رحلة التخلص من الذكاء (مراجعة رواية “كيف أصبحت غبيًّا”)
حين يصبح الوعي قاتلا، وحين يصبح التفكير الزائد سببًا للاكتئاب،فقد حان الوقت لتخرج في رحلة للتخلص من ذكائك واكتساب الطمأنينة.
add تابِعني remove_red_eye 13,593
مارتن باج، كاتب فرنسي، مؤلف روايتنا الفلسفية الساخرة “كيف أصبحت غبيا” التي فازت بجائزة أدب المدارس.
هل سيكون المرء أكثر سعادة إذا تخلى عن الذكاء و تحلَّى ببعض الغباء؟
تحكي الرواية قصة شاب مثقف واعٍ، حاصل على عدة شهادات، ينظر إلى الأمور بعمق بينما يمرُّ عليها الآخرون بسطحية، يحلل الأفكار حتى يتحلل الشعور فيه، كان نظرته هذه مصدر شقاء، إذ إن مجموع الأفكار والمشاكل التي يخُمِّنها لم تجعل منه سوى شابٍ حزينٍ شقيٍّ لا يأبه العالم به، كان “أنطوان” ذلك النوع من الناس -الذين نادرا ما نصادفهم- لا يغيب ضميره عن أيّ عمل يقوم به، لا يشتري من شركة تستغل عمالة الأطفال، ويرى بداية اليوم مصيبة تذكره بمعاناة أطفال أفريقيا.
كان يظن أن حزنه ينبع من عمق تفكيره وتحليله للأمور وكثرة إدراكه، امتلاكه لشخصية إنسانية كلَّفه ذلك غاليًا حتى إنه أحيانا يبيت جائعًا إذا كلَّفه الأمر ألا يشتري شيئا تُستغَّل فيه عمالة الأطفال.
دفع ذلك “أنطوان” أن يعيش حياته كشخص غبيّ تافِهٍ، أن ينجرف مع التيار وأن يكون واحدًا من القطيع، أراد أن يحظى حياة اجتماعية بعيدًا عن كل ما يعرفه عن البشر حيث قال: “يكفي من حدة النظر التي منحته صورة رديئة عن العلاقات الاجتماعية، يريد أن يعيش لا أن يعرف حقيقة الناس، أن يعيش فقط”. الطابع الغريب في الرواية أن في كل محاولة لأنطوان أن يصبح غبيًّا يستخدم طريقة ذكية، وكأنه لا مفرّ منه إلا إليه.. حيث كان يقرأ ويبحث وينضم لدورات تعليمية ليتقن السكر والانتحار، لكن انتهى به المطاف لأن يكون سكيرًا بين ثنايا المشفى، وتراجع عن الانتحار لأنه إن لم يكن يريد الحياة، فلا يريد أن يموت، كان يريد أن يعيش، أن يعيش سعيدًا بلا تعقيد ولا تفكير.
هل ما زلت إنسان الغاب؟ خلاصة كتاب إنسان بعد التحديث
هناك 9 أنواع من الذكاء.. حدد الأنواع التي تمتلكها
ويرى الكاتب أن الذكاء ميزة يتقاسمها الناس دون طبقية أو تمييز. إذ إن الأستاذ والصياد والكاتب وضارب آلة الكتابة، كلهم مشاركون في الذكاء ذاته، وأن الشهادة ليست معيارًا للذكاء. فقد نجد مجموعة من الراشدين، الأذكياء والعقلاء دون شهادة، فشهادتهم مكتسبة من مدارس الحياة لا من مدارس العلم، ودعّم وجهة نظره باقتباس يقوله مايكل هير: “إن غباء المرء لا ينبع من افتقاره للذكاء، وإنما من غياب شجاعتهم”. كان يعتقد أنطوان أن نزاهته الفكرية تمنعه من الانخراط في المجتمع وتكوين علاقات، إذ كان كنقطة زيت في إناء ماء، منعزل عن العالم رغم انغماسه فيه.
بعد كل هذا، قرر أنطوان أن ينوِّم ضميره ويبدأ حياة المهزلة، ذهب إلى الطبيب ليعطيه أقراصا مهدئة تمنعه كثرة التفكير ثم يصبح سمسارا بفضل صديق قديم، حقق أنطوان ثروة كبيرة، إلا أن أنطوان لا يستطيع إلا أن يكون أنطوان بكثير من الذكاء والتحليلات الكثيرة والأفكار العميقة.
كان على أنطوان أن يستمتع بالحياة بطريقته ذاتها، لم يكن عليه أن يتخلى عن شخصيته فلن يناسبه دور آخر، أن يندمج بالحياة ويمتلك -مع نزاهته الفكرية- ذكاءً اجتماعيًّا كي لا ينجرف مع تيار الغباء.
سعدت بالرواية كثيرًا، كانت تحكي عن كثير من الأشخاص اللامنتميين، الذين وجدوا أنفسهم غرباء، مهمشين عن الحياة فقط لأنهم تعمقوا أكثر من اللازم، وفكروا أكثر مما يجب دون أن يملكوا بوصلة لكي يترجموا ذكاءهم ليصبح مصدر سعادة لا مصدر شقاء.. تعلمك الرواية الثبات على مبادئك والتوازن بالحياة، إصرارك على هدفك بغض النظر عن تيار الغباء، كانت حكاية الضمير الحي، أحببت شخصية أنطوان في ذلك كثيرًا..
اسم الكتاب: كيف أصبح غبيًّا.
اسم الكاتب: مارتن باج.
دار النشر المترجمة: المركز الثقافي العربي.
عدد الصفحات: 160 صفحة.
add تابِعني remove_red_eye 13,593
مراجعة لرواية كيف أصبحت غبيًّا
link https://ziid.net/?p=59852