فجوة الإبداع: كيف تصبح مبدعًا في مجالك؟
الإبداع في مهارة ما لا يأتي بالفطرة أو بالمصادفة، ولكن يحتاج إلى وقت وجهد وبذل من أجل الوصول والتمكن من أي مهارة تمتلكها
add تابِعني remove_red_eye 2,272
من فترة قريبة بدأت الكتابة بشكل منتظم، دائمًا كنت أظن الكتابة عملًا يقتصر على القليل فقط ممن لديهم مهارة استثنائية أو موهبة ربانية فقط، هذا الإبداع من نصيب القليلين لكن بسبب عشقي للقراءة أصبحت رغبة الكتابة تزداد يوميًّا.
لا أتذكر أول رواية قرأتها، لا أتذكر أول مقال أو أول كتاب لكني أتذكر عشقي لهذا العالم منذ أول خطواتى به. لقد بدأت القراءة منذ سن صغير جدًّا، ومع مرور الوقت، الكثير من الوقت والكثير من القراءة، يبدأ تذوقك لما تقرأه يزداد فتبدأ التمييز بين الكتابة الجيدة والكتابة السيئة، تكون قادرًا على معرفة الأسلوب الجيد من الأسلوب الأقل، تكون قادرًا على النقد ليس لكونك خبيرًا أو متخصصًا لكن لكونك شغوفًا بالقراءة.
عندها تبدأ تفكر فى الكتابة، تسأل نفسك: لماذا لا أكتب بأسلوبي ما أريد نشره للناس؟ تعتقد بسبب كونك شغوفًا بالقراءة فسوف تكون قادرًا على الكتابة بشكل جيد، فى النهاية أنت قادر على معرفة الأسلوب الجيد من الأسلوب الرديء وهذا ما اعتقدته وبالفعل بدأت أكتب أول مقال وانهمكت في كتابته وعندما أنهيته كان أقرب لموضوع تعبير خاص بطلاب الفترة الإعدادية. الأسلوب لم يعجبني، اختيار الكلمات سيء، المقال غير واضح وأشياء سيئة عديدة. للأمانه هذا أصابني بالإحباط وسألت نفسي كيف أكون قادرًا على معرفة الكتابة الجيدة من الكتابة السيئة بمجرد القراءة ولا أكون قادرًا على الكتابة بأسلوب جيد، كيف حدث هذا؟
فجوة الإبداع
فجوة الإبداع أو بالإنجليزي (creative gap) هو الفرق بين تذوقك الفني للمهارة التي تريد اتقانها ومستواك الفعلي فى هذه المهارة، هذا ينطبق على كل شيء وليس الكتابة فقط فمن الممكن أن يتعرض لها من عندهم شغف بالبرمجة أو الموسيقى أو الرياضة أو التصميم…إلخ.
عندما قرأت عن مفهوم فجوة الإبداع لأول مرة تذكرت الفيلم المصري (ملك وكتابة) بطولة محمود حميدة وهند صبري. وكيف أن أستاذ التمثيل بمعهد الفنون المسرحية قد يكون عاجز تمامًا عن تأدية دور صغير أمام كاميرا فعلية. وقد تكون ناقدًا متمرسًا عندك مؤهلات “نظرية” كافية للنقد لكن مستواك الفعلي في المهارة التي تنتقدها قد يكون أقلّ كثيرًا ممن تنتقدهم. هذا ليس معناه قبول الرديء لكن يجب عليك الممارسة والتدريب إذا أردت إجادة هذه المهارة. الجميع ناقد محترف لكن القليل فقط هم القادرون على الإبداع.
لماذا توجد الفجوة؟
وجود الفجوة هو أمر منطقي وطبيعي فقبل تعلمك لمهارة جديدة، ولتكن كمثال العزف على آلة موسيقية فأنت في الغالب تشاهد فيديوهات لمحترفين يعزفون على هذه الآلة لمدة كبيرة ثم تتخذ قرارك بالتعلم. بالنسبة للتعلم فأنت ما زلت مبتدئًا فى بداية مشوارك لكن بالنسبة للتذوق الفني فأنت بالفعل استمعت للكثير من فيديوهات العزف فكنت قادرًا على النقد والتمييز.
