لا تحمل نفسك ما حدث في العالم بسبب الكورونا!
في الأوقات الصعبة نحتاج إلى الاتزان النفسي والثبات الانفعالي وعدم تحميل النفس ما لا تطيق،يجب ألا تقسو على نفسك خاصة إن لم يكن ذنبك
add تابِعني remove_red_eye 6,133
منذ قرار إغلاق الحرمين الشريفين لدواعي التطهير والتنظيف والحماية من فيروس كورونا (كوفيدا 19) بدأتُ في تتبُّع ما يكتب على وسائل التواصل الاجتماعي تعقيبًا وموافقة واعتراضًا على القرار فَهَالَنِي القبول المُهَوِّل لفكرة جلد الذات وقهرها وتحميلها كل المسئولية تجاه ما يدور في أروقة العالم بشتى طبقاته، فمن قائل أي ذنب أذنبناه وأي جرم اقترفناه حتى يغلق الله تعالى أبواب الحرم في وجوه المصلين، ومن قائل حري بنا أن نراجع ديننا قبل أن تحول ذنوبنا بيننا وبين بيوت الله تعالى.
ثم جاءت خطب الجمعة والتي حرصت على متابعة بعضها منذ بدايتها في أنحاء العالم حسبما تيسر، فصدمني كذلك نفس الخطاب الذي يحاول تحميل الشخص البائس الفقير المعدم المسكين مبررات مثل هذه القرارات، وتذكرت -والذكرى مؤرقة- خطبة العيد في مدينتي وأنا غلام على مشارف البلوغ حيث ظننت أن الخطيب يوجه كل كلامه لي، إذ كان حفظه الله يوزع نظراته على الحاضرين وقد حملني والحاضرين مسئوليات تنوء بحملها الجبال الراسيات، فأنا السبب في استشراء الفساد وأنا السبب في الفقر والبطالة، بل وكل مخالفة مجتمعية أقرها المجتمع أو قادته.
“أي حاجة وحشة في العالم أنا مسئول عنها”
وأنا أكتب هذه المقالة حضرني مشهد للفنان “عادل إمام” في مسرحيته الشهيرة الزعيم، وهو يعذب من طرف ضابط المخابرات في أول المسرحية، وهو يقول أي حاجة وحشة في العالم أنا مسئول عنها، والبوسنة والهرسك أن السبب فيها، وخروج السعودية من كأس العالم أنا السبب فيه. ياللسخرية!
وبالتتبع وجد أن هذه الفكرة قد تأصلت في نفوس المسلمين حتى تسربت منهم معاني الثقة بالنفس والطموح والرغبة في التطور والتميز، وأصبحت قيادة العالم عبارات تجتر من حين لآخر دون تخطيط واضح أو تكاتف صريح استجلابًا لفخر حقيقي بما قدمه الأوائل الأخيار للعالم كله، مما لا ينكره إلا جاحد لكن مع عجز واضح في نفوس المخاطبين به الآن، والأقوال والأفعال الصادرة عن بعض الفضلاء من سلف الأمة الأخيار في تحميل النفس مسئولية فساد المجتمعات، ووجوب كبح جماح النفس وتهذيبها بل وعقوبتها وتعذيبها كثيرة جدًا بحيث تعطي الباحث الانطباع أنه منهج عامّ لا سيما في التجويع، كما عند السادة الصوفية أو حتى من أفعال بعض الأخيار من الأئمة الأبرار كما سلف.
كما وجد هذا في عادة التطبير التي ابتدعتها الشيعة الاثنا العشرية الإمامية والتي نرى مشاهدها منذ دخول ليلة عاشوراء والضرب بالسكاكين والسيوف للكبير والصغير وسيلان الدماء والقاذورات في الطرقات تأسفًا على مقتل سيدنا الحسين بن علي -رضي الله عنهما-.
التطبير.. أقدم مما نتخيل!
ومع مزيد بحث تبين أنها مناهج متشعبة ومتنوعة من جميع عقائد وديانات البشر الأرضية، مما يوحي -بلا شك- بتسربها إلى الشريعة الإسلامية في لحظة من لحظات الشعور بالندم أو الوجل أو القلق عند بعض الفضلاء حتى ألفتها بعض الجموع وتحولت إلى منهج حياة ألصقوه بالشريعة، والله تعالى غني عن تعذيب أحد لنفسه.
ومما يلفت الانتباه حالة القديس السوري “سيمون ستيليت” في القرن الخامس و”ستيليت” أي: ساكن الأعمدة وكان شهيرًا في وقته وشملت ممارساته المعتادة على الزهد والصيام الشديد وإيذاء النفس والحبس الانفرادي في أماكن صغيرة.
شعر “سيميون” أنه يجب عليه أن يفعل هذا بل وتتضمن دعوته للآخرين للقيام بهذه الأعمال حتى وصل به الحال أن يعيش في عزلة فوق عمود بطول (18) مترًا مكشوفًا تمامًا للناس وسرعان ما تجمعت عنده حشود من المشجعين القادمين لرؤيته وهو يحاول العيش بالطريقة التي اختارها وأصبح يتمتع بشعبية كبيرة لدرجة أنه في وقت من الأوقات كان لدى معظم المتاجر في روما صور صغيرة له يجلس على أعمدة مداخلهم وقد مات منتفخًا بطنه مع كسر في فقراته وقدمه حيث ثبّت نفسه.
