[سلسلة] من تجربتي الذاتية: كيف تعرف قيمة نفسك؟
قيمة المرء نابعة من ذاته الحقيقة بغض النظر عن ما أعطته له الحياة من قدر أو ظروف محيطة به
add تابِعني remove_red_eye 29,637
اليوم سأحذركم من 4 أفخاخ وقعت فيها، وبسببهم صنفت نفسي ضمن فئة لا أنتمي إليها، ولم أعطِ لنفسي قيمتها الحقيقية، وتلك الفخاخ هي التصنيفات أو الأطر التي نضع أنفسنا بداخلها، وسأذكرهم لكم كالتالي:
1- القدر والظروف المحيطة
في صغري وبسبب حرص والداي المبالغ فيه تجاهي اقتنعت أني سأظل للأبد ضعيفة ولا أقوى علي فعل شيء بمفردي حتى اللعب مع أقراني كنت ممنوعة منه؛ ولهذا السبب بدأت أنظر لنفسي باستصغار ولم أدرك قيمتي الحقيقة، حتى ذكائي توقعت أنه سيتلاشى في يوم ما بسبب ضعف بنيتي، وعشت بتلك العقلية حتى وصلت للمرحلة الإعدادية، وتعافيت من أول عقبة حالت دون معرفتي بقيمتي الحقيقية بعد موقف لا أستطيع نسيانه حتى الآن.
فأثناء مناقشة قصة عنترة بن شداد في حصة اللغة العربية بالمرحلة الإعدادية سألت معلمتي سؤال استغرقت إجابتها عليه ما يقرب من 15 دقيقة وفي النهاية قالت لي:
“أنتِ فليسوفة”
ومنذ ذلك الحين استردت ما أخذته مني سنوات طفولتي، وأصبحت أدرك أن قيمتي الحقيقية لا علاقة لها بالقدر أو الظروف أو حتى معاملة الآخرين لي، يومها اقتنعت أن كوني ضعيفة لا يحدد أبدًا قيمة وجودي في الحياة.
2- المظاهر
أغلب البشر لا يدركون قيمتهم الحقيقية بسبب مظهرهم الخارجي إما بسبب البدانة أو بسبب أي ندبة أو أي شيء أخر يخفي جمالهم الحقيقي، وكنت أنا من هؤلاء؛ فعلى الرغم من عدم وجود ندبات في جسمي، إلا أني كنت أعاني من بشرة سمراء للغاية بسبب نسبة الحديد الزائدة في الجسم، الناتجة عن الثلاسيميا -المرض الذي شخصه الدكتور بالخطأ- ولأن الحديد كان زائد في الجسم فترسب على الطحال مما أدى إلى التضخم.
وبالتالي أصبحت بطني منتفخة؛ ولهذا السبب دائمًا ما كنت أرتدي فساتين واسعة لإخفاء بطني، طبعًا كل هذا جعل ثقتي بنفسي تتزعزع ويمتلكني شعور أن أختي أفضل مني وأن لا قيمة لي بجوارها. حتى صديقاتي كنت دائمًا ما أشعر بأنهنّ أفضل مني.
كل هذا أجبرني على النظر لشخصيتي ولكياني باستصغار، كنت أشعر -حقاً- بأني أقل قيمة ممن حولي؛ لكن بدأت الأمور تتحسن شيئًا فشيئًا؛ فبعد استئصال الطحال أصبحت بطني طبيعية وبعد تناول أدوية التخلص من الحديد عادت بشرتي للونها الأصلي.
وحدث كل هذا قبل دخولي الجامعة؛ فاختلفت نظرتي لنفسي واشتريت كل الملابس التي حُرمت من ارتدائها في صغري؛ لكن بعدما مررت بتلك التجربة أدركت أن أغلب من حولي كانوا يعاملونني بشكل طبيعي ولم يكترثوا بلون بشرتي ولا حتى بشكل جسمي، اكتشفت -فجأة!- أنهم كانوا يقدرون قيمتي الحقيقية في حين أني عشت كل تلك السنين بمعتقدات خاطئة عن نفسي.
