الحب وتصويره في اللوحات
أهدي هذا المقال لمن جعل الحب يتخلل هشاشته ليقويها، لمن جعل الحب حياة والتعبير عنه هدفًا ووسيلة.. اقرأ اللوحات معي وعش شجاعًا
add تابِعني remove_red_eye 8,975
دائما ما تحيرنا مسألة المشاعر الإنسانية، فنحن نظن أن المشاعر الإنسانية محدودة جدًّا، ولكننا أحيانًا نشعر أن شعورنا غير مفهوم بالكامل وأننا لا ندرى ما نريد بعض الوقت. في كتاب “إنسان بعد التحديث” للدكتور “شريف عرفة” يصف لنا الباحث كيف أننا يمكننا أن نشعر بكمّ من المشاعر العديدة في نفس الوقت، حتى تعجز اللغة واللسان عن التعبير عن تلك الكتل الشعورية التي تصيبنا.
تلك هي المشاعر.. نحن نحاول أن نستكشف الفضاء، المحيطات، جوف الأرض والكهوف المنسية، الغابات والقبائل المنفية بعيدًا عن البشرية، ولكننا لا نحاول أن نستكشف بداخلنا، وإن حاولنا فكل مرة نكتشف المزيد الذي يجعلنا نحن أنفسنا من أكبر الألغاز المحيرة. فنحن كبشر لسنا كلنا بنفس العقل والاستيعاب، فالبيئة والمجتمع والظروف أيا ما كانت مادية أو اجتماعية أو حتى بيئية، فهي تؤثر فينا وفي نظرتنا للحياة كما تؤثر في بصمتنا التي نتركها في الآخرين، لذا فنحن فئة تصعب دراستها والنظر في تصرفاتها ووضع قوانين تحدد كيفية التعامل معها أو لماذا تتصرف بتلك الطريقة.
ماذا عن الحب؟ عندما قلت لأمي منذ فترة، لن أتزوج شخصًا لا أحبه، سألتني ما الحب بالنسبة لك؟ كيف ستعرفين أن هذا الحب هو الذي سيؤسس حياتك؟ ولم أستطع الإجابة، فالحب بالنسبة لي شعور مبهم تختلط فيه أمومتي بشعور بالحنين مع القليل من الفخر المشتبك بالتضحية، بالنسبة لي: أن أحب يعني أن أحتوي، أتفاهم وأغير وأقدر وأشجع وستصل معي أحيانًا أن أكون أُمًّا ثانية تقلق وتبهت حين تسمع سعالك من الغرفة المجاورة.
بالله كيف سأصف هذا في كلمة أو أصيغه في موقف نتناظر فيه كأننا نتنافس على انتخابات لدولة غير مرئية على خريطة العالم؟
عندما ذهبت لأحكي لصديقة، وجدتها تقول الحب هو شركة يجب أن يكون رأس مالها الصبر والأموال الكافية، هناك صديقة أخرى أنكرت وجود الحب، شارحة وجهة نظرها أن الزواج هو مؤسسة تسير وفق خطة ومع الوقت ستعتاد الشريك لأنه سيصبح بحكم العادة والعقد .. دائم الوجود حولك.
صديقي الثالث ذكرني بالفنانة “شيرين عبد الوهاب” لأنه -تقريبًا- قال ما قالته هي منذ عدة سنوات بعد الطلاق: كلما أعطاني شريكي حنانًا سأعطيه أضعافًا، كلما بخل عليّ فلن يجدني أعطيه حتى كسرة خبز. فالحب هو الأخذ والعطاء وليس طريقًا واحدًا إنما هو طريق بوجهين ووجهتين. “لقد صار لدينا تاريخ مشترك، يمكننا النظر إلى الماضي ورواية أحداث الأيام التي عشناها معًا، وحساب الأحزان والأفراح، هكذا يصنع الحب، دون تسرع.. ويومًا بيوم”. جزيرة تحت البحر لـ إيزابيل الليندي
حسنًا، كيف صور الفنانون الحب في لوحاتهم؟ نعلم أن الفن ليس لوحات فقط، مقطوعات موسيقية وأشعار وكتب تصبح مع الوقت كتبًا للتراث تُخلد الحب كـ”الكوميديا الإلهية” التي كتبها “دانتي أليجيري” والتي صورها ملاكًا يقابله في آخر رحلته من الجحيم وحتى السماء العليا.
ندرك جميعنا أن الفن هو ترجمة لما نشعر به، فيخرج منا في رسمة أو مقطوعة أو حتى مجموعة من الكلمات تصطف جنبًا إلى جنب محدثة شعورًا يجري في دمك يجعلك تحسد الكاتب على قلمه.
اليوم نتحدث عن نوع واحد من الفن.. وطبعا في إيجاز شديد جدًّا، نذكر كيف صورت بعض اللوحات الحب بالألوان أو أوضاع المحبين أو حتى في طريقة تعبير الوجوه المرسومة. الفن المرئي كاللوحات هو فن لا تجيده كل يد أو كل روح.
هناك رسامون قد اتخذوا من وجوه زوجاتهم كمصدر للإلهام .. ففي كتاب “يوميات عبقري” للرسام السيريالي الشهير “دالي”، قام في معظم يومياته بإيضاح أنه لولا حبيبته وزوجته لما كان سيستطيع أن يبدع تلك اللوحات، وأنه يمتن لوجودها كل يوم بالقرب منه تقبله وتشجعه وتكون مصدر إلهام نادر لا وجود له إلا في حوزة دالي المحظوظ.
