مراجعة لكتاب الروح والجسد
الصحبة السعيدة فن، والمعاشرة الحلوة اقتدار وموهبة، ليس لكل أحد حظّ فيه. تعلُّم حُسن الصحبة والحب لا يمكن أن يتمّ من الكتب
add تابِعني remove_red_eye 3,704
الروح والجسد كيانان مرتبطان ببعضهما حتى وإن بَدَا لنا العكس، وأيّ ضرر يحدث لأحدهما؛ يؤثر تأثيرًا كبيرًا على الآخر. يتناول الدكتور “مصطفى محمود” هذه العلاقة في كتابه هذا بلغة سهلة، سَلِسة، ولم يستخدم أيّ مصطلحات فلسفية معقَّدة، وبرغم اختلافي معه في عدة مواطن من هذا الكتاب، فإن هناك ما اتفقت معه عليه، فانتقيت بعض ما نظَم في كتابه من فقرات، نستعرضها معًا في هذا المقال.
١. الصمت
دائمًا يُنظَر للصمت على أنه شيء سلبي، ويميل الناس للكلام والتعبير عن مكنونات أنفسهم باللغة، وهذا يدفعهم إلى استخدام كلمات مبتذلة، حدَّ الاهتراء. ولكن كلما عظُم الحب وزاد القرب، كلما زاد الصمت. الصمت يعني الحديثَ بلا لسان وسماعًا بلا أذن، فللصمت لغةٌ عاليةُ المستوى، لا يفهمها إلا مَن امتلك ذات المستوى من رهافة الحِسّ، الصمت أقدَر على توصيل المشاعر بدفءٍ من الكلمات المُبتذَلة، شريطة أن يكون صادقًا، فالاختلاف له بصمة في النفس يصعب تكرارها.
٢. صرخة
يتناول هنا موضوعًا مهمًّا جدًّا، يراه هو سبب المشاكل، ألَا وهو الغِلّ. يقول: تحوَّلتْ حياتنا إلى صراخ، فسياسيًّا يتمّ تأليب الأقليات على الأغلبية والعكس، فكل الهتافات واللافتات ما هي إلا صراخ. البيوت أيضًا برغم لافتات الحب المعلقة على أبوابها؛ فإنها مليئة بالصراخ، حيث إنه لا يمكن أن يوجد زواج بلا نقص، فإن وُجد الحب غاب المال، وإن وُجد المال غاب الحب، المهمّ أنّ هناك سببًا للغل الذي يؤدي إلى الصراخ.
السَّكِينة والسعادة بيد الله، يُعطيها لمن تمسَّك به ورَضِي بأقداره، ولا يفعل ذلك إلا مَن أحب الله. إن تعلُّق الإنسان بإنسان مِثله، هو تعلُّق زائلٍ بزائلٍ، بل هو سقوط للهِمة. ولهذا جعل القرآن العلاقة بين الأزواج مودة ورحمة، وحصر المحبة له سبحانه ولرسوله، لأنه هو الصمَد الثابت، الذي لا تناله العوارض والتغيُّرات. ذلك الحب الذي تعوّذ منه يوسف وفضّل السجن عليه، يُضعِف الشخص ويجعله تحت رحمة غيره، فهو تعلق الخراب بالخراب.
٣. عن الروح والجسد
سرٌّ من أسرار السعادة هو تناغُم الظاهر والباطن، في وحدة متناسقة متناغمةٍ. كلّ الجَمال الخارجي إذا لم يتوافق مع سكينة داخلية، فنحن أمام حرب وانفصام يورث القلق والحسد. فهو يرى أن السعادة الحقيقية في التصالح بين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان والآخرين، وبين الإنسان والله، وليس كما يظن الناس أنها تكمن -السعادة- في المَظاهر، وتَرْك الحيوان الموجود داخلنا يقودنا إلى الهاوية.
٤. الجنة
يتحدث في هذه الفقرة عن انبهار الناس بالتطور الوهمي للغرب، فيسوق لنا مثالًا لفتاة سافرت للندن بكامل حيائها، لتعود مثل الغِيلان تنفخ دخان السيجارة بكِبر وغرور، وكيف تروّج تلك الفتاة للحرّية المُطلقة هناك، وكيف تدعو للخَلاعة أمام وناظر الجميع، واصفة كل ذلك بالتقدم. قارَنها بنظرته هو، التي كان تركِّز على الجدية والانضباط، وأنه لم يَرَ هذا الانحلال إلا سيرًا على دَرْب القرود، مضيفًا لو شباب الإنجليز فعلوا ما فعلت تلك الفتاة ما وصلوا لهذا التقدم. ادّعت الفتاة أن كل ذلك الانحلال جَنّة يجب على الجميع أن يعيش فيها وبها.
٥. عالم الأسرار
يتحدث في هذه الفقرة عن سِرّ النفس البشرية المتأرجحة بين مراتب عليا كالاستقامة والكَرَم والعِفة والصدق، ومراتب أخرى سفلى كالغِلّ، والحسَد، والكُره، والشهوات، موضحًا أن الشيطان لا يمكن أن يدخل إلا من باب المراتب الدنيا، فهو لا سلطان له على عباد الله. يختلف البشر بناءً على وازِعهم الديني في التأرجح بين المستويَيْن، وأسعدهم ذلك الذي يمكث طويلًا في منازل المراتب العليا.
٦.الأصنام
يستعرض هنا أشياء يكاد الناس أن يعبدوها، بسبب تعلُّقهم بها، كالنساء، والمال، والنظرية أو الفكرة المجردة، التي ينبثق منها رأيٌ أو توجُّه سياسي، يستعمر العقول، وبدلًا من أن تُوضع النظرية في خدمة الإنسان، يحدث العكس تمامًا، فيُوضع الإنسان في خدمة النظرية. والأسوأ من كل ما سبق هو عبادة الذات، واتّباع الهوى، وكيف يمكن لصنَم حُب الذات أن يختفي خلف صنَم العصبية والقبلية والجهوية.
٧.الحب والعداوة
يقول: الصحبة السعيدة فنٌّ، والمعاشَرة الحلوة اقتدار وموهبة، ليس لكل أحد حظ فيه. تعلُّم حُسن الصحبة والحب لا يمكن أن يتم من الكتب، بل هو معتمد على الفطرة السليمة ويعتبر ثمَرة للأخلاق. بعض العبارات الكاذبة من كثرة تكرارها من قِبَل البشر، أصبحت حقيقةً يتناقلها الناس بكل سفهٍ، ولعل أبرزها أكذوبة الاندماج. وهذا غير حقيقي ويستحيل تطبيقه، لعدة أسباب وأهمها أنه لا يمكن لشخصين أن يُصبحَا واحدًا إلا بعد إجراءات تعسفية تفضي إلى إلغاء أحد الشخصيتين.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 3,704
اختيارات من رؤية الدكتور مصطفى محمود لعلاقة الروح بالجسد
link https://ziid.net/?p=89618