قصتي حين سافرت وحيدًا على طريقة أشهر الرحالة السعوديين الشباب
أن تسافر لوحدك هو أمر غريب، الأغرب أيضًا بأنك لست وحدك بالفعل، سكن الطالب ومخالطتك بجنسيات مختلفة لن تجعلك تشعر بالوحدة مطلقًا
add تابِعني remove_red_eye 16,281
عند بداية الثروة المعلوماتية بوسائل التواصل الاجتماعي ظهر على الساحة بعض من المميزين حتى و إن طغى بعض السذج وذوي التفكير السطحي.. أتحدث عن أولئك النفر من محبي الرحلات والذين ألهموني للقيام بتجربة مماثلة ، ولعلي أذكر منهم: عبدالله الجمعة، و إبراهيم سرحان، والبراء العوهلي..
كان ما يميز عبدالله الجمعة بالإضافة لدماثة أخلاقه وحسن خطابه، هي تجاربه الغريبة في السفر ووجهاته غير المعتادة فمن هو الذي يقصد أن يذهب مباشرة لأمريكا الجنوبية؟ أو حتى في بعض اختيارات وجهاته الأوروبية الغرب منها والشرق! كتابه ذائع الصيت (حكايا سعودي في أوروبا) هي واحدة من أكثر التجارب الملهمة والتي تخبرك بأن عليك القيام بإحدى تلك المغامرات لوحدك في يومٍ ما. مضى على قراءتي للكتاب ما يقارب الأربع سنوات ولكن دومًا ما يقول لي في أعماقي عليك أن تحزم حقيبتك لتسافر في يومٍ ما وهذا ما حدث لاحقًا.
أما إبراهيم سرحان فلعل تجربته المجنونة في الدخول إلى كوريا الشمالية وإعداده للوثائقي في قناته عبر منصة اليوتيوب مع دقة معلوماته وملاحظاته مما يشحذ لديك حب الاطلاع والاكتشاف لتلك الدولة التي يخشاها الجميع، والتي لا يجرؤ أشهر الرحالة على دخولها فماذا لو كان يتحدث لغتنا ويحمل نفس جنسيتنا؟
وأخيرًا نأتي للجميل البراء العوهلي الذي قضى سنينا في ربوع اليابان كطالبٍ مبتعث، يصحو صباحًا وكلنا نصحو معه كي يقوم بركضته الصباحية المعتادة، ونشارك معه أيضًا مثلما شارك لاحقًا في الماراثونات العالمية وإن كانت مشاركته ليست كالمحترفين، أو فكرته غير المعتادة في تجربة التشرد الحر أو كما يسميه (الڤاقابوندينق) أو أخيرًا رحلاته الصامتة من أقصى شمال اليابان حتى جنوبها، مثلما قام بها هنا في السعودية مع رحلته الصامتة بجوار مع صاحبه عبدالرحمن صاحب الطقوس الغرائبية، فقد عرفنا من خلال البراء السرد القصصي أو Story telling” اليومي لحوادث يومه ومقابلاته.
هذه النماذج الثلاثة وغيرهم كثير يخبرونك بأن هناك أيضًا عالم جميل ليس فقط من يملك ساحته السطحيون وذوي التأثير الضحل.
السفر لدينا ليس إلا من قبيل الترفيه، فأنت ستضع ميزانيتك الضخمة السنوية أو مدخراتك السنوية كي تسافر عبر أفضل خطوط الطيران في مقصوراتها الفاخرة ربما، وما إن تصل للدولة التي ترغب بها حتى تسكن في أفضل فنادقها، وتأكل من أفضل مطاعمها ومحلاتها القابعة هناك، ولأنك ستسافر مع أصدقائك أو عائلتك لن تختبر عناء تجربة طعم مختلف كأكل طعام أهل تلك الدولة، بل ستذهب لأحد المطاعم العربية، حتى وإن كانت جودتها أقل من المتوسطة أو حتى سيئة!
التجارب التي حكيت عنها للشبان الثلاثة هي أبسط مما تظن، الفرق بأنهم سافروا لوحدهم، بأقل التكاليف، وقاموا بالاختلاط مع أهالي تلك البلدان، قررت أن أسافر وحيدًا (لأسبانيا) كان قرارًا صارمًا ومخيفًا، وغير مألوف البتة، لا أذكر أني سافرت وحيدًا لمدة تتجاوز ثلاثة أيام متواصلة، كلما أخبرت أحدهم بأني سأسافر وحيدا لا يلبث إلا وأن يرمقني بنظرات تتهمني بالجنون أو الريبة في عقلي.
لن أسافر لوحدي فقط بل سيكون سكني في (الهوستيل) سكن الطالب، هذا المكان الذي ستلتقي به من أطياف الجنسيات من مختلف أنحاء العالم والذين هم في الغالب قاموا هم أيضًا بالسفر وحيدين مثلما قمت أنت بذلك.
