كيف أقضي العيد بصحبة روايات سعيدة؟

اقترب عيد الأضحى المبارك، وعادة ما يفضل القرّاء قضاء بعض من وقت العيد بصحبة الكتب والروايات، ونظل نبحث عن روايات ممتعة وسعيدة نوعًا ما لتسلية ذلك الوقت. وبما أن معظم الروايات المؤثرة والمكتوبة بحرفية تكون سوداوية، فقليلًا ما نجد ضالتنا برواية تصلح لوقت خفيف مثل العيد.

أجهدني التفكير في معنى جملة “روايات سعيدة” وتوقفت أنقب عن مضمونها، لأن الرواية هي محاكاة للواقع، والواقع دائمًا ما يدور في سلسلة من التقلبات بين السعادة والحزن وما بينهما من فتور واعتياد الأشياء.

ولذلك فالروايات المذكورة في المقال هي روايات يغلب عليها طابع السعادة والمتعة ولكن ليس السعادة المطلقة لأن الحياة لا تخلو من الأبيض والأسود كليهما، كما أنها تجربة شخصية بحتة، إذ عند قراءتي لهذه الروايات شعرت بخفة وانعزال عن الواقع، واصطحبتني نحو السعادة.

يمكن أن تتفق هذه التجربة مع غيري من القراء أو تختلف، لذا سأترككم مع انطباعي عن هذه الأعمال.

١- رواية فصول الصيف الأربعة

الكاتب: غريغوار دولاكور.

عدد الصفحات: ٢٠٨

صادرة عن: المركز الثقافي العربي.

رواية خفيفة عذبة تتحدث عن أربع قصص مختلفة لأبطال لا يجمع بينهم سوى المكان والزمان، فتلاقت الأحداث في (١٤) يوليو الأخير من القرن العشرين على البحر، تشبه تلك القصص طبقات البطيخ كما في الغلاف وهو تشبيه عظيم بالنسبة لأبطال الرواية والأحداث، وتصميم هذا الغلاف أضفى روح البهجة على الرواية، وتشبيه عناوين الفصول بزهور تدل على ظروف أبطالها. أعطاني هذا التشبيه إحساسًا بالسعادة والخفة. مثل زهرة القرنفل وزهرة الحزنبل، إقحام تلك الأزهار في النص أشعرني بالسعادة.

القصة الأولى ذات الـ ١٥ عامًا: هي الحب الطفولي الأول البريء تنتهي بك لتتساءل هل يبقى الحب الأول أم ستودعه بمرارة؟

والقصة الثانية ذات الـ ٣٥ عامًا: قصة امرأة ليس لها حظ مع الحب سواء مع حبها الأول أو بعد هجران زوجها، فتجعلك خائفًا دائمًا من الوحدة والهجر، تنادي جدران البيت ليؤنسوا وحدتك.

القصة الثالثة ذات الـ ٥٥ عامًا: قصة حب لامرأة تتمرد على واقعها بعد بلوغها ذلك السن وترفض وداع الشباب بعد أن سأمت زوجها وشعرت أنه لابد أن تعيش قصة حب أخرى مختلفة، في نظري تلك القصة أقلهم شيوعًا في واقعنا لأن الكثير من الناس يصل بهم الحال لذلك بعد سنوات من الحب وتبقيهم الذكريات وحسن العشرة، ولكن الكاتب أراد أن يوضح مدى حاجة الإنسان أن يكون مرغوبًا ومحبوبًا حتى لو تقدم به العمر.. فهل ستصارح زوجها بمشاعرها وتتركه أم ستكمل معه؟

القصة الرابعة ذات الـ ٧٥ عامًا: قصة حب برائحة الحرب والرماد، قصة وُلِدت عقب موت أغلى البشر على قلب البطلين أثناء حرب فرنسا مع ألمانيا، نعرف منهم أحداثًا عابرة عن الحرب وكيف أنهما أكملا قصة حبهما حتى بلغا من العمر عتيًا ولم يفرقهما شيء حتى الموت.

ثم تتقاطع الفصول الأربعة لنجد أن كل قصة منهم لوَّحت للأخرى من بعيد، في نهاية رائعة تجعلك تهيم حبًّا بصفحات الرواية. كما أن أسلوب الكاتب رائع واستطاع سبر أغوار النفس البشرية ببراعة.

رواية رومانسية مختلفة عن معظم ما قرأته في ذلك النوع من الأدب. اقتباس:”إنّها دومًا الحكاية ذاتها، في زمن الحرب كما في زمن السلم، في الصيف كما في الشتاء، حاجة المرء هذه لئلا يكون وحيدًا. هذه الشهية لأنْ يكون محبوبًا.”

التقييم : ٤ نجوم.

٢- رواية كافكا على الشاطئ

الكاتب: هاروكي موراكامي.

عدد الصفحات: ٦٧٢

صادرة عن: المركز الثقافي العربي.

يصطحبنا موراكامي في عالمه المجنون برواية سيريالة غريبة ومحيرة لأبعد مدى، مليئة بالخيالات و ثلاثي الأشياء اللطيفة ألا و هو عالم الموسيقى والقطط والأكلات اليابانية، وهذا الثلاثي هو سمة مميزة في كل روايات موراكامي.

