مفارقة الاختيار: هل تساعدنا الخيارات أن نختار أفضل؟
يظن الإنسان أنه حرّ حينما يتاح له حرية الاختيار، لكن ما يحدث هو العكس.
add تابِعني remove_red_eye 61,969
حينما أردت شراء جهاز كمبيوتر جديد، وجدت أمامي الكثير من الخيارات المتاحة، لكل اختيار ميزة وعيب، المزايا كثيرة ومتقاربة ورائعة، الأسعار أيضًا متقاربة كنت أظن أن شراء جهاز كمبيوتر لا يتطلب الكثير، ولكن في نهاية الأمر وجدت أمامي الكثير من الخيارات التي لا أعرف كيف أختار وأفاضل بينها، للدرجة التي جعلتني أفكر في التخلي عن الفكرة برمتها.
اليوم نفتح التلفاز لنشاهد فيلمًا فنجد عشر قنوات، كل واحدة تعرض فيلمًا من الأفلام المفضلة لدينا، لا نعرف أيّ واحد نشاهد وأيهم نتخلى عنه، ندخل المطعم فنجد الكثير من الخيارات أمامنا، لا نعرف أيها نختار، هل نأخذ البيتزا أم الهمبرجر، وحتى إذا أردت نظامًا صحيًّا، فأي نظام هو أجدر بالمتابعة، هل هو نظام السعرات الحرارية، أم نظام الكيتو، أم الصيام المتقطع، إنه زمن الخيارات المتعددة عزيزي القارئ، حيث نحن محاطون بالكثير من الخيارات التي لم تُتَح من قبل لغيرنا، والتي ظننا أنها ستجلب لنا السعادة لكنها لم تفعل ذلك.
فالخيارات الكثيرة لا توفر لنا الحرية كما نظن بل هي قادرة على إتعاسنا، ففي النهاية لن تعرف أي شيء تختار، هل تختار الفيلم الأول أم الثاني أم العاشر؟ هل تختار البيتزا أم البرجر؟ هل تختار الصيام المتقطع أم نظام السعرات الحرارية؟ وكيف أختار أنا بين عشرة أنواع من الأجهزة التي تتقارب في مزاياها؟
وهم حرية الاختيار
يقول سارتر الفيلسوف الوجودي: “أنا أستطيع أن أختار دائمًا، وحتى إذا رفضت الاختيار، فرفضي عدم الاختيار هو اختيار في حد ذاته” ولكنني أختلف معه فنحن لسنا أحرارًا بالكامل، نحن الذين تم حصرنا في مجموعة اختيارات محددة، فلا حرية للاختيار أو بمعنى أصح إنها محسوبة. فنحن نختار بين الأشياء المتاحة لنا، طبقًا لما نمتلكه، فخيارتنا يحددها ما نمتلكه نحن، ما نملك من المال، ما ندين به من دين، ما نعتنق من فكر وثقافة، ما لدينا من أفكار، لذلك فإننا أحرار ولكن أحرار داخل نطاق معين، نطاق في بعض الأحيان يكون محدودًا، كما يقول زوربا في رواية اليوناني نيكوس كزانتكس “لست حرًّا، كل ما في الأمر أن الحبل المربوط في عنقك أطول قليلًا من حبال الآخرين”.
لعنة تعدد الخيارات
قد يتعارض ذلك مع ما ناضل الإنسان من أجله وهو أن يصبح حر الاختيار ومتعدد الخيارات، فهو يمنحنا الحرية والمسؤولية الشخصية وتقرير المصير والاستقلالية والكثير من الأشياء الأخرى، لكن تلك الأشياء لا تساعدك بينما أنت واقف لتختار بين شراء صلصة الطماطم من أيّ نوع فهناك العشرات من الشركات، أو شراء الماء في ذلك اليوم الحار.
يرى باري شوارتز في كتابة “مفارقة الاختيار”: إن تعدد الخيارات لا يعني راحة الإنسان وسهولة الاختيار، والوصول للخيار الأفضل. في تجربة تم عملها على مرتادي أحد المتاجر التي تبيع السلع الغذائية، تم تقسيم الناس إلى قسمين، القسم الأول من التجربة، تم عرض (24) عينة من المربى، وفي القسم الثاني تم عرض (6) عينات من المربى، بعد ذلك ثبت أن نسبة البيع في القسم الأول الذي احتوى (24) عينة بلغت (3%) فقط.
بينما في القسم الثاني حيث تم عرض (6) عينات بلغت نسبة البيع (30%) مما يعنى عشر أضعاف القسم الأول الذي يحتوى الكثير من الخيارات، فعلى الرغم من أن تعدد الخيارات قد يبدو تنوعًا كبيرًا، أو حرية أكثر إلا أن ما حدث كان العكس تمامًا، فتعدد الخيارات أدى إلى الحيرة والعزوف عن اتخاذ القرار، وبناءً على ذلك لم يشتر الكثير من الناس لأنهم لم يتمكنوا من حسم خياراتهم.
