إسماعيل شموط رسام مذبحة اللد
الفن من الأمور التي تساعدنا على التعبير عن مشاعرنا وتحويلها إلى أمر إيجابي مهما كانت تجاربنا مؤلمة، تمامًا كما حدث مع اسماعيل شموط
add تابِعني remove_red_eye 11,914
عام (1948م) بين يافا والقدس، حدثت مذبحة اللد، أو ما يسمى بدير ياسين، على الرغم أن الأحداث لم تُغطّ إعلاميًّا بما يليق بها إلا أن إسماعيل شموط الفنان التشكيلي الفلسطيني، رسم من ذاكرته، المغروس بها أحداث القتل والترحيل والجوع، الذي مرّ بسكان اللدّ أثناء مسيرتهم خارج المدينة، فشموط نفسه من مواليد اللدّ وكان من ضمن المجموعات التي أجبرها الاحتلال على الرحيل، فرحل شموط مع عائلته المكونة من عشر إخوة، مات واحد منهم في الطريق عطشان.
في لوحته (إلى أين)
يصِف شموط من خلال فرشاته رجل العائلة النحيف، المتعب في طريق الترحيل الطويل من اللد إلى القدس، فعانى الناجون من المذبحة الحر والعطش والتعب، فالجو المكفهر من حولهم ووجوههم المسودّة من حرارة الشمس، والشجرة الجدباء خلفهم التي تنتظر بعض الماء مثل الطفل على كتف الأب، الذي لا طاقة له على البكاء أو استجداء بعض الماء. والصغير الذي ربما يسأل إلى متى ستظل المسيرة.
والأب يمسك بيديه في صمت خوفًا من ضياعه وسط الحشود. ففي رواية أولاد الغيتو، يقول آدم دنون راوي القصة: شعب كامل سيق إلى الذبح، وجدوا أنفسهم يتدافعون في مسيرة الموت، التي أمرتهم بها قوات البالماح التي اجتاحت المدينة، جثث ممزقة علي حيطان جامع دهمش، أشلاء آدمية في الطرقات ، وحيوانات سائبة، وذباب يفترس الأموات والأحياء.
في لوحته (الطريق إلى الإمكان)
يرينا شموط المسيرة الطويلة بين الجبال والأرض القاحلة، قلة الماء التي تسببت في موت الكثير منهم، الصراخ والنوح الذي يمتد من بداية المسيرة لنهايتها، الأم في بداية اللوحة متألمة، تحمل ولديها الاثنين، يلفظان أنفسهم الأخيرة والأب يحتضنها بيأس مسلمًا للقدر ما يحدث. المسيرة تعج بالوجوه التعيسة الشقية، وأطفال وحيدون فقدوا عائلتهم، ورجل يستجدي آخر ليعطيه بعض الماء لينقذ حياة زوجته. ففي ذلك اليوم، أضاع الناس أرواحهم وتحولوا إلى أشلاء بشرية فقدت الحياة.
مسيرة طويلة مشحونة بالإرهاق والقسوة، والعائلات الممزقة. عوالم تتفكك وتتبعثر بفوضى مميتة في كل مكان.
في لوحته الجميلة (شجرة الزيتون)
يرسم العائلة الفلسطينية الكبيرة متعددة الأبناء، فيرسمها شامخة كشجرة بلوط، خلفها أشجار الزيتون التي تميز أرض فلسطين، والجميع يزرع ويحظى بأشعة شمس لطيفة على وجوههم، فالأطفال مبتسمون سعداء، يضجون بالحياة والقوة. فتتحول حياتهم البسيطة إلى جحيم أرضي، أمّ تلفّ ذراعَيها على صِغارها، والحزن يتكلم في عينها، متألمة تحت الإنقاض، تحاول حماية أطفالها الذين يلفظون أنفاسهم الآخرين، وواحد منهم مازال يملكه أمل شاحب بأن النصر قادم.
في لوحاته يصف شموط سمة البطولة التي احتلت أرواح أبناء اللد وفلسطين.
في لوحته (الطريق)
يرسم الآباء والشباب وملامحهم التي تعلوها الجدية، نظرتهم القوية وإصرارهم على الدفاع عن أوطانهم، أغلبهم يحملون البنادق التي اشتروها من أموالهم الخاصة، عندما لم يجدوا من يدعمهم ويساعدهم في الكفاح. ولكن العزيمة تتبدد أمام قوة السلاح الجائر، فيقتل الشجاعة والشباب.
لوحة (رشفة ماء)
حول قبح السلاح الإسرائيلي عوالم الشجاعة المنيرة إلى أرواح معتمة، تقاتل بعض لأجل رشفة ماء، ففي اللوحة، تشرب سيدة بعض الماء ويتهافت عليها الجميع، ورجل يحميها من الجموع الصارخة، التي تجري عليها لتحصل على رشفة تروي عطشهم المجنون.
لوحة (الأمل) الهادئة
نجد السيدات الفلسطينيات الشابات، ينتظرن في مكان مظلم أشبه بالكهف يضيئه شعلة في المنتصف، وفتاة جميلة تنظر للطريق أو العدم، تنتظر والحزن يعلو ملامحها الرقيقة والدموع تملأ عينيها، وكأن ما تنتظره لن يأتي، كأنها تتذكر مَن فقدتهم في الطريق أو تنتظرهم على أمل القدوم. أما الأخريات فهن منفصلات عنها، مستسلمات لأحزانهن الخاصة التي تظهر بوضوح على وجوههن.
ولكننا نأمل أن يأتي اليوم الذي يحظى فيه الشعب الفلسطيني بالحياة الطبيعية التي يستحقها وتتوج البهجة وجوههم بدلًا عن الأسى. ويتحقق ما رسمه شموط في لوحته (الفرحة) وكأنها فرحة نصر منتظر، ترحيب بالحياة المشرقة التي ستنير أرواحهم بعد سنين من العتمة الخانقة.
فنرى الأعلام الفلسطينية تُرفرف وسط الجموع التي احتلت البهجة ملامحهم المنحوتة. ولم يتوقف شموط عن رسم ما حدّث في اللدّ ولا ما يحدث في فلسطين من تغريب وسجن وتشتيت. لم يتوقف عن تخليد المشاعر والحوادث ولم يتوقف أمله عن عودة الربيع الذي كان، إلى الأرض المنهوبة كما رسم في لوحة تحمل نفس الاسم.
توفي شموط عام (2006م) عن عمر (75) عامًا، أرّخ فيهم ما حدث في اللدّ من خلال لوحاته التي امتازت بالبساطة والقوة، فحمي سكان اللد من النسيان ، وجعلنا نشهد بعين مفتوحة عما حدث هناك.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 11,914
إسماعيل شموط رسام مذبحة اللد .. كيف عبر بالفن عن كل ما مرّ به من ألم
link https://ziid.net/?p=65081