الرحلة أم الوجهة؟
كثيرًا ما نمتلك وجهة بعيدة الأمد، التركيز عليها في الأفق البعيد ينسينا الاستمتاع والتلذذ بجمال رحلة الوصول إليها.
add تابِعني remove_red_eye 2,074
مبدأ خاطئ نشأنا عليه منذ نعومة أظافرنا، مبدأ لا تقلق ستنتهي المرحلة كذا وسينتهي معها العناء والتعب، لا تنظر تحت قدميك فالثانوية فقط هي المتعبة وفي الجامعة راحة لا نهائية، لتقضي حياتك في انتظار مراحل لتنتهي كما وصفها أحمد خالد توفيق “لسوف تجد أن حياتك صارت مجموعة من الفترات يجب أن تنتهي، وهوب! تكتشف أنك بلغت نهاية العمر ولما تنعم بحياتك يوما واحدا” دعني أخبرك شيئًا، إذا قضيت عمرك تطارد أحلامًا ووجهاتٍ بعيدة، ستستيقظ لتجد أن رحلة حياتك كانت مزيجًا من وَهْم الاستمتاع بلحظة تحقيق الهدف ومطارة أحلام قد يحالفك الحظ أن تتحقق أو ربما ستتحقق ولكن بعد شق الأنفس؛ لتفقد في رحلة تحقيق أهدافك أبسط قيمة في الحياة وهو السلام النفسي، لتصل إلى وجهتك مرهقًا منعدم الطاقة فاقدًا لجزء منك غير مستمتع بفترات حياتك.
الرحلة أم الوجهة؟
أؤمن أن الحياة رحلة كبيرة تتضمن بعض المحطات والوجهات التي نصل إليها، ولا توجد محطة أو وجهة ثابتة نستقر فيها، فكلما وصلنا إلى هدف من أهداف الحياة سرعان ما نحمل الزاد والمتاع لننطلق لهدف جديد، فهل من المنطقي أن نؤجل الاستمتاع بالرحلة من أجل لذة وصول لحظية؟ ولا أعني أبدًا أن الأهداف غاية غير نبيلة بل العكس تمامًا الحياة بلا هدف حياة لا روح فيها، ولكن الذكاء أن نتعلم كيف نستمتع بالرحلة وبالوجهة في آن واحد.
قد يجد البعض صعوبة في استيعاب مفهوم الموازنة بين وضع أهداف صارمة والاستمتاع بكل خطوة تخطوها في رحلتك، إليك بعض النصائح لتحويل أفكارك للتعامل مع أهدافك بشكل مختلف:
هل تحقيق الأهداف يجلب السعادة؟
أول سؤال يجب أن تسأله لنفسك هل الهدف الذي وضعته نصب عيني وبذلت فيه كل غالٍ ونفيس هو ما سيمنحني السعادة اللانهائية؟ ولكن دعني أن أسألك سؤالًا من منظور آخر، هل جربت أن تكون تعيسًا؟ هل جربت أن تفقد معاني الحياة؟ هل سعيت بكل ما أوتيت من قوة نحو شراء سيارة جديدة لتصبح أكثر سعادة ثم لم تلبث أن تشتريها لتكتشف أنك ما زلت تعيسًا؟ هل تمنيت لحظة التخرج بفارغ الصبر حتى أن روب التخرج بات يطارك في أحلامك ثم تأتي لحظة التخرج وتكون سعيدًا بالفعل ثم تجد نفسك تعيسًا من جديد؟ إذًا أنت لا بد أن تراجع نفسك ومفاهيمك لتكتشف أن السعادة لا تكمن في لحظة التخرج ولا في سيارة الأحلام، ولكن السعادة في القلوب المطمئنة الراضية بكل ما تعيش في حياتها، نور يملأ قلب الإنسان بغض النظر عن الأهداف التي حققها أو الوجهات العديدة التي وصل إليها.
التقط أنفاسك، أنت لست في ماراثون
دعني أسألك من جديد هل شعرت يومًا ما أنك تركض بلا توقف؟ هل فقدت يومًا إحساسك بكل شيء سوى دقات قلبك المرتفعة؟ هل شعرت أنك ما عدت تستمتع بشيء وما عدت ترى سوى نقطة النهاية؟ تتمنى في كل لحظة وفي كل حين أن تصل لهدفك؟ ألم يَحِن الوقت ليتوقف بك الزمن للحظات لتلتقط أنفاسك، لتتأمل الكون حولك، لتقضي وقتًا ممتعًا مع أهلك وأصدقائك، تمارس رياضة تحبها أو تقرأ كتابًا شيقًا؟ هل ستعيش معظم حياتك راكضًا خلف الدنيا متناسيًا صلواتك وأورادك؟ لا تجعل الركض وراء الدنيا يجرّدك من إنسانيتك وينحرف بك عن الهدف الأساسي من وجودك على الكوكب.
وازِنْ بين أركان الحياة
قد تفهم من كلامي أني أدعوك للكسل، أن تعيش دون وضع خطط وأهداف ودون تحقيق شيء، ولكن حاشاني أن أدفعك لعيش حياة بلا روح، ولكن دعنا نتخيل أن كل شيء في حياتك ركن تستثمر فيه وقتك، قدراتك، مجهودك وحتى مواردك، فلنفترض أن أركان حياتك هي دين، وظيفة، عائلة، أموال، صحة ورياضة، أصدقاء وحياة اجتماعية، كل ركن ستتكئ عليه في وقتٍ ما من حياتك، وأنت ستحصد حتمًا ما ستزرع فلا تجعل ركنًا من حياتك يطغى على الآخر، ولا تنغمس بكل ما أوتيت من قوة لتبني ركنًا من حياتك متناسيًا بقية الأركان متخيلًا حصولك على غرفة لتتفاجأ أن كل ما بنيته هو مجرد عامود في صحراء قاحلة لا زرع فيها ولا ماء.
إذًا ما سر الاستمتاع بالحياة؟
أؤمن أن السعادة لا تكمن في أهداف نحققها ووجهات نصل إليها، بل كل يوم هو فرصة جديدة لخبرات ومشاعر مختلفة، كل يوم هو تجربة ولكل تجربة متعتها الفريدة، إذًا التقبّل هو جوهر الاستمتاع بالحياة، وتقدير كل يوم بجماله ومشاقه ونعمه ونقمه، فما نعيشه اليوم هو حجر الأساس الذي يشكل الشخصية القوية التي سنكون عليها في المستقبل.
في نهاية المطاف نعم الحياة رحلة قد نمرّ بمحطات شاقة وأخرى سهلة ليّنة، وأرى أن الاستمتاع بالحياة يسكن في باطن التقبّل، تقبَّل الرحلة بحلوها ومُرّها، تقبل الماضي والحاضر وحتى ما قد تخوضه في المستقبل.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 2,074
هل نستمتع أكثر بالرحلة أم بحلاوة الوصول؟ مقال يقدم لك الإجابة
link https://ziid.net/?p=81671