أبرز ما شاهدت في رحلتي إلى طنجة لؤلؤة المحيط والبحر
كانت فرصة للتحليق في سماوات التاريخ والجمال ودعوة للنفس للتأمل في أعمال الله وخلقه وفي إبداع الإنسان وفنونه .. طنجة جنة ستحبها
add تابِعني remove_red_eye 4,705
عروس البحر وغادة المحيط طنجة، حيث يلتقي الماضي بالحاضر في أبهى صورة وفي حالة من الانسجام التام الذي يشعرك بالانتماء إلى التاريخ ماضيه وحاضره، مدينة تتمازج فيها الأذواق على اختلافها والفنون على تمايزها كما تلتقي على شطآنها مياه المحيط والبحر في عناق حار راسمة أجمل الصور وأبهاها.
ولاحظت وجود العشرات من المدافع البرونزية القديمة حوالي 30 مدفع مختلفة الأحجام في حديقة المندوبية الشهيرة وأظن أنها بقايا الاستعماريين الأسباني والفرنسي لهذه المدينة المهمة.
زنقة ابن بطوطة
قد لا يعلم الكثير أن الرحالة العظيم ابن بطوطة من أبناء هذه المدينة وفيها قبر وله ضريح يضم جسده الطاهر في حي قديم يحمل اسم زنقة بن بطوطة، وهو أبو عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، المعروف بابن بطوطة، والمولود في هذه المدينة يوم 24 فبراير/شباط 1304م (17 رجب 703 هـ) حيث ترك أثرًا كبيرًا في أدب السياحة والتسفار بمؤلف فريد من نوعه يحمل اسم (تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار “الذي تُرجم إلى عدة لغات” كالفرنسية والإنجليزية والأسبانية والبرتغالية.
أصر رفيقي على زيارة ضريح ابن بطوطة في هذه المنطقة الشعبية في المدينة القديمة حيث الشوارع الضيقة والبيت القديمة وكان دليلنا في هذه الرحلة (إدريس) شاب مغربي طيب ومجتهد وهو طالب دراسات عُليا شاب أمازيغي مليح وكثير التبسم لا يرفض لنا طلبًا إلا أنه أشار إلى صعوبة الرحلة والدخول إلى زنقة ابن بطوطة حيث الطرق الضيقة المرتفعة المرصوفة بالمدرّجات الحجرية، تشتم فيها روائح متداخلة لأطعمة وفواكه وعطور ودخان.
وإذا ما أغمضت عينيك فإنك تذهب في رحلةٍ من نوعٍ آخر حيث ستتداعى إلى مخيلتك صور التاريخ وصفحاته مستدعيًا كل معلومة عرفتها أو قرأتها عن طنجة وعن ابن بطوطة لا يقطع حبل تفكيرك إلا صرخات الأطفال الصغار ومناداة الأمهات لصغارهن وأصوات الباعة هنا وهناك.
وصلنا أخيرًا إلى الضريح وهو عبارة عن مبنى صغير على مقدمته لافتة صغيرة مكتوب عليها ضريح ابن بطوطة بعدة لغات، طرق دليلنا إدريس طرقات خفيفة على باب الضريح فخرج إلينا رجل طيب وقور فاقد لبصره لكن بصيرته نافذة حيث عرفنا من لهجتنا قائلًا مُرحّبًا بأهل السودان رادًّا التحية بأحسن منها واستقبلنا بطيبةٍ واضحة فتجوّلنا في الضريح لبرهةٍ ليست بالطويلة وترحّمنا على ساكنه داعين له بالرحمة والمغفرة، ثم أغفلنا راجعين وكان الجو حارًا وكانت الرحلة شاقة إلا أن ذلك لم يذهب حلاوة الاستكشاف ولم ندعه يفسد علينا جولة تأريخية للذكرى، بعد هذه الجولة كان لا بد من انتعاشة فاقترح رفيقي على دليلنا بأخذنا لمقهى مغربي لشرب الشاي المغربي المميز وقد وافق الدليل مشكورًا.
الشاي المغربي كان حضورًا
مشينا لمسافةٍ ليست بالقصيرة لأجل الوصول إلى المقهى المنشود وهو مقهى مغربيًا قديمًا يطل من ربوة صخرية على الخليج حيث تهب علينا نسمات الخليج بين الفينة والأخرى والنزول إليه بمدرّجٍ صخريٍ ضيق، للشاي المغربي نكهة خاصة ومذاق مدهش يغلب النعناع برائحته المنعشة على مكوناته، ولديهم طريقة مميزة في صب الشاي على الأكواب مُحدثًا صوتًا مُحببًا يحرك الشهية لارتشافه.
أكواز الذرة المشوية
جذبتنا رائحة الذرة الشامية وطريقة عرضها على عربةٍ خشبيةٍ أنيقةٍ مستندة إلى درّاجة هوائية على أحد الأرصفة الشمالية لطريق السوق الكبير، فانحرفنا ناحية البائع الذي بادلنا تحية بتحيةٍ وابتسام، ثم لبّى طلبنا في سرعةٍ حيث لف لكل منا كوزًا من الذرة المشوي الساخن بورقة بلونٍ أخضرٍ فاتح، فعل ذلك في سرعةٍ ومهارةٍ تنبئ عن خبرةٍ طويلة وحب لهذا العمل وقد كان السعر زهيدًا 3 دراهم لكل واحد، بعد أن نلنا مبتغانا دخلنا في زحام المارة وزخم المدينة الكبير.