اختياري لإسبانيا كان لعدة أسباب تاريخية مرتبطة بالإسلام، ثانيها اعتقادي ومن ثم تأكيد هذا اليقين بأن لهم طبع قريب من الطبائع العربية، أقصد في ذلك حبهم للضحك والسفر، وللمتعة بشكلٍ عام في يومهم المعتاد، ولأني سأذهب لأوروبا ستكون بوابتي الأولى أسبانيا والتي تمتلك طبيعة وسكانًا وتاريخًا مختلفًا عن باقي أوروبا كلها ..
قبل شهرين من موعد السفر تأكدت من عدة أشياء. حجوزات السكن لا يتجاوز الواحد منها ١٣٠ ريالا باليوم الواحد في (الهوستيل)، والمواصلات حيث قمت قبل وصولي لإسبانيا بحجز جميع تنقلاتي الداخلية بين المدن (٧ مدن) برشلونة، قرطبة، إشبيلية، ماربيا، ملقا، غرناطة، مدريد عن طريق القطار السريع والباصات وفي المدن الكبيرة برشلونة ومدريد استخدامي لبطاقة المترو والحافلات في التنقل الداخلي..
كل يوم كان يعتبر في نظري يومًا منفصلًا عن الآخر حيث لا أقوم بالحجز إلا بعد تأكدي من التاريخ والوقت والتكلفة وكان كل شيء على أتم وجه خلال السفر فلم أتأخر لحظة واحدة ولم تتأجل أي من حجوزاتي لأي سبب كان، كانت هذه واحدة من أكبر التحديات التي نجحت فيها.
ساعة السفر هي ليلة الرحلة هل أحمل حقيبتي بيدي لأجرها ورائي؟ أم أني سأختار أن تكون حقيبتي وراء ظهري لأذهب بها حيث أشاء دون عناء سحبها؟ اخترت أن تكون وراء ظهري بدل جرها وقد كان قرارًا صائبًا إلى حدٍ ما !
تصل لباريس مؤقتًا حتى الرحلة الثانية نحو برشلونة، المطار مكتظ بالكثير من المسافرين، رائحة القهوة قبل طلوع الشمس مع الكرورسون الساخن تداعب دماغك، المطار كأنه ساحة للموضة وليس للذهاب إلى الطائرة، الكل متأنق وكأنه ذاهب إلى حفلةٍ ما، باريس مدينة الموضة حتى في مطارها !
برشلونة، تلك المدينة المشاغبة التي تريد أن تستقل بسكانها (الكتالونيين) لا تعرف برشلونة دون أن تذكر العظيم ميسي لتحضر في أول يوم مباراة له، بل ويسجل فيها؟ فلماذا لا تحب برشلونة وميسي مجتمعين؟
أجمل ما في السفر خلال الأربعة عشر يومًا في إسبانيا هو التنقل السريع بين مدنها، يوم أو يومين بالكثير في مدن مثل قرطبة وإشبيلية وماربيا وملقا وغرناطة، بالإضافة لذلك هو استغلالك لكل دقيقة في تلك المدن منذ الصباح الباكر لتطلق العنان لقدميّك لتفقد الأماكن والمتاجر وأشهر الأماكن الأثرية والقصور والمتاحف وحفلات الشارع التي لا تتوقف أبدًا.
متوسط المشي اليومي هو ٢٠ كلم في اليوم الواحد، لا أبالغ إن قلت بأن أجمل وأمتع أيام نومك ستكون بعد أن يكون عدّاد خطوات مشيك يفوق الـ ٢٥ – ٣٠ ألف خطوة باليوم الواحد، أعدك بأنك لن تنسى طعم تلك الراحة أبدًا!
تعرفت على كثير من الجنسيات خلال الرحلة (الهندية، الكندية، الأمريكية، الأسبانية، النيوزيلاندية، الأسترالية، التايوانية …) أن تتحدث معهم ويتحدثوا معك، تفهم منهم ويفهموا منك، يشاركونك نفس الرغبة في الاكتشاف وحب الاطلاع والتحدث، لا غرابة في أن يكون ذلك الشيء مغروسًا لديهم في عمرٍ مبكر (بداية العشرينات) كي يصقلوا شخصياتهم وليعرفوا هدفهم وشغفهم من الحياة.
ترجع لوطنك، وتقسم على تكرار تلك التجربة، بل ومشاركتها الآخرين، لم أتوقع في يومٍ من الأيام بأن يسافر معي المئات من خلال (سناب شات) كان كل يوم معهم بمثابة اكتشاف جديد، ومدينة جديدة وحضارة جديدة ! كم هو رائع السفر وحيدًا، أنت وحقيبتك فقط!
add تابِعني remove_red_eye 16,281
مقال ممتع وملهم حول السفر وحدك .. تجربة ممتعة
link https://ziid.net/?p=42101