فيلم سينمائي يستحق المشاهدة
بعض الأفلام تثير قضايا مهمة في حياتنا، تنبه لوجود خطأ ما يحتاج أن ننتبه له. تعلمنا دروس مهمة وتفتح أعيننا على أمور منسية
add تابِعني remove_red_eye 6,276
فيلم الأب من بطولة أنتوني هوبكنز يحكي قصة رجل مسن من ويلز يعاني من فقدان الذاكرة المتطور أو الخرف. مدة الفيلم 97 دقيقة، يعيشها المشاهد وهو يتابع أحداث الفيلم التي تشده حتى النهاية. ما الذي يحدث بالضبط؟ يعيش المشاهد مشاعر الحيرة التي يعيشها بطل الفيلم الذي تختلط عليه الأمور من اللحظة الأولى. من هم الذين يريدون دفعه للخروج من شقته، فهو يعلن بحزم أنه لن يغادر شقته. لنراه في مشاهد أخرى في شقة مختلفة عن السابقة. يعاني من الارتباك وهو لا يتعرف على الأشخاص، من هذا الجالس على المقعد في شقته.
يشعر بالغضب عندما يلاحظ قطع أثاث لا يتعرف عليها ويستغرب كيف تغير ابنته أثاث الشقة دون أن تخبره. الفيلم ببساطة يضع المشاهد في ذهن الشخص الذي يفقد ذاكرته تدريجيًّا، يجد المشاهد نفسه يشعر بالحيرة والارتباك أيضًا كما يحدث لبطل الفيلم.
فيلم الأب The Father
يقدم الفيلم صورة تعاطفيه للمصاب بالخرف. كيف تكون الحياة بعيون وذهن ذلك المصاب الذي لا يفهم ما يدور من حوله. تقديم نظرة دقيقة ترسم زحف أعراض الخرف والأضرار التي تلحق بمن هم على مقربة من المصاب. فالمشاهد يرى ملامح الحزن الشديد والحيرة على وجه ابنته وهي لا تفهم ما يحدث لوالدها، ولا تدري كيف تتعامل مع تلك التغيرات التي تصيبه، وذلك العناد.
لا يحاول الفيلم أن يصف لنا ما يشعره المريض، بل يقوم بأكثر من ذلك، فيجعلنا نعيش داخل ذهن المصاب، فنصاب بحيرته، ونشعر بغضبه لعدم فهمه لما يحدث. فهو ينسى الوجوه، فيسأل ابنته بحيرة عمن تكون؟
يعيش المشاهد الأحداث كما يراها المريض. كيف يظن أنه مرّ بموقف معين، ثم يكتشف المشاهد عدم حدوث ذلك الموقف. ربما كانت ذكرى من الماضي. وهكذا يعيش المشاهد شعور مشابه لشعور الشخصية التي تكتشف بعد كل موقف أنها تفقد الذاكرة. فيحصل بطل الفيلم على تعاطف المشاهد عبر لقطات متتالية تتميز بأداء ممتاز بشكل مذهل ومفجع.
نرى التخبط الذي يقع به بطل الفيلم وهو يسأل عن ابنته الأخرى التي يشتاق لها ويستغرب لم لا تزوره، ونفهم من إجابات ابنته والحزن الذي يرتسم على ملامحها أن أختها أصيبت بحادث، لكنه لا يتذكر ذلك. ينسى دومًا أين وضع ساعة يده، فيبحث عنها ويشعر أن هناك من سرقها، لكن ابنته تكتشف أنه وضعها في ذات المكان الذي اعتاد أن يضعها فيه. ابنته لا تفهم تصرفات والدها الغريبة. تظل تلك الساعة التي نراه يبحث عنها وكأنها رمز للزمن الذي يضيع من يديه ومحاولته البائسة للإمساك به.
إنها فوضى وانهيار الذاكرة. والشعور بالعجز عن التفريق بين الماضي والحاضر. ويشارك المشاهد بطل الفيلم مشاعر الحيرة والارتباك حتى تلك اللحظة التي يصل فيها الممثل إلى مرحلة من الأداء المذهل والمؤلم وهو ينهار باكيًا كطفل فقد أمه وهو لا يعرف أين هو.
برع الممثل برسم الصورة الداخلية للشخصية وما تعانيه مع حضور مستمر لساعة اليد التي يحرص على لبسها لكنها تضيع ولا يدري أين هي كالزمن الذي يتبدد في ذهنه. لن تشعر بالملل وأنت تشاهد الفيلم رغم محدودية المكان فأنت في حالة ارتباك وذهول وتعاطف كبير. الممرضة تحتضن العجوز أنتوني في نهاية الفيلم وتقول له إن كل شيء سيكون على ما يرام، فيهدأ كطفل تحتضنه أمه فيشعر بالهدوء.
