لماذا يسهل خداعنا؟ وكيف نحمي أنفسنا؟
كن شجاعًا وجابِهْ مخاوفك وصارح نفسك بالأوضاع دون إفراط في التفاؤل أو في التشاؤم ، لا تدع غيرك يخدعك أو يتكسب على حسابك
add تابِعني remove_red_eye 6,160
لعل هذا هو السؤال الذي تلزم الإجابة عليه وليس سؤال: لماذا يخدعنا الناس؟ فإجابة السؤال الثاني سهلة للغاية، فبين المصالح الشخصية والأهداف النفعية والنظرات الضيقة والعقول الأنانية والفساد المتخفي بزي الاستثمار والتبعية التي تلبس ثوب التحالفات والحسد والغل والثارات القديمة والطائفية والعنصرية وغيرها الكثير من مبررات الخداع والكذب ومعاملة البشر بفوقية على أنهم بلا عقول ولا أفهام، بل ولا يعرفون أين مصلحتهم ولا هم يقدرون على تمييز الخداع ولا المكر.
لكن لماذا نستمر في تصديقهم؟ بل ونحاول إقناع نفوسنا أنهم لم يكذبوا ولم يخدعوا بل كانوا يراعون المصالح العامة أو الشخصية، كانوا يعرفون أكثر منا ويفهمون أكثر منا ويدركون ما لا ندرك ويهتمون بنا أكثر من اهتمامنا بأنفسنا؟
لماذا ننخدع؟
1- تخدعنا حواسنا فالعبث بالعقول ممكن أما العبث بالقلوب النقية فصعب إن لم يكن مستحيلًا، فالخداع البصري وتغيير الأصوات ووضع عدة عطور وتكثيف البهارات ووضع اللدائن في المواد يخرب الحواس الخمس فالخداع البصري يدفع العين لترى ما ليس بصحيح، وتغيير الصوت يوهمك بتغير الأشخاص، وخلط عدة عطور تلبّس على الخلايا الشمّية، وتكثيف البهارات يفسد حلمات التذوق، ووضع مواد مختلفة يحير اليد عند اللمس، والحل الوحيد هو التثبت والتبين وإعادة الأمور إلى وضعها الأصلي ورؤية المواقف وقراءة الأحداث بنزاهة وشفافية.
2- الدماغ متحيز بطبعه (فعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا) فغالب الناس يبحث بلا تجرد بل بنفس منحازة وعقل متحيز، فيجمع المعلومات بلا حيادية، ويبحث عن الأدلة المؤيدة ويخفي أو يغض الطرف عن الآراء المخالفة أو الأدلة الناقضة لاختياره، فهو يخادع نفسه وعقله قبل أن يخدعه أحد، ولو كلف نفسه عناء البحث الواعي والنظر المستقيم والفهم المسدد لوصل دون تشويش إلى الحق ولكن هكذا حال الناس بل وحالنا.
3- طول فترة الاندماج، وهو ما يعبر عنه في التحليل النفسي بالاعتياد الذهني، فغالب بلادنا العربية تعرف الرئيس ورئيس الوزراء كالأب والجد والعم والخال، فأجيال كثيرة لا تعرف غيره ولا تتطلع لسواه ولا تثق فيمن دونه، فهو الرئيس المؤمن وهو الأب الروحي وزوجته هي أم الشعب، ولأن التغيير لا يحدث في مجتمعاتنا بسهولة بل بصعوبة قاهرة واقتلاعا وليس تسليمًا طوعيًّا يصعّب هذا من اكتشاف الكذب والخداع وتسمع عبارة: (لا يا راجل! معقول؟ لا يمكن، ليس بصحيح) فتغيير الأشخاص في مواقع المسئولية يسهل على الناس المقارنة والتخيير واكتشاف الكذب والخداع.
4- أن تخدع نفسك أولى من أن يخدعك الآخرون فالرغبة بعدم الظهور بمظهر المخدوع تؤدي لقبول الخداع، فهي رغبة مبطَّنة بالتصديق في كل ما يصدر عن الكاذب والمخادع، فقط حتى لا نشعر بأننا قد خدعنا، والاستمرار في هذا الموقف من علامات الاضطراب النفسي والتي يمكن أن تحتاج للتدخل من المعالجين النفسيين.
5- التجنب والهروب، وهي حالة اضطرابية تدفع صاحبها إلى استغفال النفس وتجنب الوعي حتى يشعر أنه لا مشكلة على الإطلاق، وأن الأمور طيبة وأن الأوضاع على ما يرام وأن غالب المعترضين على الأوضاع الراهنة إنما هم حفنة مأجورة بغرض الإفساد، وهم لا يرون حجم المشروعات والإنجازات العملاقة التي تتحقق.
6- الخيال والتمني، وهو فصيل من البشر يمارس تقنية اضطرابية أخرى بالزعم والتمني أن تحل المشاكل دون تدخل منه ولا بذل ولا جهد، فيستلقي على كرسيه يحتسي فنجان قهوته وهو يتطلع للحظة يرى فيها المشكلة العامة أو الشخصية قد تم حلها دون عناء أو جهد، وقد يكثر من الدعاء لله رب العالمين وما أعظم الدعاء لكنه يكتفي بالدعاء ولا يأخذ بأي سبب لتغيير وحل المشكلات.
ولعل ما ينبغي تناوله الآن كيف السبيل لحماية النفس من الخداع، والتحلي بصفة النقد الإيجابي، والتعامل مع الأمور بحكمة ووعي وإدراك حقيقي للواقع والمستقبل.
كيف تحمي نفسك من الخداع؟
1- كن شجاعًا وجابِهْ مخاوفك وصارح نفسك بالأوضاع دون إفراط في التفاؤل أو في التشاؤم، وضَع النقاط على الحروف، واقرأ كل مشهد بعناية وتفطن لنقاط السلب والإيجاب في كل حال بل وكل تصريح إو إعلان أو خبر.
2- شاهد أفكارك الشخصية وراجع ميولك وانتبه لرغباتك فرب رغبة في قلبك أثرت على طريقة تفكيرك، فغيرت لك الحقائق وقلبت عندك الموازين.
3- استخدم النقد الذاتي وكن حكمًا على نفسك ولا بأس بتحدي أفكارك وفرضياتك ومحاولة إثبات خطئها، أو على الأقل كثرة التدليل على صحتها.
4- أنت المنتفع الحقيقي والأكبر من التعامل بهذه الطريقة التي تجنبك الخداع وتمنع عنك الانقياد بدون وعي أو إدراك أو حتى قراءة مبسطة للواقع.
5- ثق بنفسك ولا تخف فالخوف وَهْم في الحقيقة وليس حقيقة بنفسه، ثق بعلمك ومعرفتك وحدسك، واتبع قلبك عند ظهور الأدلة والبراهين، ولا تستجب لمخاوف وهمية وتشكك في قدراتك النفسية والذهنية.
6- تعلم المرونة، فلا مانع اليوم من تغيير رأي البارحة لكن وفق أدلة لا وفق الهوى والنظرة الضيقة سواء حزبية أو قومية أو حتى عنصرية، تعلم المرونة في اتباع الحقائق التي بحثت عنها ووجدتها.
7- توكل على الله تعالى واطلب منه الفهم والبصيرة ولا تنس أن صاحب المنهج -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المكر والخداع فقال: “المكر والخديعة والخيانة في النار”.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 6,160
مقال هام وملهم حول الطرق التي يمكن أن تنخدع بها وكيف تحمي نفسك وعقلك من الخداع
link https://ziid.net/?p=51185