عدم وجود فجوة الإبداع له عيب كبير، وهو أنه قد يجعلك تعتقد أنك تمارس المهارة بشكل مميز. إذا لم أكن أقرأ كثيرًا ولمدة سنين فمن المرجح أن أول مقال كتبته قد يعجبنى جدًّا وقتها وأتحيز له، وهذا سوف يجعلني ثابتًا مكاني ولا أطور من نفسي ولعل هذا يكون أحد أسباب عدم تطور الكثيرين ممن يمتلكون مهارات مختلفه.
لكن على نفس المقدار فإن وجود فجوة إبداع كبيرة قد يكون له أثر سلبي أيضًا. فى هذه الحالة أنت تكون قادرًا على معرفة مقدار مستواك الحالي ومقدار ما تطمح له لكن قد يصيبك هذا بالإحباط إذا وجدت أنه بعد فترة لازال هناك فارق هائل بين مستواك والمستوى الذي تطمح له. وأعتقد أن هذا سبب مهم لترك الكثيرين تعلم مهارة معينة قد يكونوا شغوفين بها لكنهم يعتقدون أنهم لن يصلوا أبدًا للمستوى الذي يطمحون له فيتخلوا عن التعلم ويتركوا شغفهم.
إذاً، ما هو الحل؟
الحلّ هو وجود الفجوة فهي دليلك لطريق الإبداع لكن بشكل متوازن فلا تكون أكبر من الحد المسموح به فتصيبك بالإحباط أو أقل من الحد المسموح به فتتوقف مكانك. لكن السؤال هنا: كيف نحافظ على وجود الفجوة بهذا الشكل المتوازن؟
نحن نعلم الآن أن الفجوة سببها مشاهدتك لأعمال المحترفين فى هذه المهارة وهذا جيد لكن يجب عليك الممارسة بشكل أكبر من مشاهدتك للمحترفين. فإذا كنت مصمم فوتوشوب مبتدئ وتشاهد الكثير من أعمال المبدعين فى التصميم فإنه يجب عليك أن تتدرب وتمارس بشكل أكبر. التدريب وحده القادر على تقليل الفجوة لكن أيضًا يجب عليك معرفة أعمال المبدعين فهذا يشعل حماسك لكى تكمل طريق الابداع.
تقبل النقد، فى بداية طريقك فإنك فى مستوى مبتدئ ومن الطبيعى أنك سوف ترتكب الكثير من الأخطاء وأنّ أول أعمالك سوف يكون مستواه رديء أو فى أحسن الأحوال متوسط. النقد البناء الذى يلقى الضوء على مواطن الضعف عندك سوف يساعدك فى تحسين مهارتك وتطوير نفسك.
احذر المثالية
المثالية عدو الإنجاز. المثالية هي أخطر شيء يبقيك بعيدًا عن طريق إبداعك. أعلم أنك لا ترغب فى نشر شيء إلا عندما يصبح مثاليًا. أي كاتب لا يرغب فى نشر رواية إلا فى مستوى بساطة أسلوب نجيب محفوظ وعمق شكسبير وتعبيرات مارك توين، لكن هذا لن يحدث وسوف تكتشف بالطريقة الصعبة أنك لم تنجز أي شيء لأنك كنت أسيرًا فى ظلام المثالية. هل هذا المقال مثالي؟ هل المقال السابق لي كان مثاليًّا؟ هل المقال التالي سوف يصبح مثاليا؟ لا، لا شيء فيهم مثالي لأنه هناك دائمًا مساحة للأفضل لكني أتطور مع الوقت، وهذا ما يحدث مع الجميع. أول عمل لك في أي مهارة ترغب في إتقانها لن يكون جيدًا وهذا جيد لأن هذا معناه أنك تخطو أولى خطواتك في طريق إبداعك فلا تجعل المثالية تأسرك فقد تصلها لكن مع التدريب ولا تجعل فجوة الإبداع تحبطك فهي مجرد محطة في طريق نجاحك وإبداعك.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 2,272
كيف تتحول من متذوق جيد فى مهارة ما إلى مبدع فيها؟ هذا هو السؤال الذي نحاول إجابته فى هذا المقال
link https://ziid.net/?p=65992