إعمال العقل..هل تُقاس الماهية الإلهية بالعقل؟
هناك أمور في الحياة يصعب فيها إعمال العقل، حين يطلب منا تصديقها نتردد ولكن حين ندع الأمر للقلوب يصبح أسهل ونسلم به أسرع
add تابِعني remove_red_eye 2,798
إن أول ما يزج بالذين أعلنوا إلحادهم على الملأ هو القياس العقلي للأوامر والنواهي الإلهية، والمضي في مناقشتها بما يتواءم -في نظرهم- مع العقل والمنطق بمعادلة “1+1=2″، إذن فهل في هذا الصنيع وذلك الصدد على حقّ أمْ ضلوا الطريق؟
نقول: إن العقل والمنطق أداتان دنيويتان لا غنى عنهما لأي بشر إلا لعذر، مثل عدم البلوغ أو الأمراض العقلية والنفسية، مهمتهما هي تسخير المعطيات الدنيوية الملموسة أو المجردة بمنهاج يغرض إلى نتائج دقيقة تصاغ على هيئة حقيقة مسلم بها.
والمقصود بأنهما “أداتان دنيويتان” أن الحيّز الذي يصلح فيه إعمال العقل والمنطق هو الدنيا، والمشاهدات العينية والمدركات الحسية التي يبنى عليها الحكم النهائي، فمعنى ذلك أن الأمور الغيبية كالإله وما يدبره ويدير به كونه لا تخضع لهما، كذلك الأمور الإيمانية؛ لأنه إذا وقفنا وتمعنا في الحقيقة نجد أنه لا تلاقِيَ بين العقل والإيمان، ولا أقول إنهما متعارضان البتة، بل أقصد أنهما لا يتقاطعان في جهة، غير أن الإيمان قد يفجر طاقات تغييرية قد يعين عليها العقل ويشرع في سبر أغوارها، فإنك وأنت معدم يلم بك شظف العيش لكنك مؤمن جدًّا أنك ستصل إلى رتبة الأغنياء، ثم تقوم بالكد والكدح من أجل الوصول إلى تلك الرتبة، فما يعينك على ذلك غير إعمال العقل فيما تملكه هذه اللحظة.
إذن فليست كل القياسات تصلح أن تؤخذ في اعتبار العقل الإنساني، لأن كثيرًا من العبادات الدينية لا تتلاقى مع العقل وذلك لا يسوؤها ولا يقلل منها، بل وقد يصل بعضها إلى حد التنافي مع العقل الإنساني، لكنها قائمة لسبب، فمنها ما يختص بقياس درجة الإيمان في القلب، نحن نرى عبادات مثل الصيام والجهاد في سبيل الله والإنفاق في وجوه الخير، كلها لا تتقاطع مع المنطق العقلي، إلا أنها تنازلات إيمانية تطمئن بها نفس المؤمن، وتزيد من إحساسه بمعنى وجوده.
إذ هو يفعل كل ذلك من أجل رقابة فوقية، كلما شق عليه الصيام تذكر أنه ينظر إليه ويراه، فإنها خطوة في سبيل توطيد دعائمه، وترسيخ القيمة الدينية، كل ذلك لو تم إخضاعه للمنطق والحجة فقد الإنسان الإحساس بمعناه الحقيقي، ولم يعد قادرًا على مواصلة الحياة إذ لا معنى بلا مشقة، ونجد أن أكثر المُقدِمين على الانتحار هم ملحدون في الدرجة الأولى أكثر منهم متدينون.
ولكن كيف تعاملت الشرائع السماوية مع ذلك؟
إن الشرائع السماوية أكثر الشرائع التي أعانت على إعمال العقل، وراعت المبدأ المذكور أعلاه، فغلب عليها اتباعها منهج الاستدلال العقلي لإرضاء منطق البشر، إلا أن هذا الاستدلال يقف بالعقل إلى حد وجود صانع وإله واحد، لا يخترق الحجب إلى ما هو فوق ذلك لأن العقل تقف به طاقته عند ذلك الحد، وذلك وارد في نص القرآن الكريم: “ولمَّا جَاءَ مُوسَى لمِيقَاتِنَا وكلَّمَه رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلِكْنِ انْظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا…“.
وكان المنهاج المتبع في ذلك هو الإعجاز من جنس ما يعرف البشر، أي بلوغ الإله فيما يقوم به الإنسان مبلغًا لا يعقله الإنسان، إنما يضطر إلى تصديقه والإيمان به لأنه أعجز في شيء يعرفه، وذلك لما كان -الإنسان- هو أعرف بصنعته من غيره، يعرف من يستطيع أن يبلغ قَدْرًا ضئيلًا في هذا الشأن ومن يستطيع بلوغ الشأن العظيم، فرأى بعينيه الإتقان المطلق فيه، فلا يملك عندئذ إلا أن يسجد مثل سحرة فرعون، أو يطري عليه مثل إطراء الوليد بن المغيرة المخزومي على بيان القرآن الكريم، فبذلك يُعطى الإنسان ما يعينه من الأدلة العقلية على الانتقال إلى حدود السماء.
أما إذا تعدى الأمر حدود الحجب السماوية، فإن القوانين العقلية هنا لا يُعتدّ بها البتّة، وإن ذلك ما تجلّى في الفرق بين ما رآه موسى في الدنيا حين طلب من الله رؤيته، وحين أُتيح للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرى الله في الإسراء والمعراج، فإن القوانين الدنيوية غير مُعدّة ولا مهيّئة لمثل طلب موسى -عليه السلام-، إنما قوانين السماء عند الله تتيح ذلك.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 2,798
هل تُقاس الماهية الإلهية بالعقل؟ مقال يساعدك على الفهم
link https://ziid.net/?p=63404