لدينا الكثير والكثير من تلك اللوحات التي تناولت الحب، تناولته بكل ما تحمله اللوحة من ضربة فرشاة، كما أن هناك لوحات تناوبت مواضيع أخرى. تعالوا معي لنرى لوحة أو اثنتين لنحتفي بإنسانيتنا التي إنْ فَنِيت فسيكون فخرًا لها أنها حاولت تهذيب نفسها بالفن والعلم والأدب وحاولت أن تصنع ما يجعلنا نسمو فوق قسوتنا التي تزداد كلما زاد الجهل.
لوحة”WALK” لـ “Mark Chagall”
سأصف لك اللوحة، ولو أنه من الأفضل أن تقوم بالبحث عنها لترى مدى الحب وتصويره الجميل. من كان موضوع اللوحة؟ هو نفسه “مارك زاغاروفيتش شاغال” وزوجته الأولى التي أحبها حبًّا جمًّاً “بيلا روزنفيلد”. تصور اللوحة مارك وهو على الأرض ثابت عليها، ممسك بيد “بيلا” التي تطير في الهواء.. نعم كأنها بالون وهو الخيط الذي يمسكها بالأرض! كانت اللوحة تشرح مدى حبه لها مهما كانت بعيدة أو غير متواجدة.. كانت تصور أيضًا الحب الذي لا تفرقه المسافات حتى لو كانت تلك المسافة هي الأرض والسماء! كانت “بيلا” هي موضوع أكثر اللوحات الخاصة بمارك، كانت إلهامه وحبه وعمله وهي الخيط الذي ربط أعماله بالنجاح.
لوحة”The Lovers” لـ”Reneَ Magritte”
العاشقان لـ”رينيه ماجريت”، تلك اللوحة الغامضة والشاعرية في الوقت نفسه، سأصف لكم اللوحة، عاشقان في وضع متقارب للغاية، يتبادلان القبلات ولكن يضعان قلنسوات على وجههما، تلك الميزة التي كانت علامة فارقة في مجموعة لوحات من لوحات ماجريت.. هناك العديد من اللوحات له لأشخاص يضعون قلنسوات وهناك أكثر من تفسير ولم أستطع أن أتبين أيًّا منهما الحقيقي أكثر، ولكن من وجه المنطق أن نعتقد أن كل ما يحدث في حياتنا نخرجه بأشكال كثيرة.. كتصرف أو كقصيدة أو كرقص أو غناء أو بكاء أو حتى انعزال.
يقال أن ماجريت ولوحاته السيريالية ذات القلنسوات ترجع للغموض والتعبير عن الانعزال والغربة والشعور بالوحدة. وهناك من يقول إن أمّه عندما قامت بالانتحار في نهر “Sambre River”، كانت ترتدي وشاحًا والذي كان ملتفا على وجهها عندما استطاعوا إخراج الجثمان من النهر، ولذلك فذلك الوشاح كان له تأثير على ما أتى لاحقًا في مستقبل ابنها السيريالي البديع.
أيًّا ما يكن السبب، فقرب الوجعين رغم وجود حاجز تلك الأقمشة التي تلفهما، ولكن الحب بادٍ وظاهر، وكأنه رغم أن كلّا منهما داخل قلنسوة في فقاعة، ولكن الحب يصل ويعبر الحواجز! “كل ما نراه يخفي ضمنه شيئًا آخر، ودائمًا ما نهتم بالمخفي فيما نراه”. رينيه ماجريت
لوحة” The Kiss” لـ”Edvard Munch”
مونش، العبقري الذي يجعلك تفهم فقط من مجرد النظرة الأولى للوحة، تتبين المراد وتتبين ضربات فرشته المميزة أيًّا ما كانت اللوحة. تصور اللوحة عاشقين يتحدان في جسد واحد، قبلة طويلة تجمع الجسدين والوجهين في وجه واحد، فبالنظرة الأولى، يبدو أنهما جسدان يحاولان التداخل والاندماج فقط من أجل قبلة. الحب يتجسد في تلك القبلات والألوان الهادئة .. ذلك الاندماج الذي يحدث بجانب نافذة لا يبدو أن أحدًا بالخارج يعبأ بمن هم في الداخل ولا يبدو من العاشقين أن يحاولا أن يقفا أمام النافذة، بل ينسون العالم ويندمجا سويًّا في لوحة تصور أن الحب هو أن تصبح جزءًا من الآخر.. دون الحاجة للتفكير، فالحب يحكم.
اللوحة الأخيرة وهي حسن الختام، اللوحة التي أبهرت الناس بوضعية أبطالها، تلك الوضعية التي تحمل كامل الاحتواء، كامل الحنان والقبلة التي لا تمثل أي شيء من وضع العاشقين، كأب يحيط ابنته، كحبيب يحمي حبه، كحنون يعطي الحنان في وضعية.. تلك اللوحة هي “The Kiss” لـ” Gustav Klimt”
هل تدرك ما أتحدث عنه الآن؟ اللون الذهبي، لون السطوع والازدهار، ذلك اللون الزاهي المندمج مع الرجل الذي يمسك وجه المرأة ليقبلها بكل شغف ولياقة. كليمت قد صور الحب والحياة والموت، قام كليمت باستخدام الألوان لتجده في التعبير، كسر الكثير من قواعد عصره، والأهم أنه استطاع أن يصور الحب في عصر لم يكن من المسموح التعبير فيه بحرية، على الأقل الآن يعرف الكثير من سكان الكوكب عن ذلك الرسام الذي جعل من الذهب حبًّا، وجعل من العشاق ملوكًا.
الحب يكمن فينا ولكن التعبير عنه يستلزم طاقة وصبر وشجاعة، فأنت كمحب أو كمصور للحب لن تستطيع أن تقول أحبك أو حتى أن تصور الحب دون أن تكون شجاعًا.. فهل أنت شجاع قارئي الصبور؟
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 8,975
مقال يناقش اللوحات التي رسمت الحب وعبرت عنه
link https://ziid.net/?p=74643