لماذا تفشل علاقات النرجسيين العاطفية؟
العلاقة التي نخوضها مع النرجسيين هي بمثابة "صراع يائس" من أجل الحصول على الحب والأمان
add تابِعني remove_red_eye 1,060
الاهتمام عند الشخص النرجسي لا ينصب إلا على ذاته فقط؛ لذا نجد أن العلاقة التي نخوضها مع النرجسيين هي بمثابة “صراع يائس” من أجل الحصول على الحب والأمان.
فهل هناك طريقة تعبر بهذه العلاقة إلى بر الأمان؟
القليل من الأنانية لا يضر، كما أنها تساعد بشدة على تلبية احتياجات الفرد وتحقيق رغباته الخاصة، ولكن حين تخرج تلك الأنانية عن السيطرة، فيمكنها أن تتحول إلى اضطراب نرجسي، ونجد أن ذلك المرض هو مشكلة الذكور في المقام الأول، فبينما تحصل النساء على نسبة (25%) من إجمالي عدد المصابين باضطراب الشخصية النرجسية، نجد أن الذكور تحصل على نصيب الأسد بنسبة (75%) من إجمالي عدد المصابين.
ولكن متى نجزم أن الشخص نرجسي حقًّا؟
وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) فيجب أن ينطبق على الفرد 5 من أصل 9 معايير على الأقل؛ كي نتمكن من وصفه بأنه “شخص نرجسي”.
ومن سمات النرجسيين أنهم مقتنعون تمامًا بأهميتهم وتألقهم وفخامة إنجازهم، كما أنهم على قناعةٍ تامة بتفردهم وعلو شأنهم وقيمتهم، فضلًا عن ذلك يفضل النرجسيون الاتصال بأشخاص موهوبين أو ذوات سمات فردية إذا سنحت لهم الفرصة.
وغالبًا ما يتصف النرجسيون بميولهم نحو التلاعب والقسوة والاستغلال لباقي البشر، ومن ناحية أخرى هناك فئة منهم يكون شغلها الشاغل هو تحقيق أهدافها الخاصة فقط، كما أنهم لا يستطيعون مواجهة الانتقادات الموجهة إليهم بصورة جيدة، فغالبًا ما يواجهونها بغطرسة شديدة أو تتملكهم سَوْرة غضب عارمة؛ لذا طالما يواجهون صعوبات بالغة في التواصل الاجتماعي مع غيرهم.
كيف يتشكل مرض اضطراب الشخصية النرجسية؟
لم يحدث أن جرى البحث في أسباب النرجسية بشكل كامل ودقيق، رغم ذلك أظهرت الدراسات أن نصف الحالات تعود إلى أسباب وراثية، كما تلعب التربية دورًا مهمًا في ذلك أيضًا. ويوضح ذلك كلاس هينريش لامرز –المدير الطبي لعيادات الطب النفسي وكبير الأطباء في أكبر عيادات الطب النفسي والصحة النفسية في هامبورج -ألمانيا-
يقول لامرز: “عندما يتعامل الآباء مع أبنائهم على أنهم الأفضل والأجمل والأعظم ويتصرفون معهم بأسلوب خاص، يميل الأطفال بناء على تلك المعاملة إلى تقدير ذاتهم بصورة متضخمة” كما يلعب الإهمال المفرط أو كثرة المتطلبات دورًا أيضا في مرحلة الطفولة، وفي حالات مثل تلك نجد أن النرجسيين لديهم تقدير منخفض جدًّا لذاتهم في الواقع.
يقول لامرز: “تبني النرجسية قشرة خارجية تعرقل أي محاولة لسبر أغوار الشخصية ومعرفة جوهرها، فيمكن للأشخاص الذين يشعرون بأنهم غير محبوبين أن يعوضوا ذلك عن طريق القيام بأشياء كثيرة تمنحهم التقدير والاحترام والتشجيع”.
ولا عجب أن كثيرًا من النرجسيين مدمنون على نيل الإعجاب من البشر في محيطهم، لكن إذا اختفى الإعجاب فسيقودنا ذلك إلى وقوع جريمة نرجسية ممنهجة؛ ففي أسوأ الحالات قد تؤدي أزمة كتلك إلى الاكتئاب وربما الانتحار أيضا، فمعدل الانتحار لدى الشخصيات المصابة باضطراب الشخصية النرجسية أعلى من المتوسط بنسبة (14%).
الحب الزائف
النرجسيون هم أشخاص عاجزون أصلًا عن وهبك حبًّا حقيقيًّا. يوضح لامرز أيضا: “العطف والاهتمام والاستقرار ومواجهة العقبات كلها أجزاء لا تتجزأ من الحب. والنرجسيون عاجزون حقًّا عن تقديم ذلك”.
ومع ذلك تجد تصرفات هؤلاء الأشخاص في بداية أية علاقة يدخلونها شعلة متقدة من السحر والبلاغة والثقة والرسوخ؛ فيتصرفون بانتباه شديد، بل ويصبحون على استعداد تام لفعل أي شيء يطلبه الشريك المحتمل، ولكن بعد فترة وجيزة ينقلب ذلك السلوك رأسًا على عقب؛ فيقوم النرجسي بانتقاد الشريك باستمرار، بل وفرض سيطرته عليه، وفي أفضل الأحوال يقوم بتهميش دور شريكه في العلاقة، ويحدث ما سبق أيضًا في اللحظة التي يتوقف فيها الشريك عن مداعبة غرور النرجسي ومدحه.
