مراجعة رواية “في قلبي أنثى عبرية”
لا تجعلي المسلمين ينفرونك من الإسلام فتطبيقهم لتعاليمه متفاوت، لكن انظري في خلق رسول الإسلام وحده ضمن كل البشر خُلُقُه القرآن
add تابِعني remove_red_eye 350
في إصباح يوم الجمعة تمت بحمد الله الرواية التي كنت أطالعها بمسمّى (في قلبي أنثى عبريّة)، عندما بدأتُ شغف القراءة ظننت أني لا أحب الروايات وقد لا أقرأ عنها شيئًا، كنت أنساق حينها لكتب التنمية البشرية والقصص القصيرة حتى صرتُ أنجرّ لواحدة تلو الأخرى رويدًا رويدًا، ومعظمها كان عاطفيًّا، حب عند المرض، حب في الحرب، حب صوّر أبطاله على لوحاتٍ فنيّة ليكونوا ذاكرةً بلا جسد.
و حين استرجعت ما قرأته اكتشفت أن جميعها متفاوتة فيما عدا النهايات، قد تساوَت في منتهى حزين يعلوه أنين الخيانة.. الضعف.. الظروف.. الفقد.. الحيرة والخسارة. ثم عند تصفحي في المكتبات بحثًا عن كتب جديدة ظننت أيضًا حين وقعت عيناي على هذه الرواية أني لا أفضّل مطالعتها بسبب تنوع الأديان والنقاشات الفائضة بها وأنها قد تزعزع إيماني واكتفائي بديني رغم أنه لم يكن وراثة وحفظًا للعهد قط، بل اقتناعًّا تامًّا. لكن كلّما تردّد إلى ناظريّ نفس الكتاب شدّني إليه وكأن غلافه يحدثني قائلًا: سيلامسك شيء غير الذي تحسبينه، فقط اقبلي وافتحيه.
أجبت النداء واستهلَلْت الرواية أخيرًا، كانت مليئة بالأحداث وطويلة، عشتها هذه السّنوات المديدة بحذافيرها، حفظت الأماكن والأسماء، هُيّئت لي قطع الأثاث والملابس والكتب المُختارة، وكذلك إيماءات كلٍّ منهم كيف كانت وبماذا يختلفون مع أنفسهم. مَن الذي اختار الحزن ليكون الرفيق إلى وجهته؟ ومَن كان رفيقه فكرٌ حائرٌ يتساءل حول الكثير دون انضمام رفيقٍ مُجيب، سافرت معهم كل الرّحلات إلى بلدانهم المغايرة.
عرفت قليلًا عن المسيح واليهود مما رويَ دون التعمّقِ والفروقات بينهم ومعتقداتهم العجيبة؛ كأن تُمنع المرأة من إمساك أي كتاب مقدّس طوال حياتها لاعتبار أنها مخلوق نجس، لكني أجد ذلك إيجابيًّا فعدم رؤيتها ما بالكتب المقدّسة قد يفتح مجالًا لبوادر التساؤلات في ذهنها ممّا يجعل دعوتها للإسلام يسيرة، وكيف أنها توارثت الدّيانة طاعةً لآبائها وأجدادها لا غير فترتدّ عن دينها ثمّ يهديها لصِبْغَتِهِ –عَز وجلّ– بإذنه.
وكان هو ذلك محتواها الذي لم أتنبّأ به والذي بدأ في منتصفها تقريبًا، النّصح للمسار المستقيم المعتدل وهو الإسلام، أعجبني كثيرًا أن تلك المسألة لم تكن ظاهرة بل ابتدأت بشكلٍ غير مباشر وواصلت هكذا حتى أسلم الجميع، وكان ذلك يقتصر على قراءتهم الفرقان (القرآن الكريم) مع التفسير لفهم كلّ ما ورد به، وكتاب السّنة النّبويّة لأنه –عليه الصّلاة والسّلام– خَيْر من يقتدى به وخَيْر سفيرٍ لدين الإسلام، وكما قال بطل الرّواية: “لا تجعلي المسلمين ينفرونك من الإسلام فتطبيقهم لتعاليمه متفاوت، لكن انظري في خلق رسول الإسلام وحده ضمن كل البشر خُلُقُه القرآن”.
كان هناك واحدٌ منهم إن تلقّى إجابةً أو قرأ آيةً راوده الشكّ وأصابه الخوف من أن يكون ذلك فعلًا حقيقة بعد نكرانه لها، فيغلق كتاب الله ويحرّك رأسه سريعًا بالنفي وعينيه ممتدة على النافذة منتظرًا علامةً إلهيّة ترشده للصّواب لأنه وبعد أن عَلِم الكثير لم يعد يستطع تجاهل الأمر وكأنه لم يكن، خجله وحسرته كيف أنهم جميعًا على خطأ. كيف ينسى، وآلامه الرّوحية المستجدّة كيف سيتخلّص منها.
قرّر الرحيل وإنهاء الأمر للأبد بُعيد أن لم يحدث شيء ولم يتحرك ساكن، لكن قبل تعدّيه لباب الغرفة خطر بباله فتح الكتاب الكريم مرةً أخيرة..
“فتحه بصفةٍ عشوائيّة، وقرأ الآيات الأولى في الصفحة”: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أًنَّ الله هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ المُتّقِين * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِين * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}
“صعق” وهو يقرؤها مرةً تلو الأخرى شعر بالآيات وكأنما هي تخاطبه وحده، تخيّل أنه بعد معاينته للدلائل والحجج واستنكارها سيحقّ له العذاب، “خرّ مُنهارًا بكل قواه، لا يريد أن يكون ممّن يندمون بعد فوات الأوان، لا يريد التحسّر على ضياع فرصة النّجاة، اللّهم إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبدك ورسولك. وترك العنان لدموعه، تغسل ما مضى من ذنوبه”.
أتفق مع أن أثقل ما على قلب الإنسان النّصح، وإن كنتَ ممّن يتقبلُ فهنيئًا لكَ، لكني لا أنكر بأن وجود النّاصحين من حولنا يساهم في التطوير والقيام بمراجعة ذاتية دوريّة. ما الحلّ إذًا؟ الحل هو محاولة تقبل النصيحة أولاً؛ فهي غالبًا تنفعُ المنصوح وتبيّن له ما إن كان هناك خطب بما هو عليه، ثم إنّ علينا تغيير أسلوب تقديم النصيحة. تُرى ما علاقة هذا الأمر بالرّاوية؟
الرّواية اتخذت أسلوب النصيحة غير المباشرة، وهذا ما جعلني أرجع بحساباتي إلى الوراء وأعيد برمجتها الصّحيحة، أشكر “خولة حمدي” مدوّنة الرواية، على ما سردته لنا وغيّر الكثير بِنا.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 350
قراءة ومراجعة رواية في قلبي أنثى عبرية
link https://ziid.net/?p=67403