فرط التذكر: هل هو نعمة أم نقمة؟ 

هل تتذكر الطعام الذي تناولته على وجبة العشاء في مثل هذا اليوم قبل عامين؟ حسنًا، أتفق معك، السؤال صعب. إذًا، ماذا تناولت على الغذاء منذ أسبوعين؟ هل أُصبت بالإحباط من هذه الأسئلة؟ لا بأس يا صديقي، أهنئك أنت إنسان طبيعي!

معظمنا لا يستطيع تذكر مثل هذه الأشياء الدقيقة، وهذا هو الطبيعي، لكن هناك حالات نادرة يستطيع أصحابها الإجابة على الأسئلة السابقة بالتفاصيل الدقيقة. هؤلاء يعانون من حالة تسمى متلازمة فرط التذكر والتي غالبًا ما يُشار إليها “ذاكرة السيرة الذاتية فائقة الجودة (HSAM)”.

جيل برايس.. المرأة ذات الذاكرة الحديدية

هي امرأة أمريكية تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من متلازمة فرط التذكر، درس حالتها علماء البيولوجيا العصبية من جامعة كاليفورنيا ووصفوا حالتها بمصطلح فرط التذكر “hyperthymesia”، وذلك بعد عدد من الاختبارات المكثفة التي أثبتت قدرة جيل على تذكر التفاصيل الدقيقة للأحداث التي مرت عليها في أيامٍ محددة، قد تكون هذه الأيام منذ أسابيع أو شهور أو سنين. لقد استطاعت أن تتذكر كل هذا رغم البعد الزمني الكبير، إنه لأمر مذهل!

حتى وقتنا هذا، لم يستطيع الأطباء والعلماء العثور على الكثير من هؤلاء الأشخاص بنفس الحالة، فهذا سيُساعدهم على معرفة المزيد عن الذاكرة في أدمغتنا، مما يمهد الطريق فيما بعد لمساعدة الذين يعانون من ضعف الذاكرة أو فقدانها أو الإصابات المؤثرة على الذاكرة في الدماغ البشري وإيجاد علاج لهم.

ما الفرق بين الذاكرة طويلة وقصيرة المدى والـ HSAM

هناك بعض المواقف التي يخزنها دماغك في الذاكرة قصيرة المدى، مثل: يمكنك تذكر ما ارتديته أمس، لكن سرعان ما تختفي هذه الذكرى. لكن في حالة ما إذا كان الموقف مهم، ومؤثر، يمكن تخزينه في الذاكرة طويلة المدى إلى أجلٍ غير مسمى، مثل: تذكر احتفال الزواج أو حفلة التخرج. يخزن الدماغ البشري كل نوع من الذاكرة طويلة وقصيرة المدى في مناطق مختلفة.

يتمتع الأشخاص الذين يعانون من الـ HSAM بقدرة على معالجة الذاكرة قصيرة المدى مثل الآخرين، لكن ما يميزهم أنّ تفاصيل هذه الذكريات تتحسن بمرور الوقت، وتزداد قوة.

علاقة ذاكرة السيرة الذاتية بـ HSAM

هناك نوع من الذاكرة المرتبطة بـ HASM تُسمى بذاكرة السيرة الذاتية، ويتمتع أصحابها بقدرة فائقة على تذكر الصور والتواريخ والأحداث بالتفاصيل الدقيقة. كما تجدهم يتذكرون أدق تفاصيلهم في سن الطفولة. لكن تبقى الذكريات التي حدثت بعد سن العاشرة أو الثانية عشرة هي الأكثر وضوحًا.

تختلف ذاكرة السيرة الذاتية عن أنواع الذاكرة الأخرى، مثل:

• ذاكرة الاستذكار: عندما تشرع في الاستذكار تحتاج للتكرار للتأكد من حفظ المعلومة جيدًا. هناك من يلجأ إلى استخدام أغنية أو تأليف قصة للتمكن من الحفظ. في حالة أصحاب ذاكرة السيرة الذاتية، نجد أنهم لا يستخدمون هذه الطرق أثناء الاستذكار، فالحفظ عن ظهر قلب واستخدام الاستراتيجيات التي يستخدمها الآخرون صعبة عليهم.
• الذاكرة الوميضية: يمتلك أصحاب ذاكرة السيرة الذاتية قدرة على تذكر اللقطات الحية أكثر من غيرهم، فهم قادرون على تذكر ما حدث في وقتٍ ما وكأنه شريط فيديو يذاع أمامهم بدقة عالية.
• الذاكرة الضمنية: وهي القدرة على فعل شيء بشكلٍ تلقائي، وتساعد هذه الذاكرة المرء في تذكر الأشياء التي تعلمها قديمًا، مثل: ركوب الدراجة أو الكتابة على لوحة المفاتيح وغيرهم. يمتلك أصحاب ذاكرة السيرة الذاتية ذاكرة ضمنية أيضًا، لكن نجدهما ليسا مرتبطين ببعضهما بشكلٍ مباشرٍ.