نعيش فيها مع سمك يسقط من السماء، ورجل يقتل القطط ويجمع أرواحها ليصنع منها آلة موسيقية، ومفهوم معنوي يتجسد في شخص ما، وجنود يعيشون في الغابة منذ الحرب العالمية، ورجل عجوز يجيد محادثة القطط بعد حادث تعرض له في طفولته أفقده القدرة على القراءة والكتابة والبعض من قدراته العقلية وأصبح تائهًا يبحث عن نصف ظله المفقود،

كلها أشياء خيالية ولكن مع موراكامي ستصدقها وتعيش معها على أنها واقع، نعيش مغامرة لطيفة مع مراهق قرر الاستقلال عن والده والهرب ليحيا الحياة التي اختارها لنفسه، وكيف حلت عليه لعنة ما لا يستطيع الفرار منها.

ربما تظن أن هذه الخيالات موجهة للأطفال ولكن ذلك غير حقيقي لأن الرواية تنطوي على تساؤلات وجمل فلسفية وأزمات وجودية عظيمة، كما أن الكاتب لا يلقي بالأفكار الفلسفية عليك دفعة واحدة بأسلوب تقريري مباشر، وإنما يقولها بحكمة على لسان الشخصيات الروائية في سياق القصة فلا يفصلك عن عالم الرواية وفي نفس الوقت يجعلك تفكر وتتأمل في كل شيء في الكون، وفي نفسك، مخاوفك، محاولات تغيير الواقع، وتقبل الحقيقة من أجل العيش بهدوء، وضرورة النظر للأمور بأفق واسع متسامح، والقدرة على تحمل الأشياء والسلام النفسي وهذا معنى أن يكون الإنسان قويًّا.

يتحدث عن فلسفة المعنى ونظرتنا للأمور وضرورة أن نرى الأشياء بأعيننا نحن وليس عيون الآخرين، يتحدث أيضًا عن القدر ويطرح مشكلة حرية الإرادة في اختيار مسار حياتنا وهويتنا وهل يختار المرء قدَره أم أن القدَر يختار المرء؟ وهل نحن أحرار حقًّا أم أن الحرية مجرد وهم؟ ومدى تأثير سخرية القدر على عمق الشخصية ونضجها. عن الحرب وتجمع الناس لإبادة بعضهم وما الدافع خلف الحرب؟ أهو الخوف أم الغضب أم هو مظهر من الروح نفسها؟

والممتع أيضًا بشكل ملحوظ بالنسبة لقارئ نَهِمٍ هو التحدث بكثرة عن القراءة والكتب والعيش بين أرفف المكتبة. من مميزات أسلوب موراكامي السلاسة الشديدة فهو يجيد وصف الأشياء البسيطة بطريقة احترافية تجعلك لا تمل أبدًا من السرد. اقتباس:” كانت المكتبة بمثابة بيتي الثاني. أو لعلها كانت بيتي الحقيقي أكثر من المكان الذي عشت فيه.

التقييم: ٥ نجوم.

٣- رواية صاحب الظل الطويل

الكاتب: جين ويبستر.

عدد الصفحات: ٢٣٣

صادرة عن: منشورات تكوين، دار الرافدين.

رواية بنكهة الطفولة والمرح عبارة عن فيض هائل من الرقة والبراءة التي تحملك إلى عالم مليء بالنقاء والخفة. هل حاولت يومًا أن تحب الحياة؟ تتصالح معها ومع نفسك وتؤمن أن السعادة خيار لا بد أن يكون من ضمن حساباتك بل وفي مقدمتها.

نذهب في رحلة سعيدة ولطيفة مع” جودي آبوت” الفتاة التي تعيش في دار أيتام وكانت تظن أنها ستظل وحيدة بعيدة عن العالم الخارجي وأن حياتها ستظل رتيبة، إلى أن يقرر أحد الأوصياء المساعدين للدار أن يرسلها للدراسة في الجامعة، بعد أن لاحظ موهبتها الفريدة في الكتابة، فطلب منها بطريقة غير مباشرة عبر مديرة الدار أن تكتب له رسائل باستمرار وترسلها إلى سكرتيره الخاص ليوصلها له، إذ أن ذلك الرجل رفض ذكر اسمه، وهي لا تعرف عنه شيئًا سوى أنه:

-غني.

-يكره الفتيات.

-طويل الظل.

فقررت الفتاة أن تكتب له الرسائل باسم: (صاحب الظل الطويل). ومن هنا تبدأ الحكايات اللطيفة في رواية تغزوها العذوبة واللطف، وتبدأ رسائل الفتاة إلى صاحب الظل الطويل تخبره عن حياتها الجامعية الجديدة، ويومياتها الممتعة، ومحاولاتها في حب الحياة والتصالح معها، وامتنانها له بتلك الفرصة الرائعة لتكتشف العالم من حولها،

ستعود معها إلى طفولتك وروحك البريئة التي تخطو أولى خطواتها لاكتشاف الحياة. وضرورة أن يستمتع المرء بلحظاته الحاضرة دون القلق من المستقبل أو الندم على الماضي. وأن يأخذ الإنسان سعادته من أبسط الأشياء فالأشياء الصغيرة قد تصنع الكثير من البهجة. كانت تضيف لمحات خاطفة من الفلسفة على رسائلها مما جعلت النصوص أكثر حكمة.

الرواية تم تحويلها لفيلم كارتون للأطفال وعروض مسرحية لطيفة. وصدر منها جزء ثانٍ وهو (عدوي اللدود)

اقتباس: “ليست المتع الكبيرة الهائلة هي التي تهم، بل صنع الكثير منها من متع صغيرة. لقد اكتشفت السر الحقيقي للسعادة ياعزيزي، ويكمن هذا في أن تعيش اللحظة. وألا تتحسر على الماضي على الدوام، أو تفكر في المستقبل، بل أن تحصل على أكبر قدر من هذه اللحظة.”

التقييم: ٤ نجوم.