أوقف البحـث عن شغفك، إنه فخ يا جورج
لكل عصر هوس و هوس عصرنا الشغف، الجميع يبحث هنا وهناك و"الناجحون" يحثوننا على البحث أكثر فالشغف هو ما جعلهم كذلك
add تابِعني remove_red_eye 658
حتى فترة ليست ببعيدة كنت أبحث عن شغفي -بكل شغف- أقضي ساعات وساعات أقرأ وأقرأ هنا وهناك عن الشغف وعن النجاح وعن “الناجحين” الذين وجدوا شغفهم، أبحث وأفكر وأسأل وأشاهد وأجرب ثم أنكمش على نفسي في زاوية بغرفتي مكتئبة، لأنني لست جيدة بما فيه الكفاية، لماذا ؟ لأنني لم أجد شغفي، لأن حياتي دون شغف لن تكون ذات معنى، لأنني لن أترك بصمة في الحياة هكذا ولن أكون ناجحة، لأن النجاح مرتبط بالشغف.
أجل هو كذلك “النجاح مرتبط بالشغف” أليس هذا ما يقوله المشاهير “الناجحون”؟ أليس هذا ما قاله مارك زوكربيرغ، مؤسس شركة فيسبوك؟ ووارن بافيت، أحد كبار المستثمرين الأمريكان؟ ثم ستيف جوبز، مؤسس شركة آبل؟ ألم يقل في خطابه المشهور الذي ألقاه قبل خمس عشرة عامًا في جامعة ستاندفورد: إن الشغف هو الطريق الوحيد الممكن؟
يجب عليك البحث عما تحب فالطريق الوحيد لعمل رائع هو أن تحب هذا العمل. إذا لم تجده بعد فتابع البحث عنه ولا تستقر – ستيف جوبز
لقد قالوا ذلك جميعا، لقد نصحوا باتباع الشغف، وسوّقوا له جيدًا لكن هل اتبعوا نصائحهم؟ هل اتبع ستيف جوبز نصيحته؟
في كتاب “كن أروع من أن يتجاهلوك: الحرفية والشغف” عنون الكاتب كار نيوبورت، أحد فصول كتابه بـ “افعل مثل ما فعل ستيف جوبز ولا تتبع نصائحه”. مؤكدًا أن ستيف جوبز، لم يصل لما وصل إليه، باتباع شغفه، قائلا: “لو أنك قابلت ستيف جوبز الشاب خلال السنوات التي سبقت صنعه لحاسوب أبل، لما اعتبرته شخصًا شغوفًا بإنشاء شركة تكنولوجية، لو أن ستيف جوبز الشاب أخذ بنصيحته الخاصة وقرر متابعة العمل الذي يحبه، لوجدناه اليوم واحدًا من أكثر المعلمين شعبية في مركز “لوس الستون زن”. لكنه لم يتبع النصيحة، كمبيوتر أبل لم يولد بدافع الشغف”.
وستيف جوبز لم يكن أول من جاء الفكرة، وجملة “اتبع شغفك”، ليست وليدة يومنا هذا، لقد ظهرت لأول مرة عــام (1970م)، حيث نشر الكاتب ريتشارد بولز سلسلة من المقالات الموجهة للباحثين عن عمل والمقبلين على تغيير حياتهم المهنية، وكانت كلها تصب في نفس الفكرة ” اكتشف ما تحب فعله، ثم ابحث عن مكان يحتاج أشخاصًا مثلك” بعبارة أخرى “أوجد شغفك واتبعه” ومنذ ذلك الحين صارت الفكرة على علاقة وطيدة بديهية بالنجاح، بل إنها الآن من أهم النصائح التي تعطى في مجال الأعمال وتحسين الحياة. إنها دواء لكل داء.
ربما كونها فكرة مريحة وردية ومتفائلة، هو ما يجعلها تنتشر هكذا بهذه السرعة، وتترسخ في أذهاننا لنعتبرها بديهية لا تقبل النقد. فالجميع -كما كنت أنا نفسي- يعتقد أن الحياة ستصير أسهل وأفضل بمجرد إيجاد الشغف، وينتظر تلك اللحظة مرددًا: “لو أنني فقط أجد شغفي” ماذا كنتَ لتفعل؟ ماذا كنتُ لأفعل؟ ماذا كان ليحدث لو وجدنا ذلك الشغف؟ لن يحدث أي شيء إن كنت بائسًا فستبقى كذلك، وإن كنت سعيدًا فستبقى كذلك، ستبقى العين التي تنظر بها لنفسك ثم للحياة هي نفسها، ستبقى الحياة هي نفسها وسيكون عليك أن تستيقظ كل يوم لتعمل لتجني المال وتكافح وتتعامل مع كل المشاكل التي سترسلها لك الحياة.
أنا لا أقول إن الشغف أمر سيء، ما أقوله هو أنه ليس الطريق السريع الذي سيوصلك للسعادة، لأن السعادة ليست محطة نصل اليها، السعادة ترافقنا طوال الرحلة إن سمحنا لها بذلك، وإن لم نكن منشغلين حينئذ بالبحث عن الشغف والضغط على أنفسنا من أجل إيجاده.
حسنًا، لكن ماذا يدل ذلك؟ ما الذي عليّ فعله؟ ما الغاية من حياتي إن لم يكن لدي هدف أطارده وأسعى للوصول إليه؟ ما الذي عليّ تحقيقه لأصير ناجحًا؟ يقول أينشتاين: “لا تسع للنجـــاح، إنمــا كن ذا قيمة”.
وعلى ما يبدو أن هذا هو السر الحقيقي، هذا ما فعله معظمهم، هذا ما فعله ستيف باختراعه للأبل، ومارك باختراعه للفيسبوك، لقد أضافوا قيمة للحياة وأتوا بما لم يأت به من قبلهم، ابتكروا وسعوا لإحداث فرق.. وفي الحقيقة، تبدو هذه الفكرة أقل أنانية من سابقتها وأكثر إنسانية، فما الحياة إن لم يكن الناس للناس؟ ولم يكن مسعانا الأول والأخير مساعدة من حولنا، تسهيل الحياة على بعضنا بعضًا، العطــاء قبل التفكير بالأخذ، كما وضح آدم جرانت، مؤلف كتاب “الأخذ والعطاء” في آخر صفحات كتابه:
سأختصر مفتاح النجاح في كلمة واحدة: الكرم، إحداث فرق وإضافة قيمة الكرم، هذا ما يجب علينا السعي له بدل الشغف…
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 658
هل الشغف كذبة نقنع بها أنفسنا؟.. إليك الحقيقة الكاملة في هذا المقال
link https://ziid.net/?p=66338