يقول لامرز مفسرًا “ما دامت المرأة معجبة بشخصها النرجسي وتشعر برغبة جامحة فيه، وترى أنه الأكثر روعة، فهو بذلك يحصل على غذائه، ولكن بمجرد أن تخفت تلك الرغبة والانبهار -وبالمناسبة هذا ما يحدث دائمًا بعد مرور عام أو عامين- عندئذ يتلاشى غذاؤه أو بالأحرى لا يتلذذ به”.
وبالتالي نستنتج أن العلاقة مع شخص نرجسي لن تستمر لفترة طويلة. ويزيد عالم النفس لامرز: “الأشخاص النرجسيون لا يسمحون للآخرين بالاقتراب منهم والولوج إلى عالمهم، فعندما يصل الأمر لمرحلة التقارب مع الآخرين، يشعرون بالتهديد والضغط وبأنهم محاصرون”.
أما بالنسبة للعلاقات طويلة المدى فغالبًا ما تتسم بالتعلق العاطفي وخضوع الشريك، ونظرًا لأن كل شخص لا يتمنى لنفسه الخروج خاسرًا من أية علاقة، نجد أن الطرفين يصبحان في صراعات مستمرة، ومن ثم تتلاشى كل آثار الحب والوئام والتآلف، وغالبًا ما يحاول الطرفان التعايش مع تلك المواقف والتصالح معها، لكنها علاقة محكوم عليها بالفشل عاجلًا أم آجلًا؛ لأن الضغط النفسي يزداد والمعاناة تتفاقم بصورة كبيرة جدًّا.
الشخصيات السوية التي عادة ما تكون سعيدة وواثقة من نفسها ومتصالحة مع ذاتها تفر على الفور من العلاقات مع النرجسيين.
لكن من هي الشخصيات التي تتمسك بالعلاقة مع النرجسيين؟
أثبتت دراسة أجراها علماء النفس بجامعة مونستر أن الشخصيات النرجسية تشعر بالانجذاب إلى بعضها. يوضح أحد الباحثين في تلك الدراسة قائلا: “إذا كان الشريكان نرجسيين بصورة مبالغ فيها ويتفاخران بأنانيتهما، فقد يصبح كل منهما مصدر إلهام للآخر، ولكن فضلًا عن ذلك يمكن لأشخاص غير نرجسيين أن يصبحوا على علاقة مع شخصيات نرجسية، ولكن فقط عندما ينتفعون من تلك العلاقة.
فعلى سبيل المثال: يمكن لشخص غير نرجسي الدخول في علاقة مع شخص نرجسي ناجح مهنيًّا؛ فيقوم بإمداده ماليًّا أو يتخذ قرارات مهمة في إطار دوره المهيمن، وغالبًا ما يواجه هؤلاء الأشخاص ظروفًا غير آمنة، تجعلهم يقبلون ثمن هذه العلاقة السامة المهلكة.
القبول.. العلاج.. أو الانفصال
يستمر العديد من النساء والرجال في مثل تلك العلاقات؛ لأنهم يعتقدون أنهم يستطيعون تغيير الشريك أو أنه سيتغير من أجلهم، لكن هذا أمل ميؤوس منه للأسف! ويحذر لامرز: “إذا كان لدى الشخص صفات نرجسية قوية، فلن يقدر أحد على تغييره ما لم يذهب لتلقي العلاج”. لكن للأسف نادرًا ما تكون الشخصيات النرجسية على استعداد لتلقي العلاج، إنهم لا يدققون بنظرة ثاقبة في سلوكهم المتهور المؤذي، بل ويكونون على قناعة تامة بصحة أفعالهم.
المشكلة دائمًا ما تكون الآخرين، وفي حالة وجود شريك تؤدي هذه التصرفات إلى إهانته وطعن احترامه لذاته، فضلًا عن التلاعب به، وغالبا ما يصبح منعزلًا عن بيئته الاجتماعية؛ فكلما مرّ وقت أطول، أصبحت قفزة التجاوز أكثر صعوبة، لذلك ينبغي أن يسأل الشريك نفسه في بداية العلاقة، هل هو سعيد بدخوله هذا النوع من العلاقات، أو أن فكرة الانفصال تلح من البداية؟
أما في المراحل المتأخرة نجد أن الانفصال عن الشخص النرجسي يفشل بسبب التعلق والتبعية العاطفية التي تكون في أوجها، ولكن في حالة وجود مساعدة مهنية أو إذا قرر الشخص النرجسي نفسه إنهاء العلاقة، يمكن بذلك أن يظفر الشريك بالانفصال.
أما عن الشخص النرجسي؟ فلن يسعى للعلاج إلى إذا وقع في معاناة حقيقية، فإذا حدثت مضاعفات -على سبيل المثال- كالتي تحدث بسبب حالات الإدمان، فلن يبدأ العلاج في كلا الحالتين إلا في اللحظة التي يسمح فيها المريض بالتقارب. يقول لامرز: “افتقاد الألفة والأمان والتقارب الذي لم يتعلموا قط السماح به هو ما يكمن وراء كل هذه التصرفات”.
ونظرًا لوجود نقص في الكفاءة الاجتماعية في أغلب الأحيان يعمل العلاج على تعليم المصابين كيفية الدخول في حوار مع الآخرين وكيف يظهرون اهتمامهم بهم، كما يفرض عليهم العلاج فهم ما قد يشعر به الآخرون نتيجة سلوكهم النرجسي، ومعرفة ما هي احتياجات ورغبات الشريك حقًّا.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 1,060
مقال مثير حول النرجسية والتعامل مع النرجسيين
link https://ziid.net/?p=66259