ومن البدع المتصلة بهذا الموضوع الملابس الداخلية الخشنة المؤلمة (التي تُعرف أيضًا باسم قميص الشعر) وهي ملابس غير مريحة على الإطلاق ومؤلمة للغاية تلبس تحت ملابس عادية مما سمح للمرء “بتعذيب الجسد” وتقوية الروح كما يزعمون، وقد قام المسيحيون الأوائل بتصنيع هذه الملابس باستخدام شعر الماعز الخشن والنسيج الذي يشبه الخيش وقد تكون فيها بعض المسامير أو قطع الزجاج وارتدوا ملابسهم كقمصان داخلية شهدت هذه الممارسة القديمة أكبر ظهور لها في أوروبا في العصور الوسطى حيث أصبحت مشهورة ولها شعبية بين الزاهدين والقديسين والزعماء.
وكذلك كان شارلمان وإيفان الرهيب من بين أولئك الذين اختاروا أن يُدفنوا وهم يرتدون واحدة وكان بعضهم يرتديها تحقيرًا للنفس وتقليلًا من شأنها بل وعقوبة على التنعم بالطعام والشراب واللباس الناعم عند حدوث فورة من الندم أو الخشوع، ومن المشتهر بين طوائف متعددة من البشر الجلد بالسياط حيث كان ضرب النفس أمرًا معتادًا في العديد من الثقافات القديمة المختلفة من الأمريكيين الأصليين إلى الإسبرطيين إلى طوائف معينة من المسيحية والشيعة الاثني عشرية.
فحينما أصيبت إيطاليا بالطاعون عام (1259م) وعرف يومها بـ “الموت الأسود” قامت مجموعة من المسيحيين باعتبار أنهم المسئولون عن جلب هذا الطاعون بل وهم المسئولون عن رفعه عن البلاد عن طريق تعذيب أنفسهم والسماح للآخرين بتعذيبهم التماسًا للصفح والعفو من الله تعالى رتبت مجموعة من المسيحيين الذين رأوا الطاعون كحكم إلهي أنفسهم إلى ما كان بمثابة خط أو طابور وانتقدوا أنفسهم مرارًا وتكرارًا من أجل تقديم التماس من الله للصفح يقومون بهذا الفعل في الأعياد الدينية.
يتجولون في الشوارع ويركع بعضهم في الصلاة مع ربط أذرعهم بقطع خشبية تخترق الإبطين تحت مذبح مع صورة المسيح على الحائط مع تطهير أنفسهم من الذنوب بالضرب بالقضبان المعدنية بطريقة لا تعرف الرحمة أو الشفقة بل العنف والشدة والقسوة وهذا بمثابة إعلان التوبة والندم، بل وصل الحال ببعض الثقافات إلى تناول نباتات طبيعية يسبب الإكثار منها الهلوسة بل والعمى البصري من أجل الوصول إلى مرحلة العفو أو الندم.
والبحث في هذا يطول من التعليق من اللحم وقطع الأظفار ورش الملح والليمون على الجروح، كما ظهرت في الهندوسية حركات تنادي بقطع الأعضاء وخلع الأضراس وهكذا في مظاهر تبدو احتفالية أو حتى رمزية لكنها تعبر عن إشكالية كبيرة في التعامل مع النفس الإنسانية وعلاقتها بخالقها ومولاها.
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
هذه الأجيال التي تعيش الآن في عالمنا العربي المتسع هي نفوس تحتاج لمزيد رعاية وعناية لا لمزيد قهر وتسلط والوقوف بها في طرقات الحيرة والخذلان والشك بل ينبغي الأخذ بيدها إلى الطرق التي فيها نفعها في الدنيا والآخرة، الشعور بالأمان وغلبة الاطمئنان على الطعام والشراب والعلاج والأهل والعيال ينبغي أن يتصدر خطابات النخبة والمثقفين رعاية حال الناس واحتياجاتهم الإنسانية فالضرب في الميت حرام، وإذا أظلمت الدنيا بفعل جبابرة الأرض فلا ينبغي أن نظلم الآخرة في وجوه هؤلاء المساكين بزعم مسئوليتهم عن كل كبيرة وصغيرة في العالم كله.
ليت الخطباء والدعاة والعلماء والوعاظ يحملون رايات التفاؤل والأمل والبشارات الربانية والأرضية الواقعية للبشرية كلها والانخراط بين الناس ومعرفة آلامهم وآمالهم، ويبقى أمل صعب المنال أن يصرح الجميع بالظالم والفاسد الحقيقي والذي يتحمل العبء الأكبر والوزر الأخطر فيما آل إليه حال الناس والمجتمعات وليس الغلام في مقتبل العمر.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 6,133
مقال ملهم حول جلد الذات وادعاءات البعض أننا سبب في الفيروس كورونا
link https://ziid.net/?p=50728