كما أوضح باري في كتابه الأنماط الشخصية التي تبرز عند تعدد الخيارات، وهما النمط المتقصي والإرضائي، فمثلًا حينما يريد أحد أن يشتري حاسوبًا، يبحث المتقصي عن جميع المعلومات حول الحاسوب، مثل الأسعار، المواصفات التي يحتاجها، الشركات الأفضل، فهو يتميز بأنه يحسب التبعات لكل خطوة يخطوها وهذا بالطبع يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد، أما الشخص الإرضائي فهو الذي يضع قائمة بما يريد الحصول عليه فقط مثل مواصفات الجهاز الذي يحتاجه، فبناءً على ذلك يختار ما يريده وهذا يحتاج للقليل من الوقت، والقليل من الجهد.
ما بعد خطوة الاختيار ما الذي يحدث؟ هناك نمط من الأفكار المناهضة للواقع، يحدث بعد اختيارك ورؤيتك للكثير من الخيارات الأخرى التي قد تبدو أفضل لك من خيارك، فهناك نمطان من التفكير: النمط الأول هو التفكير المتصاعد، ويتميز هذا النمط بالندم وعدم الرضا والكآبة، أما نمط التفكير المتنازل فيتميز بالراحة والقناعة والرضا بما آل إليه الاختيار.
ماذا يمكننا أن نفعل؟
في هذا العالم الشرير حيث تتسع الخيارات أمامنا لا يعرف الشخص ما الذي يمكنه فعله تجاه الخيارات المتعدد في الحياة ولا يسعه إلا أن يكون حازمًا يعرف ما يريد بالضبط، يعرف الأفضل بالنسبة إليه وما الذي يحتاج إليه، لأن الشخص حينما يدرك ما هو بحاجة إليه، يعرف بالضبط ما يتوجب عليه فعله، ولن يندم حينما يرى خيارًا يبدو أفضل من خياره، أذكر أن صديقة لي أخبرتني ذات مرة كيف تختار شريك حياتها، كانت تقول كيف أضمن أن ذلك هو الشريك الصحيح، فهناك الأفضل منه وظيفيًّا، وهناك الأكثر مالًا منه، هناك من يفضل، الشخص إلى ما لا نهاية فكيف أثق أن ذلك هو الخيار الصحيح، أخبرته فقط أن تختار الشخص المناسب لها.
فالخيار الأفضل ليس بالضرورة هو الخيار الأحسن، أو هو الخيار الذي سيجلب لنا السعادة والراحة، بل على العكس قد يبدو الأفضل في بعض الأحيان مضللًا، وحينما نحصل عليه يصبح بلا فائدة بالنسبة إلينا، فحينما أردت شراء حاسوب لم أختر إلا الذي يناسبني، من حيث المواصفات التي أحتاجها للعمل، وكذلك المال المتوافر لشرائه، فهذا بالضبط ما نحتاج إليه، وهذا بالضبط ما نحتاج أن نفعله أن نكون ذلك الشخص الإرضائي بحسب باري شوارتز.
وهناك ثلاث خطوات أخرى يمكنها المساعدة:
1– كتابة قائمة
اكتب فيها بالضبط ما الذي تريد عمله، وكيف يمكنك أن تحله بشكل مثالي؟ وما الخطوات القابلة للتنفيذ التي يمكنك اتخاذها للمضي قدمًا؟ وتحويل قرارك من مفهوم غامض إلى شيء يمكنك رؤيته والتحكم فيه. كما أن القائمة توفر عليك الكثير من القلق والخوف.
2- لا تقرر بسرعة
قد يساعدك قضاء بضع دقائق في التفكير في العمل الذي يجب القيام به وكيف يمكنك القيام به، ثم منح نفسك دقيقة أو دقيقتين للتنفس فقط، فإن ذلك يساهم في تحسين قدرتك على اتخاذ قرار .
3- ثلاث خيارات فقط، واستعن بصديق!
هذه النقطة قوية عندما يتعلق الأمر بالتغيير لأنها تمنحنا خيارات دون إرباكنا. إذا تبين أن أحد الخيارات ليس مثاليًّا، فسنظل نشعر بالقوة لأن الخيارين الآخرين يمثلان جانبًا آخر من المقياس. لذلك احصر خيارتك المتعددة في ثلاث خيارات فقط ثم اطلب من صديق مقرب، أو زميل، أو مدير، المساعدة في تحديد الخيار المناسب لك.
أما إذا كانت الحيرة بخصوص شيء يتعلق بصحتك فاختر الأفضل دائمًا.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 61,969
link https://ziid.net/?p=70544