تدور أحداث الفيلم عن الأب أنتوني المسن والذي يرفض الاعتراف بتقدمه بالعمر وحاجته لممرضه تعتني به في حالة غياب ابنته. وصعوبة أن يعيش بشقته الفاخرة وحيدًا. هو يرفض المساعدات والاقتراحات التي تقدمها له ابنته.
ابنته تعيش مشاعر الحيرة بين مسؤوليتها تجاه أب يحتاج للعناية ويتوقع أن تستمر بتقديم العناية له، واستكمال حياتها خاصة وهي ستغادر البلاد لتعيش في فرنسا وشعورها القوي بالشفقة تجاه والدها.
الفيلم ليس قصة عادية عن مسن مصاب بالخرف، بل تجربة تدعو المشاهد ليعيش للحظات داخل ذهن رجل يعاني ولا يفهم ما يدور من حوله ويعجز عن تفسير التناقضات التي يراها، وهو لا يميز المكان ولا الوجوه، وينسى أحداث حدثت من لحظات، وكيف يمكن لرفض المساعدة أن يتسبب بتمزق عاطفي لمن هم أقرب الناس إليه. استطاع الفيلم بنجاح اختراق عواطف المشاهد وجعله يعيش تجربة المصاب بالخرف. لأنه يجد نفسه داخل رأس الشخصية. يرى كل شيء بعين الشخصية وتفسيراتها ويتبنى مواقفها.
مع من ستتعاطف؟ مع المصاب بالخرف الذي يريد العيش في شقته ويرفض أن تأتي من تساعده وتهتم به، ويرفض الانتقال لبيت ابنته وبعده الانتقال لدار للمسنين، أم تتعاطف مع ابنته التي مزقتها الحيرة.
الفوز بالجائزة
الممثل أنتوني هوبكنز فاز بجائزة أوسكار أفضل ممثل في حفل توزيع جوائز الأوسكار رقم 93 في لوس انجلوس. عمره 83 عام. الفيلم من إخراج الروائي والكاتب المسرحي الفرنسي فلوريان زيلر. الفيلم المأخوذ عن مسرحية الأب التي صدرت عام 2012، أيضا حاز على أوسكار أفضل سيناريو مأخوذ عن عمل أدبي. الفيلم إنتاج فرنسي بريطاني مشترك، وهو من بطولة: أنتوني هوبكنز، وأوليفيا كولمان، ومارك جاتيس.
أسئلة يثيرها الفيلم
عندما انتهى الفيلم وأُضيئت الأنوار في صالة السينما لاحظت أن من حضروا الفيلم في حالة ذهول. لم يقف أحد منهم للخروج كما يحدث عادة عندما يقف البعض للخروج بمجرد فهمهم أن الفيلم وصل لنهايته. اتفهم المشاعر التي اجتاحتهم جميعًا. الفيلم صرخة غير عادية للجميع، لأولئك الذين يسكن معهم في البيت شخص مسن. فقد يكون الفيلم نبههم لفهم ما يحدث. وربما هو تنبيه لما سيحدث.
سألت نفسي: ماذا عن دور المسنين في بلادنا؟ الثقافة عندنا تعيب من يضع المسن هناك، وتصور الحياة هناك جحيمًا وتعرض المسن للإهمال والقسوة. فهل المسن بين أهله يحظى بما يحتاج من تفهم واهتمام، خاصة مع بدء انقراض العائلة الكبيرة التي يعيش فيها أجيال مختلفة. مع الإيقاع السريع للحياة التي نعيشها هل سيحظى كل مسن بمن سيتفرغ للعناية به من الأهل ولا نحتاج للاهتمام بتلك الدور التي يتلقى فيها المسنون الرعاية والاهتمام؟ وهل من يقدم الرعاية للمسنّ يشبه الممرضة الرائعة بتعاطفها وتفهمهما في الفيلم والتي يظن بطل الفيلم في بعض المشاهد أنها ابنته الثانية؟
وبالعودة لأحداث الفيلم، من القسوة إرغام المسن على ترك شقته التي اعتاد عليها، لكن رفضه لتلقي المساعدة يجعل الأمور صعبة. هل تستحق ابنته أن نلومها لأنها اختارت أن تضع والدها في دار للمسنين بدلًا من ضياع فرصتها في العيش مع من تحب في فرنسا؟
ما أصعب الإجابة!
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 6,276
مراجعة فيلم The father
link https://ziid.net/?p=85104