالما نتمتع بدولة المؤسسات أو القانون.
وأوجه تحية لفيلم [آدم درايفر] والذي صدر في عام 2019، وكان من بطولة مقاتل سابق بالعراق -أقصد آدم درايفر نفسه- والذي كان يوضح الصعوبات والعقبات التي واجهة الناشطين والمحامين في محاولة لكشف الحقيقة كاملة وإنصاف من تعرضوا للظلم.
add تابِعني remove_red_eye 1,971
زد
زد
اختيارات
معلومات
تواصل
الإبلاغ عن مشكلة جميع الحقوق محفوظة لزد 2014 - 2025 ©
أهلاً ومهلاً!
10 مقالات ستكون كافية لإدهاشك، وبعدها ستحتاج للتسجيل للاستمتاع بتجربة فريدة مع زد مجاناً!
المنزل والأسرة
المال والأعمال
الصحة واللياقة
العلوم والتعليم
الفنون والترفيه
أعمال الإنترنت
السفر والسياحة
الحاسوب والاتصالات
مملكة المطبخ
التسوق والمتاجر
العمل الخيري
الموضة والأزياء
التفضيل
لا تكن مجرد قارئ! close
كن قارئ زد واحصل على محتوى مخصص لك ولاهتماماتك عبر التسجيل مجاناً.
مراجعة ونظرة عربي لفيلم الموريتاني
link https://ziid.net/?p=91000