الشروق والغروب في طنجة
من خلال دليل السياحة المتوفر لدى استقبال الفندق بألوان زاهية بالإضافة إلى الخرائط بعدة لغات يجد السائح بغيته في الاختيار أو التوفيق بين مشهدين متفردين هما شروق الشمس وغروبها على مدينة طنجة حيث “رأس مالاباطا” شرقًا بالساحل المتوسطي منصة طبيعية لمشاهدة منظرًا بانوراميًا لشروق الشمس وبزوغها على المدينة، كما يمثّل ”رأس سبارطيل” منصة غربية مطلة على المحيط الأطلسي، ليرسم لوحة رائعة لارتحال الشمس ومغيبها خلف الأفق الأزرق.
الأندلس رأي العين
حالة من الوجد تملكّتني وأنا أشاهد من خلف الأفق الأزرق وأرى رأي العين سواحل الأندلس ومضيق جبل طارق، وللمفارقة كان بين يدي كتاب لابن عباد وفيه صور شعرية ونثرية للأندلس ذلك التاريخ الغني الباذخ. فمن المعالم المميزة للمدينة رأس ملاباطا الواقع شرقي طنجة حيث تتعانق مياه البحر الأبيض المتوسط بلونها الأزرق الفاتح (اللازوردي) بمياه المحيط الأطلسي الزرقاء القاتمة.
ومن خلال شرفة يرتادها الجميع بمنارة قصر ملاباطا يمكن للسواح مشاهدة خليج طنجة الساحر ومضيق جبل طارق وسواحل الأندلس بالعين المجردة حين يكون الجو صحوًا، كان الضباب كثيفًا في الأيام الأولى لكن في اليوم الثالث تمكّنت ومن معي من رؤية القارة العجوز ولقد لفتت نظري قوارب خفر السواحل وهي تجوب المضيق جيئةً وذهابًا في حركة دورية دؤوبة.
الأساطير حاضرة في تاريخ طنجة
إلى جوار (رأس أسبارطيل) حيث ملتقى البحر المتوسط والخليج الأطلسي، توجد -مغارات هرقل- حيث أقام العملاق “هرقل” واستراح بعد إنجازه للأعمال الخارقة (بعضها مبالغًا فيه) حسب الأساطير اليونانية المعروفة وتشكّل إلى جانب معانيها ودلالاتها التاريخية أي المغارة فإنها تتمتع بجماليةٍ آخّاذة تجعلها قِبلةً للسياح المغاربة والأجانب على حدٍ سواء لما لها من خصوصية مميزة.
حيث تمثّل أسطورة من الأساطير القديمة ويحرص الجميع على التقاط الصور وكانت عصا السيلفي حديثة نوعًا ما ومنتشرة في الباحات والساحات بأيدي السياح وقد لاحظت شغف الأطفال يطل من عيونهم لما للأسطورة هرقل أو هرقليس من حضور في الكثير من مسلسلات الأطفال والأفلام الكرتونية التي يشاهدونها في العادة.
فندق فرح وإطلالة باسمة
من حسن حظنا أن الحجز كان في فندق فرح، وهو فندق راقٍ يتبع لسلسة القولدن توليب العالمية وله إطلالة باسمة تبعث على الفرح كاسمه، إطلالته على البحر ليست هي الميزة الأفضل وإنما تميز خدماته وهدوئه ورقي الخدمة، حيث تتميز غرفه بالعصرية والأناقة، وحمّامات السباحة بلمسةٍ عصريةٍ فريدة حيث تتراص حوله الأرائك والشمسيات، فهنا وهناك أزواج من السيّاح وعائلات سعيدة يتشمسّون تحت أشعة الشمس رغم لسعتها، كما أن لباحته سحر خاص حيث عشرات اللوحات المعروضة لعشرات الفنانين ولا أدري هل هذا الأمر بصورةٍ مستمرة أم أنه مؤقت.
عمومًا كان العرض الفني للوحات لافتًا وجاذبًا لنزلاء هذا الفندق الجميل، يجذب سحر مدينة طنجة وخاصةً شواطئها الجميلة وفنادقها الفخمة سنويًا وفودًا كبيرًا من السياح حيث لاحظت وجود عدد كبير من السياح الأوروبيين والعرب، في إحدى الليالي قررنا قضاء ليلة مغربية بامتياز وذلك بإيعاز من آخرين في المطعم المغربي الملحق بالفندق على أنغام العود والموشحات الأندلسية والرقص والبخور المغاربي وطواجن الطعام المغربي بنكهاته الشهية فكانت ليلةً لا تنسى.
add تابِعني remove_red_eye 4,705
مقال ممتع يتحدث عن مدينة طنجة والجمال الذي تفيض به
link https://ziid.net/?p=31798