3- الثروة والمال
منذ 4 سنوات تركت عملي وشرعت في البدء بعملي الحر، وطبعاً لأني حديثة عهد بمجال العمل المستقل عانيت في البداية وتدهورت أموري الاقتصادية، فأصبحت كالمتسولين حرفياً، فبعد وجود دخل ثابت ومبلغ لا بأس به في مدخراتي أمست فاتورة التليفون وشراء الكتب من المكتبات عبء علي، وقتها شعرت أني عالة على المجتمع وعلى أسرتي، ونظرت لنفسي وإذا بي أتساءل لماذا لا أستطيع جني المال بعد الآن.
كنت أنظر لأخي بعد عودته من العمل، وأخبر نفسي أنه يستحق تناول الطعام وتحميل كل الألعاب وإنهاء باقة الانترنت، أنه يستحق كل شيء لأن قيمته في المجتمع وفي أسرتي أكبر بكثير من قيمتي أنا العاطلة عن العمل؛ لكن مع الوقت بدأت في نشر مقالاتي علي موقع زد وفي موقع جريدة الجمهورية، وأصبحت مترجمة وكاتبة أبحاث ومعدة برامج، وعلى الرغم أن دخلي المادي كان ولا يزال أقل من دخلي الثابت منذ 4 سنوات إلا أني بدأت استرد شعوري بقيمتي الحقيقية، ولم أعد أنظر للآخرين علي أنهم أفضل مني لأن دخلهم المادي أعلي مني، واكتشفت أن قيمتي الحقيقية لا يجب أن أضعها في كفة مقارنة مع المال أو الثروة.
4- النجاح
أخبرتكم أن بعد معاناة في ثانية ثانوي حصلت على مجموع 85% فقط، وبسبب هذا المجموع الضئيل فقدت فرصتي في دخول كلية الطب، وبعد تلك الصدمة أدركت أن حصولي على 94% في ثالثة ثانوي ضرب من ضروب المستحيل، فأخبرت أمي بأني سأدخل الصف الثالث الثانوي وسأذاكر بمفردي دون الحاجة لدروس تقوية، وقتها نظرت لنفسي علي أني لا أستحق أن أهدر وقت أمي وأموال أبي على عقليتي “المتأخرةى” التي حصلت على 85% فقط!
وبالرغم من أني لم أقدر قيمتي الحقيقية وقتها إلا أني حصلت في النهاية على 99.9%، ومنذ ذلك الحين لم أعطِ لنفسي قيمة أقل من قيمتي الحقيقية سواء صادفني القدر بنجاح باهر أو فشل ساحق.
في الختام
إليك 3 نصائح عزيزي القارئ، أولها: لا تصنف نفسك أبدًا وفق مظهرك الخارجي؛ لأن الله -عز وجل- أعطى البشر أجمعين هبات مختلفة؛ فربما حرمك الله من الجمال الخارجي لكنه بالتأكيد عوضك بقدرات خارقة يفتقدها أغلب البشر، ونصيحتي الثانية: لا تنظر لنفسك بدونية بسبب الفقر أو المرض أو حتى الفشل؛ لأن كل شيء زائل، صدقني لا الفقر دائم ولا المرض، أنا عن نفسي سمعت من الأطباء أن مرضي مزمن وسأظل أعاني منه مدى الحياة؛ لكن كل هذا لم يزعزع ثقتي في الله، وأنيّ يومًا ما سأشفى تماماً منه.
وبالنسبة للفقر فأعتقد أني سأخبركم به بالتفصيل في مقالة أخرى، أما الفشل فكما أخبرتكم في السطور السابقة لم يستمر معي طويلاً، ونصيحتي الأخيرة لك عزيزي القارئ هي أن تعلم يقيناً أن الحياة كنبضات القلب يوم انقباض ويوم انبساط؛ فإذا أردت أن تحافظ علي قيمتك الحقيقية لا تعاملها وكأنها رئيس جمهورية تلومها في وقت الضراء، وتهتف باسمها في السراء، أعلم أن قيمتك لا تُحدد وفقاً لمتغيرات الزمن بل تنبع من ذاتك الحقيقة.
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 29,637
مقال ملهم عن قيمة النفس وكيف نقدرها
link https://ziid.net/?p=73261