بعض السمات المشتركة بين المصابين بمتلازمة فرط التذكر

• تساعدهم ذاكرتهم الحديدية في تذكر أدق التفاصيل، حتى في المواقف السيئة التي حدثت لهم في الماضي. في أغلب الأحيان تجدهم يفكرون في الماضي، بكل شيء فيه، سواء كانت ذكريات جيدة أو سيئة.
• يتمتع هؤلاء بقدرة غير عادية على التركيز، حتى وإن كانت الظروف البيئية حولهم لا تدعم التركيز، تجدهم قادرين على فعل ذلك بسهولة.
• بالرغم من قدرتهم غير العادية على التركيز، يمكن تشتيت انتباههم بذكرياتهم، عندما تطلب منهم تذكر شيء ما.
• نجد أنهم أكثر الناس عرضة لأحلام اليقظة ويعيشون في عالم الخيال كثيرًا.
• لديهم العديد من الذكريات المحزنة في أذهانهم مفهرسة بعناية فائقة. مع ذلك، قد يتطور الأمر للسلوك القهري.

ما سبب إصابة بعض الأشخاص بمتلازمة فرط التذكر؟

عندما التقط العلماء والباحثون صورًا لأدمغة المصابين بالمتلازمة، لاحظوا اختلافات في بعض الأجزاء من بنية الدماغ لأولئك الأشخاص الذين يعانون من فرط التذكر مقارنة مع الأشخاص الآخرين. لكن بالرغم من ذلك، لا يعرف العلماء ما إذا كان لهذه الاختلافات علاقة بشكلٍ ما أو بآخر بالمتلازمة أم أنها حدثت نتيجة زيادة استخدام مناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة.

تشخيص الحالة والتعامل معها

يستخدم الباحثون اختبارات تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي أو التخطيط الكهربائي للدماغ من أجل عملية التشخيص. علاوة على ذلك، فهم يستخدمون اختبارات الذاكرة لقياس قوة الذاكرة للمصاب. في حالة ما إذا تمكن الطبيب من تشخيص الحالة، سيبدأ في وضع خطة مع المصاب، لتقليل الإرهاق الذي قد يشعر به. فعلى الرغم من أنه لا يوجد أي آثار جانبية لهذا المرض، إلا أنّ تخزين كمية كبيرة من المعلومات مرهق للدماغ. لذا يعطي الطبيب المعالج بعض النصائح للتكيف مع هذا.

إذًا، كيف يمكنني الحصول على ذاكرة أولئك المصابين بفكر التذكر؟

لا أستطيع إعطاء وعود بشأن هذا، لكن يمكنك تقوية ذاكرتك وتحسينها من خلال بعض النصائح والعادات الصحية منها:

• الحصول على قدرٍ كافٍ من النوم، حيث إنّ قلة النوم تؤثر بشكلٍ سلبي على قدرة المرء على التذكر.
• تنشيط الجسم باستمرار عامل مهم في تنشيط الذاكرة، فهناك مثل يقول: العقل السليم في الجسم السليم، وهذا صحيح، إذ يمكنك تحسين ذاكرتك وتزيد من حجم الأجزاء المسؤولة عن الذاكرة بدماغك عن طريق المشي لمدة ساعتين ونصف على الأقل أسبوعيًا.
• تمرينات العقل مهمة أيضًا، فعند ممارسة بعض التمارين مثل: القراءة أو حل الألغاز أو الكلمات المتقاطعة أو حفظ الأشعار أو تعلم لغة جديدة أو العزف على آلة موسيقية، كل هذا سيساعدك بشكلٍ فعّال في بناء ذاكرة قوية.

إليك أيضًا:

• دور الخرائط الذهنية في التفوق وتقوية الذاكرة
• أفضل الوسائل لتقوية الذاكرة.. وداعا للنسيان
• ثمانية توجيهات غذائية لتعزيز الذاكرة